أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، أبريل 16، 2025

أوهام الحرية وأغلال العبودية: قراءة في تناقضات المجتمعات

تجذر المفهوم الصحيح للحرية ينعكس على معمار الشعوب وفنونها الحرفية وثقافتها


جمال الهمالي اللافي

من أبرز التناقضات التي تكشف عن حالة الفصام العميقة في المجتمعات التي تتسم بالجهل، ذلك التباين الجلي بين حبهم المُعلن للحرية وتوقهم إليها فكريًا، وبين استسلامهم المُمارَس للعبودية في حياتهم اليومية. تراهم يمجدون الحرية ويرفعون شعاراتها، بينما يغرقون في قيود العبودية، إلى درجة أنهم يقاومون أي محاولة لتحريرهم من أغلالها، وكأن هذه المحاولات تهدد بنسف قيمهم الراسخة.

لا تتوقف هذه الظاهرة عند المفاهيم النظرية أو السلوكية، بل تمتد جذورها إلى تفاصيل الحياة اليومية التي تعكسها المحسوسات قبل أن تتجذر في المعنويات. يظهر هذا التناقض بوضوح في اختياراتهم للطعام واللباس، وفي نمط تشييدهم للعمران الذي غالبًا ما يستنسخ أشكالًا خارجية دون أدنى فهم لطبيعة هذه التصاميم أو ملاءمتها لواقعهم، وحتى في تعاملهم مع الفنون الحرفية، حيث تطغى الرداءة على ما يُستورد ويقل فيها الإبداع نتيجة إهمالهم الاعتماد على أنفسهم في إنتاج هذه الفنون.

يزداد هذا التناقض حدة في المشهد الثقافي والأدبي، حيث يروّجون لتطلعات تبدو تحررية في الظاهر، بينما تكرس تصرفاتهم جوانب العبودية في سلوكهم، بدءًا من النفاق السياسي والاجتماعي وصولًا إلى خطابات التعصب الأعمى التي تُكرس الانتماءات القبائلية والمناطقية والجهوية والحزبية.

إن أثر هذا التناقض على السلوكيات والمعاملات اليومية يبدو جليًا؛ حيث تُظهر أبسط التعاملات مدى تشبثهم بقيود تستعبدهم، مفضلين هذه القيود على أي محاولة جادة لتوعيتهم بحقيقة واقعهم الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. هذه القيود تشكل حاجزًا أمام أي تغيير جذري يمكن أن يُعيد بناء حياتهم على أسس أكثر وعيًا وكرامة. لذلك، فإن هذه الظاهرة تؤثر بعمق على هوية المجتمع، وتُلقي بظلال قاتمة على طبيعة تطلعاته المستقبلية، مما يجعله أسيرًا بين وهم الحرية وواقع العبودية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية