التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, 2025

من الخبرة إلى الذكاء الصناعي: مسار تشكّل الخطاب المعماري

خطاب يتشكّل من القلق: تأملات في العمارة الليبية بين الممارسة والوعي جمال الهمالي اللافي في هذا المنشور، أشارك خلاصة المسارات التي شكّلت خلفية كتاباتي المعمارية، وتفاعلت معها عبر السنوات : 1.       الخبرة الميدانية سنوات من الاشتباك المعرفي والمهني مع العمارة، خصوصًا في سياقها المحلي الليبي، أفرزت لدي رؤية نقدية للإشكاليات البنيوية التي تعاني منها. هذه الرؤية كانت المنبع الأول لغالبية ما كتبته من مقالات وتأملات معمارية، وقد وجدت طريقها للنشر عبر وسائط متعددة : مقالات دورية في مجلة آثار العرب، ومجلة مربعات، والصفحة الرابعة من جريدة الشط، حيث طرحت قراءاتي وتحليلاتي ضمن سياق ثقافي معماري أوسع . مشاركات فكرية وحوارات معمقة في منتدى المعماريين العرب، رافقتها مقالات نقدية تفاعلية مع ما يُطرح من قضايا وإشكاليات مهنية . سلسلة من المحاضرات التي بدأت منذ عام 1993 واستمرت حتى 2024، شكّلت مساحة لعرض الرؤية وتطويرها عبر التفاعل المباشر مع المهتمين والباحثين . هذه الوسائل مجتمعة شكّلت البنية الأولى لخطابي المعماري، ووفّرت لي فضاءً لتجر...

الإنسان كدعامة: نقد رمزي لمعالجات معمارية تستنزف المعنى

جمال الهمالي اللافي        في زمنٍ باتت فيه العمارة تتسابق نحو الإبهار البصري، تظهر نماذج تصميمية توظّف الجسد البشري كعنصر إنشائي أو زخرفي، دون مساءلة رمزية هذا التوظيف أو أثره النفسي على المتلقي. من بين هذه النماذج، تلك التي تُظهر يدًا بشرية تحمل مبنى، أو جسدًا غائرًا تحت الأرض كجزء من الواجهة. للوهلة الأولى، قد يُقرأ هذا التوظيف كإبداع بصري، لكنه في جوهره يُشيع خطابًا بصريًا مشوشًا، يُفرغ الإنسان من قيمته ويحوّله إلى أداة صامتة . الاستعراض بدل المعنى هذه المعالجات لا تنبع من حاجة وظيفية أو سياق رمزي متماسك، بل من رغبة في لفت الانتباه. اليد التي تحمل المبنى لا تُقرأ كرمز للقوة، بل كجسد منهك تحت وطأة الأحمال. الأصابع المنحنية لا توحي بالتماسك، بل بالإجهاد والانهيار الوشيك. وهكذا، يتحوّل التصميم من احتفاء بالإنسان إلى مشهد استنزافه . الاستلاب الرمزي والاغتراب البصري في هذا السياق، يمكن قراءة هذه المعالجات ضمن مفهوم الاستلاب الرمزي ، حيث يُسلب الإنسان من رمزيته الثقافية ويُعاد إنتاجه كعنصر زخرفي. كما يُكرّس الاغتراب البصري ، حين يُقدّم الجسد في وضعية لا تنتمي إلى بيئ...

بين بيئة تُكرّم الإنسان وأخرى تُهينه

قراءة في التمايز الوظيفي بين "قوقل" ومؤسسات الدولة الليبية جمال الهمالي اللافي ليس الحديث عن بيئة العمل في شركة "قوقل" نوعًا من الترف أو الإعجاب الساذج، بل هو ضرورة معرفية وأخلاقية. لأن سرد تفاصيل تلك البيئة يفتح العقول قبل العيون على ما يجب أن يكون، ويكشف حجم البؤس البنيوي الذي يعيشه الموظف الليبي في مؤسسات الدولة، حيث لا يُحترم الإنسان، ولا يُصان جهده، ولا يُحتفى بإبداعه . بيئة "قوقل": فلسفة تُكرّم الإنسان في مقرات "قوقل" المنتشرة حول العالم، لا يُنظر إلى المكتب بوصفه مساحة عمل فحسب، بل بوصفه امتدادًا لكرامة الإنسان. هناك، تتنوع عناصر التأثيث لتناسب شخصية كل موظف: مكاتب قابلة للتعديل، كراسي مريحة مصممة هندسيًا، مساحات مفتوحة للتفكير الجماعي، وأخرى مغلقة للتأمل الفردي. الألوان مدروسة، والإضاءة طبيعية قدر الإمكان، والنباتات جزء من التصميم، لا مجرد زينة . في كل زاوية، هناك دعوة غير مباشرة للإبداع: غرف اجتماعات على هيئة قطارات قديمة، مكتبات بسرٍّ معماري، جدران قابلة للكتابة، وحتى مساحات للعب والتأمل. في بعض الفروع، توجد صالات رياضية، مسابح، ملاعب ك...

فوضى العمران: حين يُشوَّه المكان فيُعاد تشكيل الإنسان

حين يُشوَّه المكان، لا يعود الإنسان كما كان قراءة نقدية في أثر التشويه البصري على السلوك المجتمعي، ومسؤولية المعماري والمؤسسات في إعادة إنتاج الإنسان .   جمال الهمالي اللافي ليست الفوضى العمرانية مجرد خلل تنظيمي أو غياب للتخطيط، بل هي انعكاس لانهيار منظومة القيم وتفكك الرؤية المجتمعية. حين تُبنى المدن بلا ذاكرة، بلا احترام للهوية، يتحول الفضاء العام إلى بيئة طاردة، تُغذّي العدوان، وتُشرعن الانحراف، وتُعيد تشكيل الإنسان وفقًا لمقاييس التشويه البصري والضيق النفسي . في غياب الهوية المعمارية، يتلاشى الانتماء، ويُستباح الجمال، ويُهمّش الإنسان. وما نشهده من تصدع أخلاقي وسلوكي ليس إلا انعكاسًا مباشرًا لفضاء عمراني مشوّه، تُهيمن عليه العشوائية، وتغيب عنه المسؤولية والوعي الجمالي. فالمكان لا يكتفي بأن يكون خلفية لحياة الإنسان، بل يُعيد تشكيل ذائقته وسلوكه، ويطبع وعيه بما يراه ويعيشه يوميًا . المدينة كأداة تطبيع للفوضى حين تُصبح العشوائية هي القاعدة، يتطبع الناس معها، وتُعاد صياغة مفاهيمهم عن النظام والجمال والانتماء. وهنا تكمن خطورة الفوضى العمرانية: فهي لا تُشوّه المكان فقط، بل تُعيد إنتاج...

العمارة كلغة: نحو استعادة الخطاب الثقافي المفقود

  جمال الهمالي اللافي المقدمة في ظل التحديات التي تواجه العمارة المعاصرة، من فقدان الهوية إلى هيمنة النماذج المستوردة، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف العمارة ليس كمجرد ممارسة تقنية، بل كخطاب ثقافي يحمل في طياته لغةً ناطقة ومشهدًا بصريًا متكاملًا. فالعمارة، كما اللغة، تمتلك مستويات من التعبير؛ من اللفظ إلى النحو إلى المعنى، ومن التخطيط إلى التكوين إلى التفاصيل. وبين هذه المستويات، تتشكل هوية المكان، وتُستعاد ذاكرة الجماعة، ويُعاد وصل ما انقطع من سياق حضاري وروحي .      هذه المقالة تُقدّم تصورًا تأليفيًا يُفكك مستويات التعبير المعماري إلى بُعدين متكاملين: اللساني والبصري، في محاولة لاستعادة العمارة كفنٍ ناطق، وكحوارٍ حيّ بين الإنسان والمكان، بين المادة والروح، وبين الماضي والمستقبل . هدف المقالة تهدف هذه المقالة إلى تقديم تصور تأليفي يُعيد فهم العمارة بوصفها خطابًا لغويًا وبصريًا، يتجاوز الشكل إلى المعنى، ويتجاوز التقنية إلى الهوية. في ظل القطيعة المعرفية التي تُعاني منها الممارسة المعمارية المعاصرة، يسعى هذا الطرح إلى تفكيك مستويات التعبير المعماري، وتقديم مخط...

