جمال الهمالي اللافي
في
عالم تتسارع فيه وتيرة التشييد، وتتزايد فيه المطالب بفخامة المنازل واتساعها،
تبرز تساؤلات جوهرية حول الغاية الحقيقية للمسكن. هل هو مجرد هيكل مادي يتباهى به
الأفراد، أم أنه وعاء يحتضن أرواحهم ويعكس فلسفتهم في الحياة؟ هذه المفارقة تتجلى
بوضوح في المقولة الشهيرة: "نحن نعيش لنبني، ولا نبني
لنعيش، ولهذا بيوتنا فارهة وحياتنا فارغة".
إنها دعوة للتأمل في العلاقة بين
الفضاء المعماري والراحة النفسية. في هذا السياق، تبرز تجربة فنان سعودي يملك من
الثراء ما يمكنه من امتلاك قصور، لكنه اختار أن يعيش في منزل متواضع. عندما سُئل
عن سبب هذا الاختيار، كانت إجابته تحمل في طياتها حكمة عميقة: "أحتاج إلى بيت
يحتويني ويريحني، وليس لأتوه في غرفه وممراته".
هذه
الإجابة ليست مجرد رأي شخصي، بل هي بيان معماري بحد ذاته. إنها تؤكد أن قيمة المسكن لا تكمن في حجمه أو فخامة مواده، بل في قدرته على توفير
شعور بالانتماء، والهدوء، والاحتواء. هذه الفلسفة تتعارض مع النظرة
التقليدية التي ترى أن العمارة هي تعبير عن الثروة والمكانة الاجتماعية. وبدلاً من
ذلك، تدعو إلى فهم أعمق لوظيفة المسكن كفضاء حميمي يتناغم مع احتياجات الإنسان
الروحية والنفسية، وليس فقط المادية.
إن العمارة الرصينة اليوم هي تلك التي لا تكتفي بتقديم حلول جمالية ووظيفية، بل تتجاوز ذلك لتقديم حلول إنسانية. هي العمارة التي تجعل من المنزل ملاذاً من صخب الحياة الخارجية، ومصدراً للسكينة، وتثبت أن الأناقة الحقيقية تكمن في البساطة الهادفة، وأن أغنى الأماكن قد تكون تلك التي تبدو أكثر تواضعاً من الخارج، لكنها تحتضن حياة غنية وذات معنى من الداخل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق