أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الثلاثاء، يونيو 24، 2025

الظاهر والباطن في العمارة المحلية الطرابلسية: تجليات الخصوصية والانفتاح في تصميم المسكن المعاصر



جمال الهمالي اللافي

        تُعد العمارة المحلية في طرابلس، كغيرها من المدن العريقة في حوض المتوسط وشمال إفريقيا، تجسيداً عميقاً لفلسفة اجتماعية وثقافية متجذرة. تظهر هذه الفلسفة بوضوح في العلاقة المترابطة بين "الظاهر" و"الباطن"، في هذه المقالة تناولت هذه العلاقة بين الظاهر والباطن في العمارة المحلية الطرابلسية، مستنداً إلى تصميمي لمشروع المسكن الطرابلسي المعاصر- النموذج الرابع:

1. الظاهر: الحماية، الهوية، والاندماج الحضري

يتمثل "الظاهر" في العمارة الطرابلسية التقليدية، وفي تصميمك المعاصر، في الكتلة الخارجية للمبنى. تتميز هذه الواجهة بخصائص تعكس أولويات المجتمع والقيم المناخية:

·         الكتلة المصمتة والفتحات المحدودة: تُبرز الصورة الخارجية لتصميمك الجدران البيضاء السميكة والفتحات الصغيرة نسبياً، خاصة في المستويات السفلية. هذا الجمود الظاهري ليس مجرد اختيار جمالي، بل هو استجابة عملية لعدة عوامل:

·     الحماية والخصوصية: توفر الواجهات المصمتة حاجزاً بصرياً وصوتياً، يحمي حياة الأسرة الخاصة داخل المسكن من أعين المتطفلين ومن صخب الشارع. هذا المفهوم متأصل بعمق في الثقافة الإسلامية، التي تؤكد على قيمة الحجاب والستر.

·     التحكم المناخي: في بيئة طرابلس الحارة والمشمسة، تقلل الفتحات الصغيرة من اكتساب الحرارة الشمسية المباشرة، مما يساعد في الحفاظ على برودة داخلية نسبية. هذه الاستراتيجية الذكية تظهر بوضوح في تصميمك من خلال النوافذ الخضراء المحمية.

·     الهوية المحلية: على الرغم من التطور المعاصر، يحتفظ تصميمك بملامح أساسية من العمارة التقليدية، مثل استخدام الألوان الفاتحة (الأبيض غالباً) والأشكال الهندسية البسيطة. هذا يحافظ على انسجام المبنى مع النسيج الحضري للمدينة ويعكس هويتها الثقافية.

·     التفاصيل الزخرفية المحدودة: غالبًا ما تكون الزخارف على الواجهات الخارجية للمنازل الطرابلسية محتشمة ومتركزة حول المداخل أو النوافذ العلوية (المشربيات أو الشبابيك المحمية بالخشب). في تصميمك، تظهر اللمسات الخضراء على الأبواب والنوافذ كعناصر زخرفية تكسر بساطة الكتلة وتضيف لمسة من الحيوية، مع الحفاظ على الرصانة العامة.

2. الباطن: الانفتاح، النور، والحياة الأسرية

بمجرد تجاوز الكتلة الخارجية، ينكشف "الباطن" في العمارة الطرابلسية، وهو الفناء الداخلي (الحوش). هذه المساحة هي قلب المسكن، وتجسد مفاهيم الانفتاح والضوء والحياة الاجتماعية للأسر:

·     الفناء المركزي (الحوش): كما يتضح من الصورة الداخلية لتصميمك، يعتبر الفناء المركزي هو العنصر المحوري. هو مصدر الإضاءة الطبيعية والتهوية للمسكن، حيث تطل عليه جميع الغرف تقريباً. في تصميمك، يظهر الفناء مضاءً جيداً، وتنعكس الإضاءة على أرضية الفناء المربعة باللونين الأبيض والأسود.

·     الانفتاح البصري والوظيفي: على عكس الواجهات الخارجية، تتسم واجهات الفناء الداخلي بالانفتاح. تظهر الأقواس والنوافذ الكبيرة ذات الزجاج الملون، والتي تسمح بدخول الضوء وتوفر إطلالات على الفناء، مما يخلق إحساساً بالاتصال بين مختلف أجزاء المنزل. في تصميمك، تُظهر الأقواس والنوافذ الواسعة (خاصة الزجاجية الملونة في الأعلى) هذا الانفتاح.

·     الحديقة المائية والعناصر الطبيعية: تقليدياً، غالبًا ما يضم الحوش عناصر طبيعية مثل الأشجار والنباتات والنوافير المائية. في تصميمك، تبرز النافورة المائية في وسط الفناء، مضيفة عنصراً جمالياً وصوتياً مهدئاً، وتساهم في تلطيف الجو. النباتات في الزاوية اليمنى العليا تضيف لمسة من الطبيعة والحياة.

·     الخصوصية الداخلية: على الرغم من انفتاحه على الفناء، فإن الحوش يحافظ على خصوصية الأسرة داخله. فهو مكان محجوب عن أعين الغرباء، يسمح لأفراد الأسرة بالاسترخاء والتجمع بحرية.

3. التناغم بين الظاهر والباطن في تصميمك المعاصر:

·     لغة معمارية موحدة: على الرغم من التباين في الانفتاح، هناك لغة معمارية موحدة تربط بين الجزأين. الخطوط النظيفة، استخدام الألوان المشابهة (مثل الأبيض والأخضر البارز في النوافذ)، تظهر تناغماً بين الكتلة الخارجية والفناء الداخلي.

·     التشجيع على التكيف: تصميمك يبرهن على أن العمارة المحلية ليست جامدة، بل يمكنها التكيف مع المتطلبات المعاصرة مع الحفاظ على روحها وجوهرها.

·     إعادة تعريف الجماليات: لقد أظهرت كيف يمكن للجماليات التقليدية (مثل الأقواس والزجاج الملون) أن تظهر بشكل جديد وعصري ضمن سياق معماري حديث.

خاتمة: رحلة نحو تأصيل المسكن الطرابلسي المعاصر

لقد كانت رحلتي في تصميم "المسكن الطرابلسي المعاصر" سعيًا حثيثًا نحو فهم وتجسيد جوهر العمارة المحلية، ودمجها بمتطلبات عصرنا الحديث. في هذا المسعى، أدركتُ بعمق أن العلاقة بين "الظاهر" و"الباطن" في العمارة الطرابلسية ليست مجرد سمة تصميمية، بل هي انعكاس أصيل لفلسفة حياة متجذرة في ثقافتنا وهويتنا. إنها فلسفة تؤكد على القيمة العميقة للخصوصية والأمن من الخارج، لتوفير ملاذ آمن وهادئ، بينما تحتفي في ذات الوقت بالانفتاح، والضوء، وثراء الحياة الاجتماعية داخل الأسوار المحمية للفناء.

لقد سعيتُ جاهداً في هذا التصميم، وعبر المساقط الأفقية التي طورتها، إلى تحقيق توازن دقيق بين هذه القيم التقليدية والاحتياجات الجمالية والوظيفية المعاصرة. من خلال التركيز على النقاء في الأشكال، وتوحيد ارتفاعات الكتل الرئيسية، واستخدام الطوب الرملي الأبيض بسمك 40 سم كعنصر مادي أصيل وصادق، حاولتُ أن أقدم تجسيدًا ملموسًا لهذه الفلسفة. الواجهة الخارجية، بكتلتها الصماء ولونها النقي، لا تمثل حاجزاً مادياً فحسب، بل هي تعبير عن الحماية والتحفظ الذي يميز ثقافتنا. وفي المقابل، ينبثق الفناء الداخلي - "الحوش" - كقلب نابض بالضوء والهواء النقي، مزوداً بعناصر بسيطة وذات معنى كالنافورة المائية والنباتات المنتقاة بعناية، ليصبح مساحة شفافة تحتضن الدفء العائلي وتتيح انفتاحاً بصرياً ووظيفياً يغذي الروح.

إن كل تعديل أُجري على المساحات، وكل تفصيل إنشائي تم تبسيطه، وكل عنصر تأثيث تم اختياره وتوزيعه فراغيًا، لم يكن مجرد خيار تصميمي عابر، بل كان جزءاً من محاولة متجددة ومستمرة، هي امتداد لمحاولات سابقة على مدى عقود مضت، للوصول إلى النموذج الأكثر مثالية للمسكن الطرابلسي المعاصر. في هذا النموذج، لم أهدف إلى "تغريب" عمارة بلادي، بل إلى "تأصيلها"؛ تجريدها من كل ما هو زائف، وإبراز جوهرها النقي بأسلوب يتحدث لغة العصر دون أن يتنكر لتاريخه العريق.

أعتقد أنني بهذا التصميم قد اقتربتُ إلى حدٍ كبير من تقديم نموذج مُلهم للعمارة المحلية التي لا تكتفي باحترام ماضيها العريق فحسب، بل وتتطلع بثقة ووعي نحو مستقبلها، حاملةً في طدراتها روح الأصالة ومعاصرة الرؤية. هذا المشروع، بكل تفاصيله، هو لبنة أساسية في كتاب أطمح أن يكون شهادة على هذه الرحلة، ومساهمة متواضعة في إثراء الفكر المعماري لمدينتنا الحبيبة.


الاثنين، يونيو 23، 2025

تقييم الكفاءة في العمارة: جدلية الشهادة والخبرة


جمال الهمالي اللافي

لقد أضحى تقييم الأحقية في الممارسة المعمارية، سواء النظرية أو العملية أو الخبرة المهنية، يعتمد بشكل شبه كلي على حيازة الشهادات الأكاديمية. هذا التوجه يثير تساؤلات جدية حول القيمة الحقيقية لحامل الشهادة في مجال الممارسة وكفاءة أدائه المهني الفعلي. يصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما تُمنح الدرجات التأهيلية بناءً على مدة الحصول على الشهادة، لا على الأداء المهني، مما يؤدي إلى تصنيفات مثل "معماري استشاري" أو "معماري رأي" استنادًا إلى عدد سنوات التخرج فقط.

تأثير هذا التوجه على التعليم والممارسة

هذا الاعتماد المفرط على الشهادات يخلق دافعًا خطيرًا نحو "التهافت" على الحصول عليها، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم وممارسة المهنة في مجال العمارة. من أبرز تجليات هذا التهافت:

·     فصل الخبرة عن التدريس: يصبح غير مسموح لحاملي درجة البكالوريوس بالتدريس في كليات وأقسام العمارة، بغض النظر عن عمق خبرتهم وكفاءتهم المهنية. هذا يحرم الأجيال الجديدة من فرصة الاستفادة من الخبرات العملية الثمينة التي لا يمكن للشهادات وحدها أن توفرها.

·     التركيز على الشهادة لا المحتوى: يمنح حق التدريس حصريًا لحاملي الماجستير والدكتوراه، بمعزل عن طبيعة الرسالة العلمية المقدمة. فإذا كانت الرسالة تدور حول استخدام برنامج رسم معماري أو حتى مواضيع لا تمت بصلة مباشرة لجوهر الممارسة المعمارية كالبحث في عقود النفط أو الحفريات ما قبل التاريخ، فإنها تمنح صاحبها أحقية التدريس في أي مادة دون قيود. هذا يقلل من قيمة المحتوى العلمي والبحثي ويفضل الشكل على الجوهر.

·     تصورات خاطئة عن الذكاء والكفاءة: في بعض المجتمعات، تتحول هذه الشهادات إلى "أوسمة" تخلع على حامليها هالة من "الذكاء الخارق" و"البراعة الفائقة في الممارسة المهنية"، حتى وإن كانت طريقة الحصول عليها موضع تساؤل. الأمر يصل إلى حد منح هذه الدرجات لمن يمتلك نفوذًا، مما يرسخ تصورًا خاطئًا بأن اللقب يغني عن الجد والاجتهاد والتحصيل العلمي الحقيقي.

العوائق أمام المبدعين

في المقابل، يقف المجتمع، وقبله جهات الاختصاص، كحجر عثرة أمام المبدعين في مجال الهندسة المعمارية، والذين قد لا يملكون تلك "الشهادات الورقية" لكنهم يمتلكون موهبة وخبرة وكفاءة عملية فذة. هذا التناقض يؤدي إلى:

·     إقصاء الكفاءات الحقيقية: كثير من المبدعين الذين يمتلكون حسًا معماريًا فريدًا وخبرة عملية واسعة يجدون أنفسهم مهمشين أو غير معترف بهم رسميًا لعدم حيازتهم للدرجات الأكاديمية العليا.

·     تكريس للبيروقراطية على حساب الإبداع: يصبح النظام بيروقراطيًا بحتًا، حيث الأوراق والمؤهلات الشكلية تتفوق على الإبداع والابتكار والقدرة الفعلية على الإنجاز.

·         فقدان الثقة بالمنظومة: عندما يرى الناس أن الشهادات تمنح بمعزل عن الكفاءة الحقيقية، تتزعزع ثقتهم بالمنظومة التعليمية والمهنية برمتها.

نحو حلول بناءة

لمعالجة هذه الإشكالية، يمكن اقتراح بعض الحلول المنهجية التي تهدف إلى تحقيق توازن بين المعايير الأكاديمية والخبرة العملية:

1.   إعادة تقييم معايير التدريس: يجب أن تركز معايير أهلية التدريس في أقسام العمارة على مزيج من المؤهلات الأكاديمية والخبرة المهنية الموثقة. يمكن إنشاء مسارات مختلفة للأساتذة الممارسين الذين قد لا يمتلكون شهادات عليا ولكنهم يتمتعون بخبرة عملية واسعة ومساهمات بارزة في المجال.

2.   تطوير برامج تقييم الكفاءة المهنية: بدلاً من الاعتماد الكلي على سنوات التخرج، يجب تطوير آليات لتقييم الكفاءة المهنية الفعلية للمعماريين، مثل اختبارات الكفاءة، تقييم المشاريع المنجزة، والمقابلات مع لجان خبراء مستقلة.

3.   إعادة النظر في محتوى الرسائل العلمية: يجب توجيه رسائل الماجستير والدكتوراه نحو مواضيع ذات صلة مباشرة بالممارسة المعمارية والتحديات المعاصرة في المجال، بدلاً من التركيز على جوانب نظرية بحتة أو برامج تطبيقية يمكن تعلمها بسهولة خارج السياق الأكاديمي.

4.   تعزيز الشراكة بين الأوساط الأكاديمية والمهنية: يجب تشجيع التعاون الوثيق بين الجامعات والنقابات المهنية ومكاتب العمارة لضمان أن المناهج التعليمية تتماشى مع متطلبات سوق العمل وأن الخبرات العملية يتم تقديرها وإدماجها.

5.   التوعية بأهمية التوازن: نشر الوعي في المجتمع بأهمية التوازن بين التحصيل العلمي والخبرة العملية الحقيقية، والتشديد على أن الشهادة هي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها.

إن معالجة هذه القضية تتطلب جهدًا جماعيًا من الجهات الأكاديمية والمهنية والمجتمع ككل. فالمهم هو بناء جيل من المعماريين القادرين على الإبداع والابتكار وتقديم قيمة حقيقية للمجتمع، لا مجرد حاملي شهادات.

السبت، يونيو 21، 2025

ابتكار في التصميم السكني: مشروع يكسر نمطية 'المساكن الشعبية' بمقاربة ذكية

 

 

جمال الهمالي اللافي

مقدمة:

في ظل التوسع العمراني المتزايد في بلداننا والعديد من دول العالم، تشهد المشاريع الإسكانية طفرة كمية بهدف تلبية الطلب المتنامي على السكن. إلا أن الكثير من هذه المشاريع تقع في فخ تكرار نموذج سكني واحد، غالبًا ما يكون ذلك سعيًا لخفض التكلفة. هذا التوجه، ورغم بساطته الاقتصادية، يفقد هذه المشاريع قيمتها المعنوية والجمالية، ويحيلها إلى ما يسمى بـ "المساكن الشعبية"، ما يؤثر سلبًا على هوية الساكنين وشعورهم بالانتماء، بغض النظر عن حجم المبالغ المدفوعة أو جودة التشطيب الداخلي.

التحدي والمعضلة:

إن القيمة المعنوية للمسكن تتجاوز كونه مجرد مأوى، فهي تتأثر بشكل كبير بالشكل الخارجي والتصميم المعماري. فعندما يرى الساكن واجهة منزله مطابقة تمامًا لعشرات الواجهات الأخرى في الحي، يتلاشى لديه الإحساس بالتفرد والتميز، ويحل محله شعور بالنمطية والتكرار. هذه المعضلة تواجه كل من المطورين العقاريين، سواء كانوا جهات حكومية تقدم السكن بالأقساط، أو مستثمرين من القطاع الخاص، فالمشروع يفقد بريقه المعنوي بمجرد تكرار النموذج، حتى وإن كان البناء والتشطيب على أعلى مستوى من الفخامة.

الحل المبتكر: مقاربة تصميمية ذكية:

إدراكًا لهذه المشكلة، جاء مشروع التصميم السكني الذي نناقشه اليوم ليقدم حلاً مبتكرًا وفعالاً. يعتمد هذا الحل على مبدأ الحفاظ على المسقط الأفقي (المخطط الإنشائي) الأساسي للمسكن، مع التركيز على إحداث تعديلات ذكية على الواجهات الخارجية. الهدف هو تحقيق التنوع البصري الذي يوحي بوجود نماذج معمارية مختلفة، في حين أن الهيكل الداخلي قد يكون واحدًا أو متشابهًا بشكل كبير.

تفاصيل المشروع: من التكرار إلى التنوع البصري:

في هذا المشروع، قمت بتطوير مجمع سكني صغير يوضح هذه الفكرة ببراعة. فبدلاً من الالتزام بنموذج واحد مكرر، تم تحويل النموذج الأساسي إلى أحد عشر نموذجًا مختلفًا في مظهرها الخارجي. هذه التعديلات لم تؤثر على المسقط الأفقي أو الخريطة الإنشائية للمباني، مما يضمن عدم زيادة التكلفة بشكل كبير أو تعقيد عملية البناء.

تحليل العناصر الجمالية للمشروع المرفق صوره:

من خلال الصور المرفقة للمجمع السكني، تتضح فعالية هذه المقاربة:

  1. التنوع في الواجهات: تظهر الوحدات السكنية، وخاصة المساكن الأرضية وملحقاتها، وكأنها غير متشابهة في تصميمها المعماري من الخارج. هذا التنوع يتحقق من خلال:

·     اختلافات في عناصر الواجهة: مثل أشكال الفتحات (النوافذ والأبواب)، إضافة بروزات أو تراجعات بسيطة، استخدام عناصر تظليل (مثل المظلات أو العرائش) بتصاميم مختلفة.

·         توزيع العناصر المعمارية: تغيير أماكن بعض التفاصيل أو نسبها يخلق إحساسًا بالنموذج المختلف.

·         الاهتمام بالتفاصيل: حتى التعديلات الطفيفة في الواجهة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في المظهر العام.

  1. وحدة اللون والتناغم البصري: على الرغم من التنوع في التصميم، حافظ المشروع على توحيد اللون الأساسي للمباني (اللون الأبيض) مع استخدام ألوان موحدة للعناصر الثانوية (مثل الأخضر في الأبواب والنوافذ الدرابزينات والتظليلات). هذا التوحيد اللوني يضمن عدم حدوث تنافر بصري يخل بجماليات الحي السكني، ويساهم في خلق شعور بالانسجام والهدوء.
  2. المساحات المشتركة والتخطيط: اعتمد التصميم على فناء أو مساحة خضراء مركزية، مما يعزز مفهوم المجتمع ويوفر مساحة ترفيهية للسكان. هذا التخطيط يضيف قيمة إضافية للمشروع.

الخاتمة:

إن هذا المشروع يقدم نموذجًا يحتذى به في التخطيط والتصميم السكني المستدام والمراعي للجوانب الإنسانية والجمالية. إنه يثبت أن تحقيق التنوع المعماري ورفع القيمة المعنوية للمسكن ليس بالضرورة أن يكون باهظ التكلفة. فبمقاربة ذكية تعتمد على معالجة الواجهات الخارجية دون المساس بالهيكل الإنشائي، يمكننا تحويل المشاريع السكنية من مجرد كتل خرسانية متشابهة إلى أحياء سكنية فريدة، تمنح سكانها إحساسًا بالفخر والتميز، وتساهم في بناء مجتمعات أكثر جمالاً وإنسانية.

مدن الجبل الغربي

 


مدينة الجوش

الأستاذ/ سعيد حامد

باحث تاريخي

تبعد عن طرابلس بنحو 200 كم وقبل الوصول إلى مدينة نالوت بنحو 70 كم وتقع في منطقة الجفارة وتبعد عن قدم الجبل بنحو 10 كم. كانت المنطقة تابعة لقضاء نالوت (سنجق الجبل ) وفي سنة 1876 أصبحت مع النوائل  وشكشوك وقصر الحاج تؤلف قضاء الحوض حل هذا القضاء 1899 فعادت الجوش إلى نالوت وأصبحت في سنة 1902 ناحية وفي سنة 1909 أصبح قضاء باسم نجاد تكريما لنجاد ابن رجب باشا (1904- 1908)  احتفظت الاستعمار الايطالي بهذا القضاء.

إذا رجعنا إلى الفترة القديمة الرومانية فإننا سنعتمد على فرانشسكو كورو وهو قائد إيطالي كلف من قبل القيادة الإيطالية بالجوش باحتلال الجانب الغربي من منطقة جبل نفوسة سنة 1922 وهم مهتم بالآثار الرومانية يذكر أن المكان كان في القديم مزدهرا جدا وتشهد بقايا الأنقاض في حفرة الحمير والحجار ورأس الجبس وقصر الحمير والاخير كما يذكر عبارة عن كدس من من الحجارة تبرز بينها أسوار ضخمة طويلة وبقايا آثار بروج وهي خاصية أمازيغية شيدت بحجارة صغيرة مملطة بجبس وكلس يعتقد أنها من بناء الأهالي ويحتمل أن هناك قصر روماني تحت الأنقاض وهناك بقايا بنايات منفصلة لعلها كانت في الأصل مقرا لقوات المنطقة وقائدها وآثار مقابر وبقايا ضريح برأس الجبس ويشير أن السكان المحليين يقبلون على المكان في ذلك الوقت لصناعة الجبس وأن آثاره ستختفي مع مرور الزمن هذا في سنة 1922.

من أهم المعالم الحالية في المدينة القصبة  وهو عبارة برج مراقبة شبه مربع يستدق كلما اتجه إلى الأعلى بارتفاع قدره نحو 10 متر بنى بالحجارة الصغيرةوالطين والجبس ولا يوجد بوسطه  درج وعلى أن المرء ان يتسلق و استعمال حبل لذلك. وبناء المدينة بنى بالنفس المواد المستعملة في مدن جبل نفوسة من حيث مواد البناء من الحجار الصغيرة والطين والجبس وطرازها المعماري واستعمال جذوع النخل وأغصان شجر الزيتون في الأسقف والأبواب والنوافذ ويلاحظ استعمال العقود والتسقيف البرميلي ومن أهم معالمها الجامع القديم ولا يوجد تاريخ محدد للبناء.

وهناك جامع بجوار الطريق المعبد الرئيسي يعرف باسم المستغيات وحسب روايات من رافقنا من أعيان الجوش والروايات الشفوية المتداولة بينهم أن المستغيات ينحدر أصله من نواحي الجزائر بينما يذكر دي اوغسطيني أنه نازح من نفزاوة من الجنوب التونسي ودفين الجوش وهنا جامع الجوش الكبير. وجوامع الجوش بنيت بنفس المواد وتتشابه في معمارها وجميعها  بها انهيارات بسيطة وفي  حاجة ماسة لان تقوم الأيدي الخبيرة بأعمال الصيانة والترميم بها حتى لا تفقد الجوش وليبيا بعض معالمها نتيجة الإهمال. كانت الرحلة إلى الجوش يوم 8 يونيو 2023 وزيارة المدينة القديمة و القصبة والجوامع رفقة الأساتذة طلال بريون و يسرى بن يعلا و عبد المطلب بوسالم وسيف البى وبعض أعيان المدينة.

العمارة: صياغة حياة، لا مجرد مبانٍ

بيت جبلي
 

جمال الهمالي اللافي

إن جوهر العمارة الحقيقية يكمن في الشغف الذي يتجاوز كل الأهداف المادية، دافعًا بالمعماري نحو رسالة أعمق تجاه مجتمعه. ليست مهمة المعماري أن يعالج خللاً قائمًا، كما يفعل الطبيب مع مريضه؛ بل أن يسبق هذا الخلل. رسالتنا هي صياغة نمط حياة مثالي، نسعى من خلاله لتحصين المجتمع وتجنيبه الأمراض الاجتماعية والبصرية والنفسية. نحن لا نبني جدرانًا فحسب، بل نصمم تجارب إنسانية، ونخلق بيئات تُلهم الصحة، وتعزز الترابط، وتثري الوجود البشري. هذا السعي وراء الكمال الحضري والمعيشي هو ما يحدد شغف المعماري الحقيقي ودوره الحيوي في بناء مجتمع أكثر صحة وسعادة.


الخميس، يونيو 19، 2025

مخاطر الانقياد الأعمى في الفكر المعماري: دعوة للتمحيص النقدي

 

النموذج الرابع للمسكن الطرابلسي المعاصر 2025

جمال الهمالي اللافي

كثيرًا ما يُنظر إلى اعتناق الأفكار المعمارية على أنه مسار للإبداع والتقدم، ولكن هذا الاعتناق، إذا لم يصاحبه تمحيص نقدي، قد يقود بالضرورة إلى استيعاب كامل وشامل لكل ما يحمله صاحب هذه الأفكار من قناعات ومعتقدات وقيم. إن هذا التماهي، أو ما يمكن وصفه بالاندماج الكلي مع فكر المعماري المؤثر، قد يصل إلى درجة خطيرة يتم معها إزاحة العقل جانبًا وإعفائه من أي مسؤوليات رقابية أو تحليلية أو تقييمية. 