تفتيت المجتمع وتعدد الذائقة: أزمة الهوية في العمارة الإسلامية المعاصرة

  جمال الهمالي اللافي مقدمة في زمنٍ تحولت فيه المجتمعات الإسلامية من كيانٍ واحد إلى فسيفساء متنازعة، لم يعد بالإمكان الحديث عن ذائقة فنية جامعة أو توجه معماري موحد. هذا التفكك لا يعكس فقط أزمة سياسية أو اجتماعية، بل يفضح انهيارًا أعمق في المرجعية الثقافية والدينية التي كانت توحد الذوق، السلوك، والتوجه العام . من المجتمع إلى المجتمعات: تصحيح المفهوم الحديث عن "المجتمعات" بدلًا من "المجتمع" ليس مجرد زلة لغوية، بل هو انعكاس لتحول تاريخي خطير. فالمجتمع الإسلامي، الذي كان يومًا ما وحدة متماسكة، أصبح اليوم مجموعة من الكيانات المتصارعة، كل منها يحمل فهمًا خاصًا للدين، للهوية، وللذوق العام. هذا التحول بدأ بانهيار الدولة الإسلامية الجامعة، وتكرّس باتفاقيات التقسيم، وتنصيب وكلاء التفتيت من عسكر وأحزاب ومنظمات مدنية . أدوات التفتيت: من الرياضة إلى الإعلام لم يكن التفتيت عشوائيًا، بل تم عبر أدوات مدروسة : الفرق الرياضية التي تحولت إلى هويات بديلة، تُقاتل من أجلها الجماهير . الأحزاب السياسية التي مزقت النسيج الاجتماعي تحت شعار الديمقراطية . حرية...

نحو إعادة تعريف تدريس مادة تاريخ العمارة

جمال الهمالي اللافي المقدمة: لماذا نقرأ التاريخ؟ في زمنٍ تتسارع فيه التحولات، وتُستبدل فيه الجذور بالأنماط المستوردة، تبرز الحاجة إلى قراءة التاريخ لا كترفٍ ثقافي، بل كفعلٍ معماري مقاوم . نقرأ التاريخ لنستعيد العبرة، لا لنُكررها، بل لنُعيد تشكيلها بما يليق بكرامة الإنسان وذاكرة المكان . نقرأه لنُحدد مرجعيتنا، لا لنُقلّد، بل لننطلق من نقطة وعيٍ نقديٍّ يُعيد الاعتبار لتجارب الأجداد، ويُؤسس لمنهجية تصميمية تُراعي السياق، والهوية، والاحتياج . ونقرأه لنُحقق أهدافًا تتجاوز الشكل، نحو عمارةٍ تُنظّم العلاقة بين الذات والموضوع، بين الحلم والواقع، بين ما نؤمن به وما نبنيه . في هذا المقال، أستعرض كيف يمكن للتاريخ أن يكون حليفًا في صياغة مشروع معماري يحمل روح حوش العيلة، ويُعيد للضواحي والأرياف الليبية دفئها المفقود، لا عبر الحنين، بل عبر التصميم الواعي، والذاكرة الحيّة. ومن خلال هذا التأمل، أطرح دعوة لإعادة النظر في منهج تدريس تاريخ العمارة، الذي يُدرّس اليوم بشكلٍ يُغيب جوهره النقدي والثقافي . أولًا: التاريخ كعبرة لا كحكاية التاريخ ليس سردًا للأمجاد، بل تفكيكٌ للخيارات التي اتخذها من سبقونا، ...