![]() |
حين يُشوَّه المكان، لا يعود الإنسان كما كان |
قراءة نقدية في أثر التشويه البصري على السلوك المجتمعي، ومسؤولية
المعماري والمؤسسات في إعادة إنتاج الإنسان.
جمال الهمالي اللافي
ليست الفوضى العمرانية مجرد خلل
تنظيمي أو غياب للتخطيط، بل هي انعكاس لانهيار منظومة القيم وتفكك الرؤية
المجتمعية. حين تُبنى المدن بلا ذاكرة، بلا احترام للهوية، يتحول الفضاء العام إلى
بيئة طاردة، تُغذّي العدوان، وتُشرعن الانحراف، وتُعيد تشكيل الإنسان وفقًا
لمقاييس التشويه البصري والضيق النفسي.
في غياب الهوية المعمارية، يتلاشى
الانتماء، ويُستباح الجمال، ويُهمّش الإنسان. وما نشهده من تصدع أخلاقي وسلوكي ليس
إلا انعكاسًا مباشرًا لفضاء عمراني مشوّه، تُهيمن عليه العشوائية، وتغيب عنه
المسؤولية والوعي الجمالي. فالمكان لا يكتفي بأن يكون خلفية لحياة الإنسان، بل
يُعيد تشكيل ذائقته وسلوكه، ويطبع وعيه بما يراه ويعيشه يوميًا.
المدينة
كأداة تطبيع للفوضى
حين تُصبح العشوائية هي القاعدة،
يتطبع الناس معها، وتُعاد صياغة مفاهيمهم عن النظام والجمال والانتماء. وهنا تكمن
خطورة الفوضى العمرانية: فهي لا تُشوّه المكان فقط، بل تُعيد إنتاج الإنسان على
صورتها، وتُكرّس الانحراف كواقع مألوف، لا يُسائل ولا يُستنكر.
المسؤولية
الأخلاقية والمهنية
ما يحدث ليس مجرد تقصير مؤسسي، بل
تخلي عن المسؤولية الأخلاقية والمهنية تجاه المجتمع. المعماري، كمثقف بصري ومهندس
للمعنى، لا يُعفى من المساءلة. فحين يُنتج عمرانًا بلا روح، يُساهم في تعميق الشرخ،
وتكريس العدوان، وتغذية الانحراف. وكذلك المؤسسات، حين تُدير الشأن العمراني بمنطق
التسيير لا التنوير، تُكرّس الفوضى كواقع لا يُسائل.
كسر الحلقة
السؤال ليس من بدأ أولًا: الفوضى أم
العدوان؟ بل كيف نكسر هذه الحلقة؟ كيف نُعيد للمدينة كرامتها، وللإنسان شعوره بالانتماء؟
كيف نُعيد الاعتبار للهوية، وللجمال، وللأخلاق المهنية؟ هذه ليست دعوة للتنظير، بل
نداء لإعادة بناء العلاقة بين الإنسان والمكان، على أسس من المعنى، والاحترام،
والذاكرة.
تعليقات
إرسال تعليق