التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتاب "الإعلان بأحكام البنيان" لابن الرامي

 


    كتاب "الإعلان بأحكام البنيان" لابن الرامي هو أحد الكتب الفقهية الهامة التي تتناول فقه العمران والبناء في الإسلام. مؤلفه هو محمد بن إبراهيم اللخمي، الشهير بابن الرامي البناء، وهو فقيه وبنّاء تونسي عاش في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).

أهمية الكتاب ومكانته:

  • جمع بين الفقه والخبرة العملية: ما يميز كتاب ابن الرامي بشكل كبير هو أنه يجمع بين الجانب الفقهي النظري والخبرة العملية في مجال البناء. فابن الرامي لم يكن مجرد فقيه، بل كان بنّاءً محترفًا، وهذا منحه نظرة فريدة وعميقة للمسائل العمرانية.
  • مرجع مهم في الفقه المالكي: يعتبر الكتاب مرجعًا هامًا في المذهب المالكي، حيث يعرض فتاوى ونوازل تتعلق بقضايا البناء والعمران في عصره، خاصة في بلاد المغرب الإسلامي (تونس وما حولها). وقد اعتمد عليه فقهاء كبار جاؤوا بعده، مثل الونشريسي في "المعيار".
  • توثيق للعمارة الإسلامية: يقدم الكتاب معلومات قيمة عن الجوانب العملية والتنظيمية للبناء في المدن الإسلامية في تلك الفترة، مما يجعله مصدرًا مهمًا للمؤرخين وعلماء الآثار والمعماريين لفهم تطور العمارة الإسلامية.
  • شمولية الموضوعات: يتناول الكتاب مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالبناء، منها:
    • أحكام الجدران والأبنية: مثل ملكية الجدران المشتركة، كيفية بنائها، وما يترتب على ذلك من حقوق والتزامات.
    • نفي الضرر: وهو مبدأ أساسي في الشريعة، ويتجلى في أحكام البناء التي تمنع إلحاق الضرر بالجار أو المصلحة العامة، مثل حجب الضوء أو الهواء، أو التسبب في سقوط المباني.
    • عيوب الدور (المنازل): يتطرق إلى أنواع العيوب التي قد تظهر في المباني وكيفية التعامل معها من منظور فقهي.
    • الغروس: أحكام تتعلق بالزراعة والتشجير داخل وحول المباني، وما يترتب عليها من حقوق.
    • الأرحية (الطواحين): قضايا تتعلق بإنشاء وتشغيل الطواحين المائية أو الهوائية وما يمسها من أحكام.
  • منهجية ابن الرامي: كان ابن الرامي يورد الأقوال الفقهية المختلفة، ويُرجح بعضها بناءً على خبرته العملية وما جرى به العمل في عصره. كما كان يعتمد على ما سمعه ورآه من قضايا ونوازل في مجال البناء. ويُعرف عنه أنه كان يُشير أحيانًا بقوله: "قال المعلم"، إشارة إلى ما استقاه من خبرة أهل الصناعة.

أثر الكتاب على الفقه المعماري الإسلامي:

"الإعلان بأحكام البنيان" يُعد حجر الزاوية في فقه العمران الإسلامي، لأنه:

  • ساهم في تطوير مفهوم "فقه العمران": حيث أظهر كيف أن الشريعة الإسلامية لم تقتصر على الجوانب التعبدية والشخصية، بل امتدت لتشمل تنظيم المجتمع والحياة العمرانية بكل تفاصيلها.
  • وفّر إطارًا قانونيًا للممارسات العمرانية: كانت أحكام البنيان في الإسلام بمثابة قوانين منظمة لعمليات الإنشاء والتخطيط العمراني في المدن الإسلامية.
  • ربط بين النظرية والتطبيق: يعتبر نموذجًا رائدًا في الربط بين المعرفة الفقهية والخبرة التقنية، وهو ما نفتقر إليه في كثير من الأحيان في العصر الحديث.
  • مصدر لفهم العرف العمراني: يعكس الكتاب العرف والتقاليد التي كانت سائدة في تنظيم العمران، والتي كانت تتوافق مع الشريعة وتخدم المصلحة العامة.

باختصار، كتاب "الإعلان بأحكام البنيان" لابن الرامي ليس مجرد كتاب فقهي تقليدي، بل هو وثيقة تاريخية ومعمارية وقانونية قيمة، تسلط الضوء على العلاقة العميقة بين الشريعة الإسلامية والعمران، وتُظهر كيف أن الفقه الإسلامي كان ديناميكيًا وقادرًا على مواجهة التحديات العملية للحياة اليومية.

المصدر: المساعد الافتراضي Gemini

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...