عندما يُعطل العقل النقدي

تكمن الخطورة الحقيقية في أن يصبح كل ما يقوم به المعماري المتبوع أو يتلفظ به، مسألة تستوجب الاتباع والتقليد، دون أن يصاحبها لحظة توقف للمراجعة والتمحيص. في هذا السياق، لا يعود هناك مكان للمساءلة أو التقييم المستقل؛ فالقناعات الشخصية للمفكر المعماري تتحول إلى حقائق مطلقة، وتغدو قيمه بمثابة معايير لا يمكن التشكيك فيها. هذا الوضع يفرغ الممارسة المعمارية من جوهرها الإبداعي النقدي، ويحولها إلى مجرد استنساخ باهت لأفكار الآخرين. 


وهم النعيم الأبدي في هاوية التقليد

إن أبلغ تعبير عن هذه الحالة هو السيناريو الذي ألخصه بهذه الفقرة: "فإن رمى بنفسه في هاوية لا يجد التابع بدًا من اللحاق بسيده يقينا منه إنما يقوده بذلك إلى النعيم الأبدي." هذه الصورة المجازية تجسد الانجراف الأعمى نحو مسارات قد تكون وخيمة العواقب. فإذا كان الفكر المعماري المؤثر يحمل في طياته تناقضات أو قصورًا، فإن التبعية المطلقة ستؤدي إلى تبني هذه التناقضات والقصور دون وعي أو قدرة على التصحيح. النعيم المتوهم هنا هو وهم الانتماء إلى فكر عظيم، حتى لو كان هذا الفكر يقود إلى مسارات غير صحيحة أو مستدامة. 


دعوة للمراجعة والتمحيص

لضمان تطور الفكر المعماري وازدهاره، من الضروري أن نتجاوز مرحلة التقليد الأعمى إلى مرحلة التبني الواعي والناقد. يجب أن تظل قدراتنا التحليلية والتقييمية في حالة يقظة دائمة، وأن نمنح أنفسنا دائمًا مساحة للمراجعة والتمحيص. فالمعماري الحقيقي ليس مجرد مقلد، بل هو مفكر، ومبتكر، وقادر على تقييم الأفكار والبناء عليها، أو حتى رفضها إذا ما تعارضت مع مبادئه المعمارية أو احتياجات المجتمع. 


ختامًا،

إن الانقياد الأعمى وراء أي فكر، مهما بلغ نفوذه، يمثل تهديدًا خطيرًا للإبداع والتفكير المستقل في مجال العمارة. الفهم الحقيقي للأفكار المعمارية يتطلب منا ليس فقط استيعابها، بل وتفكيكها، تحليلها، وتقييمها بوعي كامل. هل تعتقد أن هذا التحدي يزداد تعقيدًا في عصرنا الحالي مع سهولة الوصول إلى كم هائل من المعلومات والأفكار؟

الأحد، يونيو 15، 2025

مدن الجبل الغربي


قرية طمزين

الأستاذ/ سعيد حامد

باحث تاريخي

هي من قرى جبل نفوسة القديمة تبعد عن مدينة طرابلس بنحو 250 كم وعن مدينة نالوت بنحو 55 كم و يتم الصعود إليها عن طريق يصعد إليها من تيجي ويعرف باسم شليوني طمزين. الاسم باللغة الأمازيعية وتعنى الشعير وحسب الرواية المتداولة بين أهلها باختصار أن رجلا غنيا كان يستشير من بين أهلها ولكنه افتقر ولم يعد يستشار و أكرمه الله بزرع كما يقال صابه فأصبح من من الأغنياء واستدعى مع جماعة للاستشارة وطلب منه الحضور فقام باحضار صرة صغيرة معه ولما تم الإلحاح عليه ليقول رأيه فتح الصرة وكان بها شعير وقال باللغة الأمازيغية ما معناه تكلم يا شعير كناية عن أن من دعى إلى الاجتماع المال وليس شخصه وهذه بالطبع من الروايات التي تؤل الاسم كما في بعض المدن الأخرى

وهذه القرية كما يقول عنها الشيخ علي يحيى معمر كانت عامرة برجال فيهم علم وفضل. تذكر الرواية المتداولة بين أهالي طمزين أنها تأسست سنة 777 هجرية إذ وجد هذا التاريخ مكتوبا على صخرة بجوار قصرها  وأن أهل قرية تحارت والتي تبعد عنها بنحو 1 كم قد انتقلوا إلى موقعها وتم بناءها ومهما كان التاريخ فهي قرية قديمة إذ ينسب بعض العلماء الذين عاشوا في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي إليها .

القرية القديمة ما تزال تحتفظ بمعالمها وإن أثرت  فيها عوامل الزمن والاهمال وانتقال أهلها إلى مبان جديدة خارجها ويلاحظ الزائر لها اليوم الاهتمام من أهلها في تنظيف الطرق و محاولة ترميم بعض بيوتها و هنا لا يسعنا إلا أن أن نشكر السيد عبدالله الهوفاري الهوفاري على مجهوداته في ذلك مع تعاون بعض الأهالي والخيرين في دعمه ماديا ومعنويا ويلاحظ مدى الجهد المبذول وتجميعه لمقتنيات تقليدية تعد نواة لتأسيس متحف وهو بمجهوده وتعاون بعض الأهالي قام بعرضها ويستقبل زوار القرية القديمة ويطلعهم على المقتنيات مع تقديم الشروح عليها.

لا يختلف معمار طمزين عن بقية مدن وقري جبل نفوسة وأيضا المواد المستعملة في البناء من حجارة صغيرة وطين وجنس وجذوع النخيل وأغصان شجر الزيتون. ومن أهم معالم المنطقة مدرسة أبي عثمان سعد بن أبي يونس الطمزيني وقد عاش في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي تلقى تعلمه بمدينة تاهرت عاصمة الدولة الرستمية على يد حاكمها عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم وكان متبحرا في العلوم الشرعي ولاه  على قنطرارة و المنطقة القريبة منها وعرف بالاستقامة والتدين . ولما تم تدميرها على يد إبراهيم بن الأغلب  الثاني بعد موقعة مانو 283 هجرية وكانت  الدولة الأغلبية قد تأسست على يد إبراهيم بن الأغلب سنة 184 هجرية تركزت الحركة العلمية في  قرية تمصمص جنوب طمزين والقريبة منها. وقد استمرت المدرسة تؤدى دورها التعليمي إلى القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي.

ومن المدارس التي نالت شهرة مدرسة أبو محمد خصيب بن إبراهيم التمصمصي  وهو من علماء النصف الأول من القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي أسسها في قرية تمصمص القريبة من طمزين وتخرج منها العديد من العلماء ودرست بها أم ماطوس التي التحقت بها ودرست مع طلبة المدرسة وهي فتاة  وكافحت من أجل تلقى العلم رغم معارضة أهلها ولم يمنعها بعد المسافة بين قريتها والمدرسة وأصبحت عالمة وممثلة للمرأة في المجالس العلمية التي يعقدها المشائخ والعلماء في مختلف القري. من أبرز الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد من العلماء أبو زكريا يحيى بن سفيان اللالوتي عاش في النصف الثاني  من القرن الرابع الهجري / النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي وغيره.

من معالم طمزين بعض المساجد التي ما تزال قائمة ومنها مسجد أبي عثمان بن سعد بن أبي يونس ومسجد الحاجة مسعودة واشتهر بين الأهالي بهذا الاسم ولا يعرف عنها أية معلومات  المسجدان تعرضا لبعض الانهيارات البسيطة والنبش ويمكن ادارك ذلك بسهولة قبل أن يتسع اخرق على الراقع.  ومسجد تحارت وهي قريبة من قرية طمزين عبارة عن غار تحت الأرض.


وهناك بعض البيوت في القرية القديمة في حالة جيدة  وتوجد بها نحو ست معاصر للزيوت إداها في حالة جيدة  يمكن بتنظيفها وتهيئتها للاستعمال في المهرجانات السياحية لتعرف الأجيال الجديدة طريقة استخراج الزيت الذي كان من أهم  المنتوجات في مدن وقرى جبل نفوسة.

أما قصرها فقد تعرض إلى التدمير في الحملة العثمانية التي  استهدفت قري الجبل في سنة 1843 وتم تهديم القصور التي بين يفرن وكاباو وتعرض قصري قصري كاباو ونالوت إلى القصف بالمدافع وكان سبب الحملة امتناع تلك المدن والقري عن دفع الضرائب ومساندة غومة المحمودي في ثورته التي انتهت بمقتله في منطقة أوال القريبة من غدامس سنة 1858م.


المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية