جمال الهمالي
اللافي
عاش أجدادنا في
"الدار" الواحدة بقناعة ورضا تام، لم يكن فقرًا، بل كان إيمانًا
بالكفاية. كانت "الدار" للنوم والمأوى، أما "الحياة" فكانت في
رحاب الطبيعة الممتدة.
اليوم، تتسارع
الحياة وتتعقد متطلباتها، لكن هل يجب أن نفقد جوهر السعادة من أجل المظاهر؟
قصة العجوز الإيطالي من جزيرة سردينيا التي سردها
علينا الصديق الأستاذ محمد العبدلي - في تعليق له على منشور بصفحتي على منصة
فيسبوك، تلخص الحكمة: "البيت للنوم، والحديقة للحياة."
هذه العبارة
ليست مجرد نصيحة معمارية، بل فلسفة حياة. دعانا هذا العجوز إلى بناء بيوت صغيرة،
وترك مساحات واسعة حولها لتكون "حديقة للحياة". حديقة للزراعة، للرياضة،
للعب الأطفال، للطيور، للفرن التقليدي، وللاستجمام.
فلماذا
نصرف كل طاقتنا وأموالنا في بناء جدران ضخمة، بينما الحياة الحقيقية تتطلب مساحات
خضراء؟
هذا ما دفعنا
إلى إعادة التفكير في نموذج السكن. فبدلاً من تعقيد الأمر، يمكن تبسيطه:
· منزل صغير وذكي: مساحة محدودة
(كمنزل على قطعة 10×10 متر) يمكن أن توفر كل الضروريات لأسرة ناشئة. مطبخ صغير،
غرفة نوم للوالدين، غرفة للبنات، ودورة مياه، مع إمكانية التوسع المستقبلي.
·
حديقة لكل منزل: دمج المساحات الخضراء مع الوحدات السكنية. حديقة
صغيرة لزراعة الخضروات والأشجار المثمرة، وليست مجرد ديكور.
·
العودة للقناعة: لا يعني السكن اللائق المنزل الفخم، بل يعني
المنزل الذي يوفر الراحة والكرامة، ويفتح بابًا لحياة أكثر بساطة وسعادة.
إن نموذج
الاستراحة في جبال الخمس، بما يجمع بين البساطة والجمال والوظيفة، هو دليل على أن
هذا الحلم ممكن.
لنتوقف عن
ملاحقة الكماليات، ولنعيد التفكير في مشاريع الإسكان لتكون حلولًا واقعية للشباب
ومحدودي الدخل. فبدلاً من الصرف على القرى السياحية، يمكن إعادة توجيه هذه الموارد
نحو مشاريع إسكانية مستدامة، تمنح طبقة كبيرة من المجتمع "مأوى" يحقق
لهم السكينة والكرامة.
واقع الحال اليوم أعاد للناس الكثير من القناعات
المهجورة. والواقعية أضحت أسلوب تفكير ونمط عيش، تحتاج من المعماري الليبي تبنيها
في تفكيره ومشاريعه المعمارية.
فلنصنع من
منازلنا حدائق للحياة، لا مجرد جدران للنوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق