السبت، يونيو 20، 2009

التنمية المستدامة للمدن القديمة






أ. د. رمضان الطاهر أبو القاسم



تقديم:

تشكل المدن التاريخية القديمة نواة لتطور العديد من المدن الحديثة في العالم. في كثير من الدول النفطية النامية تجاوزت مخططات التنمية المدن القديمة و اعتبرتها عبئا على متطلبات الحياة العصرية.
كان الاعتقاد بأن القديم يرمز للتخلف و أن متطلبات التطور تستوجب الاهتمام بالاحتياجات العصرية و هو ما أدى في كثير من الحالات إلى إهمال نسيج المدن القديمة و عدم إدماجها في المخططات الجديدة للمدن.
لقد انعكس هذا الإهمال في ازدياد تردي حالة المدن القديمة و تغير بنيتها الاجتماعية في عدد كبير من المناطق نتيجة هذا التجاوز. ضعف وهشاشة برامج المحافظة على المدن التاريخية و حصر أهداف مخططات إعادة إحياء المدن التاريخية القديمة على عمليات الترميم ساهم أيضا في تدهور حالة المدن القديمة و جعل هذه البرامج عاجزة عن تحقيق الأهداف الكاملة المطلوبة منها. إن هجرة ألسكان الأصليين للمدن القديمة و تراجع مستوى خدمات البنية التحتية المتوفرة و غياب استراتيجية شاملة و واضحة للتعامل مع المدن التاريخية القديمة شكك في جدوى برامج و مشاريع إحياء المدن القديمة و بالتالي دور المدن التاريخية القديمة في حياة المدن المعاصرة. لازال الكثيرون ينظرون إلى المدن القديمة كرمز للفقر والتخلف الذي يعيق مخططات التنمية.

إن المدن القديمة تمثل إرثا حضاريا زاخرا ببعده التاريخي، و نمطه الحياتي المميز و نسيجه العمراني المتماسك و أهمية المدن القديمة جاءت من كونها نتاجا يحتوي على طبقات متوالية من التاريخ البشري طبيعيا و معنويا والمشاكل التي تواجه المدن الحديثة يمكن التعامل معها باعتبار المدن التاريخية القديمة سبيلا لتذليل تلك المصاعب و ليس تعقيدا لها.
ان إعادة تأهيل المدن التاريخية القديمة و إدماجها في محيطها الحضري بطريقة فاعلة يضمن استمرارية الدور الحضاري لهذه المدن و يحافظ على مواردها و يساعد في التغلب على بعض المشاكل الاقتصادية. إن النمو الملحوظ في حركة السياحة لفت الاهتمام بالمدن القديمة و الموروث العمراني حيث رأى الكثيرون في هذا التحول فرص اقتصادية جيدة. لقد أصبحت السياحة عنصرا فاعلا في تنمية المدن التاريخية القديمة و برامج صيانة مركباتها. هذا التوجه نحو تهيئة المدن التاريخية للاستثمار السياحي يتطلب خطة أو استراتيجية محكمة لضمان تحقيق أكبر قدر من النجاحات.

استراتيجية تنمية المدن التاريخية القديمة يجب أن تعتمد على فكرة التنمية المستدامة كمدخل للمحافظة عليها و إعادة تأهيلها للتغلب على بعض مكامن الضعف التي تواجه برامج أجهزة إدارة و تنمية و صيانة المدن القديمة في الجماهيرية و حتى لا تقتصر الاهتمامات على المكاسب السريعة. إن استراتيجية التنمية المستدامة للمدن القديمة يجب أن تتضمن ثلاث محاور أساسية لنجاحها: الاعتبارات البيئية والاعتبارات الاقتصادية و الاعتبارات الاجتماعية. الاعتبارات الأولى تشمل الإعداد الجيد للمخططات والتداخلات المعمارية المقترحة للمحافظة على المدن القديمة و أثر هذه التداخلات و غيرها على السكان و نسيج المدينة بشكل خاص و البيئة بشكل عام. أما الاعتبارات الثانية فتشمل إدارة الموارد المتاحة و تطويعها لإنجاح برنامج التنمية بطريقة فاعلة. الاعتبارات الاجتماعية تتضمن تأثير المخطط على الشرائح الاجتماعية المختلفة و مدى تفاعل و مشاركة هذه الشرائح مع برامج الصيانة و المحافظة على المدن القديمة. إن اختلال أحد هذه العوامل أو التقصير في التعامل معها بطريقة علمية صحيحة سيؤثر على البرامج الرامية لتفعيل حيوية المدن القديمة و إدماجها في محيطها الحضري.

- التنمية المستدامة و المدن القديمة:-
ترتكز فكرة التنمية المستدامة على مقدرة المخطط أو المصمم على العمل بتوافق مع المحيط بحيث تكون التداخلات المقترحة منسجمة مع احتياجات الناس وملائمة اقتصاديا و حسب الموارد المتوفرة. إن ذلك يعني باختصار مراعاة المصمم للاعتبارات البيئية و الاعتبارات الاقتصادية و الاعتبارات الاجتماعية بحيث تتوافق مقترحات المصمم و المخطط و الاحتياجات المعاصرة و لا تكون على حساب احتياجات الأجيال المستقبلية أو على حساب الموارد المتاحة بحيث لا يتم هدر أو استنزاف تلك الموارد.

إعادة التأهيل أو المحافظة على المباني التاريخية يمكن تعريفها بالبرامج و الجهود الرامية للمحافظة على الموروث العمراني و المعالم التاريخية المهمة. و هذه تشمل العديد من الطرق و التقنيات المختلفة. بينما المعالم التاريخية تشتمل على خليط من المباني و الرموز الحضارية المتباينة و تتضمن أيضا عدد من المواضيع المتشابكة و الأفكار المعقدة و بغض النظر عن ما يمكن أن تتضمنه فكرة المحافظة على المدن القديمة أو المعالم التاريخية فان المدن التاريخية القديمة ليست مجرد مجموعة مباني قديمة أو ما قد يسميه البعض معالم عمرانية نادرة انتهت صلاحيتها الوظيفية بينما "قيمتها" التاريخية لازالت عالية مما يستوجب معه المحافظة علي بعض المباني التاريخية أو أجزاء من تلك المباني لتكون بمثابة القطع النادرة التي تتواجد في المتاحف. النشاطات الحضارية المختلفة Urban Activities علامة من علامات حيوية المدن.
ان المدن القديمة لم ترتبط صلاحيتها بفترة زمنية محددة كما أن مكوناتها لا يمكن اعتبارها قطع استهلاكية. المدن القديمة كيان حضاري و معيشي معمر قد تتغير وظائف المباني فيها و تتغير ملامح فراغاتها و لكنها تستطيع دائما أن تحتفظ بوجودها و ملامحها الحضارية و تتلائم مع احتياجات السكان المعاصرة بحيث لا يمكن رؤية المدن القديمة بمعزل عن محيطها الحضري و احتياجات زوارها و حياة سكانها.

المدن التاريخية القديمة فضاءات تم تكوينها بجهود الجميع و عبر فترات طويلة من الزمن و هي أماكن أسس فيها الناس مجتمعاتهم على مدى قرون طويلة فهي أماكن لها مكانتها و كيانها. المدن القديمة تمثل إرثا حضاريا زاخرا ببعده التاريخي، و نمطه الحياتي المميز و نسيجه العمراني المتماسك. و هي لم تنشأ بين عشية و ضحاها أو بناء على مخطط وضعه شخص واحد قد يتمثل في المعماري أو غيره. المدن القديمة إنجاز حضاري يصنعه الجميع ويعيش فيه و يتفاعل معه الجميع عبر تاريخ طويل.
تشترك فكرة إعادة التأهيل أو المحافظة على المعالم التاريخية و فكرة التنمية المستدامة في أنهما يستهدفان المدينة و بالذات الجزء التاريخي من المدن في كافة التدخلات. كما يشتركان في طريقة العمل فكلتا الفكرتين تتضمن مجهود مستمر، استمرار المدينة، و يعتمدان على الموارد المتاحة و المشاركة الأهلية.

قد تعني الاستدامة أشياء متباينة لشخصيات مختلفة فبالنسبة ( لفيلدن) الاستدامة هي اطالة عمر المبنى بغرض المساعدة في اقتصاد الطاقة و التكلفة و المواد، أما المحافظة على المباني القديمة فهي حفظ التراث بغرض استعماله الاستعمال الأمثل. في حين فكرة الاستدامة بالنسبة الى المستثمر أو رجل الأعمال فان فكرة الاستدامة تعني الحصول على أفضل معدل للتنمية و بالتالي أفضل العوائد لما يتم إنفاقه أو صرفه على مباني قائمة أو مشاريع جديدة أو أية مشاريع استثمارية أخرى. هنا يبرز الجانب الاقتصادي كأحد الاعتبارات الرئيسة لفكرة الاستدامة. و هو ما يجعلها تطغى على أية اعتبارات اجتماعية أو بيئية أخرى مما يجعلها تتعارض مع فكرة المحافظة على المباني القديمة لسيطرة الجانب الاقتصادي على بقية الاعتبارات الأخرى. و هذا قد يبدو واضحا من زحف الكثير من مشاريع التنمية الحديثة على العديد من المدن التاريخية القديمة أو الاستعمال الغير مناسب للمباني التاريخية بغية تحقيق بعض المكاسب المادية. إن تفضيل الجانب الاقتصادي أثر على نسيج الكثير من المدن القديمة و جعلها في بعض الحالات جزر محاصرة بالمباني الحديثة ذات الطوابق العالية.

تردي حالة المدن التاريخية القديمة لم يكن نتيجة تدهور حالتها الإنشائية فقط بل أيضا نتيجة توزيع و توظيف أغلب الموارد الوطنية لبناء المشاريع الحديثة و عدم تخصيص جزء من الموارد لتنمية المدن التاريخية القديمة. لقد كان للمشاريع الحديثة العديد من التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية و البيئية السلبية على المدن القديمة و يبدو هذا واضحا في الأبراج الخرسانية التي زرعت في وسط المدن القديمة وحولها بدعوى القضاء على المناطق المتردية و بناء مباني حديثة و عصرية. لقد أثرت المباني الحديثة و طرق التخطيط المعاصر على تنوع الخدمات التي كانت موجودة في المدن القديمة و استبدلتها بأحياء "عصرية" ذات وظائف منفصلة (نظرية لوكوربوزيية لتخطيط المدن الحديثة) كما أثرت في نمط الملكية الفردية و استبدلتها بالملكية العامة و زادت من تكلفة البنية التحتية و هو ما أثار العديد من الأسئلة حول المفهوم الصحيح للتنمية.

التنمية المستدامة لا تعني بالضرورة املاء بعض النظريات المجردة مثل نظرية المدينة المعاصرة أو نظرية مدينة الحدائق على النسيج العمراني للمدن القائمة بل محاولة فهم المعطيات و الموارد المحلية الموجودة و تطويع هذه الموارد لتنمية المدينة و صياغة ملامحها بطريقة اقتصادية و بأقل قدر ممكن من التأثيرات السلبية على المحيط و ذلك لإيجاد بيئة معيشية أفضل للسكان و دون التأثير في احتياجات الأجيال المستقبلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستخدام المحكم للموارد مع التدخل الموزون على النسيج العمراني و على القيم الحضارية و الاجتماعية للسكان (الهوية الحضارية للمكان).
كما يمكن تحقيق ذلك بإيجاد توازن بين الجديد و القديم دون أن يطغى أحد الاعتبارات على الجانب الأخر. يعني هذا أن تحتفظ المدن القديمة بخصائصها الطبيعية و المتمثلة في كثافة المباني داخل النسيج الحضري و توزيع الخدمات على كامل النسيج العمراني وعدم تجزئة المدينة إلى أحياء وظيفية "متخصصة" (سكن و ترفيه، و عمل و مواصلات) بل وظائف متداخلة تكمل بعضها البعض لراحة الناس. كما يعني هذا أن تحتفظ المدن القديمة بفعاليات سكانها المختلفة و لا تكون مدينة مهجورة أو للزيارة فقط. أي أنه يمكن تنمية المدن القديمة مع الاحتفاظ بالمساكن الفردية و المتاجر و الورش الحرفية الصغيرة و لا تكون مكان لتركيز بعض الخدمات التجارية أو الإدارية على حساب بقية المناشط الأخرى. يتطلب هذا توافق بين خطط التنمية و مقترحات الصيانة و الحفاظ على المباني القديمة.

الخلاصة:-
إن تجاوز مخططات التنمية للمدن التاريخية القديمة و عدم تنميتها باعتبارها " موروث" قديم أو أنها مناطق "خاصة" انتهت صلاحيته الوظيفة تتضمن رؤية غير صحيحة. كما أن بعث مشاريع "ترميم" داخل المدن التاريخية القديمة بغرض المحافظة على "القديم" فقط دون إمكانية استعمال المباني التاريخية القديمة أو تطويعها للاحتياجات المعاصرة المختلفة هي جهود غير مكتملة. إن التوجه الملائم لتنمية المدن يكمن في إيجاد توازن بين القديم و الحديث من خلال إيجاد حوارمتواصل بين الماضي و الحاضر و ترجمة هذا الحوار إلى مخططات موضوعية متوازنة تعيش الحاضر و تتطلع إلى المستقبل و لا تنفي الماضي. فإعادة إحياء المدن القديمة على أساس تبني فكرة التنمية المستدامة و المحافظة على المباني القديمة كمحرك أساسي للتنمية يمثل أحد المخارج الآمنة للتنمية الحديثة. هذا المحرك يستوجب مراعاة ثلاث جوانب.
الجانب الأول/ يتعلق بالاعتبارات البيئية من خلال الاهتمام بالترميم و المحافظة و إعادة استعمال المباني و المناطق القديمة في مراحل التنمية. فالتوسع في أعمال الصيانة الدورية و اقتراح وظائف بديلة للمباني التي تم ترميمها يوفر فرص للعمل لكثير ممن يعانون من البطالة و يزيد من حيوية المدينة من خلال انتشار ورش العمل بها.

الجانب الثاني/ يرتبط بالاعتبارات الاقتصادية حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال بناء نشاط استثماري اقتصادي اجتماعي متكامل و متوازن يستهدف الجزء القديم و الحديث للمدينة. يتضمن هذا فتح أجزاء من مباني المدن التاريخية القديمة للاستثمار المتنوع (خدمي، حرفي، ترفيهي الخ) دون حصر هذه المباني على نوع واحد من النشاط التجاري و إيجاد مناطق عامة داخل و حول المدن القديمة للاستثمار تكون فضاءا مفتوحا لبعث مشاريع استثمارية جديدة تخدم السياحة وسكان المدينة على مدار السنة. كما يشمل تأكيد أهمية اتصال المدن القديمة بالحديثة وذلك ببعث مناطق للنشاطات التجارية و الترفيهية بين المدينة القديمة و الحديثة لتكون محور الجذب الرئيسي للمدينة بشكل عام. قد يشمل النشاط الاستثماري أيضا تبنى برنامج تطويرالصناعات التقليدية و صناعة المباني و مواد البناء التقليدية و تطويعها لأعمال صيانة المباني القديمة و بناء مشاريع جديدة مناسبة.

الجانب الثالث/ يشمل الاعتبارات الاجتماعية و تأثير مقترحات التنمية على الناس. دور السكان بكافة شرائحهم الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية في تنمية وإحياء المدينة التاريخية القديمة و مشاركتهم في مراحلها المختلفة يعتبر أحد مقومات النجاح لهذه البرامج. المشاركة يمكن أن تكون على أكثر من مستوى. أحد هذه المستويات قد يشمل إيجاد برنامج لإحياء الفراغات العامة مثل الشوارع و الميادين وإعادة استعمالها من خلال إعداد برنامج سنوي لعدد من ألمنا شط الاجتماعية و الدينية و الترفيهية في هذه الفراغات بهدف تشجيع الناس على التردد على هذه الفراغات و التمتع بهذه المناسبات. مستوى آخر يتمثل في بعث أماكن لمزاولة بعض الحرف التقليدية و "المعاصرة" مثل الأعمال الفنية كالخزف و الرسم" داخل نسيج المدينة القديمة.

هذه المقترحات يمكن تحقيقها مرحليا و بعد تمحيص دقيق للموارد المتاحة و بعد قراءة متأنية لمستلزمات كل مرحلة على حدة و تأثير هذه المراحل على السكان المحليين. التعامل مع الماضي باحتياجات الحاضر يتطلب الحذر و دون تفريط للظروف البيئية و التاريخية للمكان.
مما سبق يتبين أن الدعوة لم تكن لإعادة الماضي من خلال بعث قوالب جامدة أو اتخاذه وعاء لاحتواء احتياجات عصرية بقدر ما كانت دعوة لمواجهة التاريخ و قراءته بذهنية ناقدة. يجب توخي الحذر أثناء تحقيق الأهداف السابقة لأن إعداد مخطط للمحافظة على المدن التاريخية القديمة وإعادة تأهيلها قد يستوجب مهام إضافية مثل:
1- تحديد المناطق و المباني ذات القيمة المعمارية التاريخية و رسم برامج حمايتها و إعادة تأهيلها حسب الإمكانيات المناسبة و محاولة إدماجها في النسيج الحضري لبقية المدينة دون عزل هذه المباني و المناطق عن أوجه الحياة الحضرية المحيطة و دون تأثير على قيمتها التاريخية.
2- تقديم المقترحات التخطيطية الملائمة مع المحافظة على قيمة المدينة التاريخية.
3- تشجيع المقترحات التصميمية المعاصرة التي تراعي القيمة التاريخية للمدن القديمة و ترفع من مستوى خدماتها و لا تشوه النمط المعماري للمكان. يتأتى هذا بالتوسع في برنامج المسابقات المعمارية التي تعنى بالمباني التاريخية القديمة.
4- تعمير المناطق المتهدمة من المدن القديمة و المحافظة عليها كتجمعات سكنية حضارية مستدامة من خلال تشجيع رجال الأعمال و شركات المقاولات للمساهمة في برامج التطوير.
5- إصدار قوانين ولوائح خاصة بتنظيم نشاط البناء ة الترميم والتعامل مع المدن و المباني القديمة و احتياجات الحياة المعاصرة و متابعة تطوير القوانين و اللوائح الحالية. Building laws and building codes)
6- تطوير وتوفير الاحتياجات اللازمة من متطلبات البنية التحتية مع المحافظة على النمط المعماري للمدن القديمة.( المواصلات، شبكة المياه،الكهرباء، الصرف الصحي).
7- تشجيع السياحة الثقافية و تنظيمها بما يتلاءم و العادات و التقاليد العربية و الإسلامية للمجتمع لتزيد من حيوية المدن القديمة مع مراعاة عدم سيطرتها أو السماح لها بالسيطرة على طبيعة المدينة و قيمها الحضارية.
8- المحافظة على البيئة و التقليل من التأثيرات السلبية ( تلوث هواء، مصادر الضوضاء، القمامة) على النسيج الحضري على المدن القديمة.
9- تفعيل مشاركة السكان من أجل تقدير ما يقومون به و تحسيسهم بالمسؤولية تجاهه و مشاركة بقية شرائح المجتمع من رجال أ عمال و مثقفين و مختصين في مختلف برامج الصيانة و المحافظة على المباني و المدن القديمة إذ لا يمكن لجهاز إدارى بمفرده أن يقوم بدور الوصاية و أن يتحمل مسئولية إحياء المدن القديمة بمفرده.
10-تنظيم الأعمال الاستشارية المرتبطة بالمدن التاريخية القديمة من خلال عمل فرق علمية ذات تخصصات متنوعة و تنسيق المهام بين هذه الفرق التخصصية المختلفة و صياغة مقترحاتهم و آراءهم في شكل عملي متوافق و منسجم.
11- نشر ثقافة معمارية تقدر قيمة المباني القديمة و تشجع استثمارها الملائم بحيث تستهدف هذه الثقافة عامة الناس ولا تنحصر في فئة اجتماعية محدودة. يمكن تحقيق ذلك باستثمار كافة الوسائل المتاحة للرفع من مستوى الفهم و التعامل مع الموروث الحضاري و إبراز قيمته للمجتمع المعاصر و العمل على تأصيل القيم الحضارية من خلال إبراز النسيج الحضري.
12- تشجيع الأعمال ألإبداعية المتنوعة( فنية ومعمارية و حرفية و ثقافية ) داخل المدن التاريخية القديمة و التي تهدف لترسيخ القيم الحضارية و الإنسانية للمجتمع.
13- تبادل المعلومات و الآراء في كل ما يتعلق ببرامج صيانة و المحافظة على المدن التاريخية القديمة بين الأجهزة المحلية و الأجنبية.
14- تشجيع المشاريع الاستثمارية التي تحترم الموروث الحضاري للمدن القديمة و ترى فيه القوى المحركة للتنمية المستدامة الواعدة و تقديم المعونة المادية و الفنية لها.
15- الاهتمام بالجانب الإداري من خلال إيجاد إطار إدارى كفء يراعي ظروف المكان و ينسق عمليات الترميم و الصيانة للمباني التاريخية و علاقتها بالتنمية المستدامة و يقدم المصلحة العامة على المنفعة الذاتية.

المراجع:-

*** المقالة عن ورقة قدمها الباحث بعنوان نحو تنمية مستدامة للمدن القديمة تم تقديمها بندوة المحافظة على المدن القديمة بمدينة بنغازي بتاريخ 8-9 الكانون 2004.

[1] التنمية المستدامة يختلف تعريفها باختلاف الغرض المستعمل فيه التعريف انظر
Bill Leland definitions of sustainability in Arkin, L., “Taking about Sustainability and sustainable Communities or what is an Ecovillage anyway?” Communities Magazine, No. 91, Summer 1996.
[1] Arkin, L., “Taking about Sustainability and sustainable Communities or what is an Ecovillage anyway?” Communities Magazine, No. 91, Summer 1996.
[1] Rodwell, D. “Sustainability and the Holistic Approach to the Conservation of Historic Cities,” Journal of Architectural Conservation, No. 1 March 2003, pp. 58-73.
[1] Feilden,B., “Conservation-Is there No Limit?-A Review”, Journal of Architectural Conservation, Vol 1, No., 1, March 1995, pp. 5-7. in Rodwell, D., “Sustainability and the Holistic Approach to the Conservation of Historic Cities,” Journal of Architectural Conservation, No. 1 March 2003, p. 59.
[1] Rodwell, D. “Sustainability and the Holistic Approach to the Conservation of Historic Cities,” Journal of Architectural Conservation, No. 1 March 2003, p. 59.

[1] Nasser, N., “Cultural Continuity and Meaning of Place: Sustaining Historic Cities of the Islamicate World”, Journal Of Architectural Conservation No1 March 2003, PP. 74-89


تعريف بالكاتب على هذا الرابط/ http://mirathlibya.blogspot.com/2008/10/blog-post_17.html

الجمعة، يونيو 12، 2009

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا


غار تفوشيت- بمدينة نالوت
"بيوت الجبل"



م. علي عسكر

تقع مدينة نالوت في أقصى سلسلة الجبل الغربي بليبيا بين خطي طول 11 شرقاً وخط عرض 31 شمالاً ويبلغ عدد سكانها حوالي 20000 نسمة ويتركز نشاط السكان على الرعي والزراعة البعلية , وهي تعتبر من المناطق الواقعة في ظل المطر حيث لا يتعدى معدل سقوط الأمطار بها عن 150 ملم سنويا وتبعد عن الحدود التونسية بمسافة 60 كيلومتر وتحيط بالمدينة العديد من العيون المائية وغابات النخيل والتين والزيتون , ويتركز إنتاج المدينة الاقتصادي على الثروة الحيوانية ومحاصيل القمح والشعير أثناء مواسم الأمطار وزيت الزيتـون والصوف وللمدينة شهرة تاريخية في صناعة الفخار والمنسوجات الصوفية بصفة عامة وصناعة الحولي النالوتي بصفة خاصة , وهي من المدن الجبلية السياحية التي تتميز بجمال الطبيعة من جبال وسهول وتعتبر القلعة القديمة ( القصر ) من أهم أثارها المعمارية بالإضافة إلى معاصر الزيتون التقليدية والمساجد القديمة .

1. وصف الداموس " غار تفوشيت " :
" دار تفوشيت " أو غار تفوشيت هو عبارة عن مسكن لعائلة تفوشيت تم حفره تحت سطح الأرض ويحتوي على سلالم صخرية طويلة بارتفاع أكثر من قامة الإنسان وتقدر بحوالي 2.5 متر ، وتؤدي هذه السلالم إلى سقيفة يتفرع منها ممرين متصلين بفناء مفتوح لأعلى بفتحة تسمى " المنور " وعادة ما تكون دائرية للتهوية ، إلا أنها في هذا الموقع تعتبر مستطيلة ، وهي تسمح بدخول أشعة الشمس ، ولعل ما يميز هذا الغار عن باقي الغيران بالمدينة هو احتوائه على فتحتين " منورين " وتختلف مساحة الفتحة لكل منها من بيت لآخر، وتفتح أبوابالحجرات والمطبخ داخل هذين الفنائين من كافة الجهات.
تم إخلاء بيت تفوشيت من السكان خلال فترة الستينيات عقب التوسع العمراني الذي شهدته المدينة وانتشار المساكن الحديثة ، وأستغل البيت كمب للتخلص من القمامة المتزليه للمساكن المجاورة على مدى حـوالي أكتر من 35 سنة ، ويعتبر هذا البيت في السابق أحد نماذج الظواهر السلبية لتلوث البيئة.

2. العناصر المعمارية لدار تفوشيت :
تنقسم العناصر المعمارية لبيت الحفر " دار تفوشيت " إلى العناصر الآتية :
1) المخزن : وهوعبارة عن مساحة محفورة توجد عادة بسقيفة البيت تستخدم لتخزين الحطب والتين المجفف وأدوات الزراعة ، والمعدات الخاصة بالدواب.
2) حجرة الضيوف : وهي في مدخل البيت يتم فيها استقبال ضيوف العائلة وأثاتها بسيط جدا وهو عبارة عن حصيرة من الديس أو بساط مصنع محليا وقصعة خشب وبرادة فخار للماء.
3) حجرات المعيشة : وهي قريبة من المطبخ ومفتوحة على الفناء الداخلي.
4) حجرة النوم : وهي بجانب حجرات المعيشة ، وهي بيت الزوجية وتتكون من غرفة صغيرة للنوم توجد بأحد الجدران ويرتفع منسوبها عن الحجرة الرئيسية بأقل من متر ولها باب صغير ، وتوجد بالحجرة بعض المقتنيات الخاصة بالزوجة.
5) المطبخ : ويوجد أثنان يقع كل واحد منها بفناء البيت وتوجد به خابية للماء وموقد عبارة عن ثلاثة أحجار كل منها على زاوية المثلث وكافة لوازم المطبخ.

3. المواد الإنشائية للداموس :
1) الحوائط والاسقف : عند الشروع في عمليات الحفر للداموس يتم البحث عن تركيب صخري صلب وهو ما يسمى بالعامية " القفل " ويكون هذا التركيب الصخري بمثابة سقف البيت حيث تتم أعمال الحفر تحت هذا التركيب الصخري ويختلف ارتفاع السقف من بيت إلى أخرى وبخاصة عند تباعد المسافة بين البيوت ، وبعد استكمال اعمال الحفر يتم تبييض الحوائط والاسقف بالجبس أو الطين لمنع تساقط وتفتت الصخور ، ثم تطلى الجدران باللون الابيض باستخدام الجير المصنع محليا .

2) الأبـواب : وتصنع عادة من أعجاز النخيل ويتم ربطها بأغصان الزيتزن وتستخدم لذلك مسامير خشبية من جدوع الزيتون يتم استخدامها وهي طرية خضراء وتؤدي وظيفتها بعد أن تجف فتصبح قادرة على ربط جدوع النخيل بالمحور الرئيسي للباب وفروعه ، شكل ( 3 ) .
3) الأقواس : أن كافة فتحات الابواب على هيئة أقواس دائرية احيانا تكون منتظمة وأحيانا تكون فطرية ويستخدم الجبس لإنشاء هذه الاقواس .
4) فتحات الحوائط : وهي عبارة عن حفر مختلفة الأشكال توجد بالجدران وتعمل بمثابة الأثات الحالي حيث يتم فيها تخزين كافة لوازم البيت ، شكل ( 5 ) .
4. ملائمة الغار للمناخ السائد :
يتميز الدمواس بإعتدال درجة الحرارة فيه أثناء فصول السنة فهو بارد صيفا ودافئ في الشتاء وترجع هذه الميزة إلى ظاهرة ثبات درجــة الحرارة على طوال السنة ، حيث تعمل الصخور على عزل البيت عن الحرارة الخارجية ، ولعل هذه الميزة توفر أجهزة تكييف طبيعية تلائم المناخ الجبلي والصحراوي الذي يعتبر شديد البرودة في الشتاء وحار جدا في الصيف .

الجمعة، يونيو 05، 2009

لماذا لم نعد نسمع عن تأسيس مدن إسلامية جديدة؟!



جمال الهمالي اللافي

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن إنشاء مشاريع الترفيه والتسلية والتسطيح والمال والأعمال... وغاب المضمون الإسلامي وغابت القيم الإسلامية عن مدننا المعاصرة.حيث درجت بعض الحكومات العربية على طرح مناقصات لإنشاء أكبر برج وأضخم مجمع تجاري وأكبر متحف وأكبرحديقة للحيوانات وأكبر قرية سياحية، وما أكثر هذه القرى التي يتنافس أصحابها على تطبيق أحدث التقنيات في تنفيذها مع التفنن في مراعاة الطرز المحلية والجماليات في تنسيق الحدائق وتعبيد الطرق وتوفير الخدمات. خدمة للسائح والسياحة! ويا لها من سياحة؟... ساح فيها كل شئ على التراب، الكرامة والعرض والشرف، واختلط فيها الحرام مع الحلال،وكل هذا فقط لعيون السائح صاحب العيون الزرق والشعر الأشقر؟!!. أما المواطن فليس له إلاّ العشوائيات، وما أكثرها هي أيضا.

وفي المقابل لم نسمع أي ذكر عن مباشرة أي حكومة عربية أو إسلامية في وضع مخططات لمدن إسلامية جديدة، حيث توالت على الأمة العربية العديد من الحكومات، التي تمر فترة حكم بعضهم إما بالإقصاء أو الموت المحتّم دون أن نسمع عن وضع أساسات لمدينة جديدة، تراعى فيها الأسس التخطيطية لمدينة إسلامية معاصرة، كاملة المرافق والخدمات، واضحة معالم هويتها الإسلامية، حتى وإن أنتفى عنها صيغة المبالغة أوالتعظيم.

ولا يخفى علينا ما للعمارة من تأثير مباشر على سلوكيات المجتمعات والأفراد... لهذا نرى أننا نؤتى من هذا الجانب لعظيم أهميته وتأثيره ودوره. كما أن الجانب التطبيقي لقناعاتنا وعقيدتنا لا يتحقق في مخططات المدن التي نعيش فيها اليوم ولا المباني التي نستعملها... لهذا نجد أن مجتمعاتنا المسلمة تعاني من حالة إرباك شديد بين ما هو واجب وما هو قائم على أرضية الواقع.

ولنلقي نظرة عابرة على أهم مرفقين من مرافق المدينة والتي تعكس من خلالها الشخصية الإسلامية بقوة/

أولهما/ المسجد، الذي أصبح حضوره على مستوى المخططات الجديدة مهمشا، فهو يركن دائما في الزوايا المنسية من الأحياء والمجاورات السكنية، هذا إذا لم يحسب له أي حساب في هذه المخططات. في حين أنه يجب أن يحتل مركز الحي أو المجاورة ويصمم كمسجد جامع.

وثانيهما/ المسكن، الذي تغيب عنه روح العائلة ولا يسع بالكاد إلاّ أسرة صغيرة... إضافة لغياب روح الحي الإسلامي الذي تجتمع فيه عدة عائلات تتحقق من خلالهم مصلحة الجوار كما يقتضيها الشرع.

وأخيرا وليس بآخر/

·   كلنا يعلم جيدا أن هناك أزمة إسكانية تعاني منها الأجيال الجديدة من شباب الأمة وقفت عائقا أمام إتمامهم لنصف دينهم. والسبب أزمة السكن المزمنة.

·        كلنا يعلم عن أزمة الإقتضاض والازدحام التي تعاني منها جميع المدن العربية.
·   كلنا يعلم عن الأحياء العشوائية التي ولدت كنتاج لغياب المخططات الجديدة التي توفر البنية التحتية والخدمات التي تتطلبها نشأة أي مدينة جديدة.

·   كلنا يعلم تأثير العمارة وتخطيط المدن وحتى التصميم الداخلي للمباني والتفاصيل مهما كبرت أم صغرت على نفسية وسلوك المستعمل للمباني أو مرافق المدينة.

·        ناهيك عن ضياع الهوية التخطيطية للمدينة والهوية المعمارية للمباني.

كل هذه الأمور تستدعي وقفة جادة من الحكومات العربية والإسلامية للتوقف ولو لفترة من الزمن عن بناء مشاريع الترفيه والتسالي، وإعداد العدة من مخططات مدن جديدة تستوعب حاجات المجتمع الإسلامي وتراعي قيمه وتحفظ عليه كيانه وهويته.
  
فهل لنا من وقفة نراجع فيها حساباتنا ونعلم كمعماريين إلى أين يراد بنا المسير، أو إلى أين نريد نحن المسير بأمتنا؟

من فنون مدينة طرابلس المعمارية- (منذ القرن السادس عشر وحتى بداية القرن العشرين )



د. عياد أبوبكر هاشم*
كلية الفنون والإعلام – طرابلس






يطلق اسم " طرابلس" في العالم العربي على مدينتين . المدينة الأولى تقع في غرب هذا الوطن الكبير بليبيا والأخرى تقع في شرقه بلبنان.

تتميز المدينتان بخواص تكاد تكون مشتركة ، فكلتاهما تقعان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، وتملكان مرفأ تجارياً وبحرياً منذ القدم وقد أسسهما العرب الفينيقيون منذ زمن بعيد .
تاريخياً : تعرضت المدينتان إلى حوادث مشتركة أيضاً ، فقد مرت عليها حضارات مختلفة من يونانية ورومانية وبيزنطية وكانتا مركزين مهمين لكل حضارة منها.

دخلتا تحت لواء الخلافة العربية والإسلامية منذ القرن السابع الميلادي وقد أمّن وجود مرفأ بحري لكل منهما قد سهّل من اتصال الدولة العربية الإسلامية مع كل أجزائها بعضها مع بعض ومع بقية أطراف الدولة المجاورة والبعيدة ، وبالتالي أصبحتا تشكلان ليس فقط المركز الثقافي والحضاري في العالم العربي – الإسلامي في القرون الوسطى ، بل كانتا أهم وسيط في نشر واتساع المنجزات الثقافية والحضارية التي حققها العرب المسلمون في ذلك الوقت . للتمييز بين هاتين المدينتين في الوطن العربي ثم إطلاق مدينة طرابلس الغرب الواقعة في الجماهيرية الليبية وإطلاق مدينة طرابلس الشام الواقعة في بلاد الشام شرق الوطن العربي.

مدينة طرابلس الواقعة في الجماهيرية بليبيا كانت تشكل مجموعة ثلاث مدن وهي طرابلس ولبدة وصبراتة وكلها تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وتمتد أسواقها التجارية إلى عمق اليابسة .... وبفضل هذا الموقع الجغرافي امتلكت تلك المدن هذا الاتصال القوي مع جميع حضارات البحر الأبيض المتوسط (1).

بلغت هذه المدن في العصور القديمة مرحلة حضارية متقدمة ، ونضوجاً فنياً كبيراً متساوياً مع التطور الحضاري والتقدم الذي شهده العالم خلال الفترة الرومانية (2) الآثار العظيمة لمدينة لبدة ذات الجدران الحجرية والطينية ، تكشف لنا عن مجمع معماري عريض يمثل ويشمل شوارع ذات أروقة ،وأعمدة، وساحات ، ومعابد ،وأقواس نصر، وتكشف لنا عن أروع وأكبر حمامات ذات أرضية مرصوفة بالفسيفساء، وجدران مكسوة بالرخام ، بالإضافة إلى التماثيل الجميلة المنحوتة من الرخام الناعم القوي الجميل.

مدينة صبراته أحتوت أيضاً آثار مهمة وضخمة مثل المسرح المدرج ،وأعمدة رخامية مزخرفة، ذات الطراز الكورنتي وشيد المسرح على نمط حمامات مدينة لبدة في القرن الثاني الميلادي "الإفرنجي" والذي أعيد بناؤه في سنة 1927.

المدن الليبية القديمة بشكل عام تكونت من منشآت ومجمعات معمارية ضخمة واحتوت على فنون نحتية عظيمة إلى جانب التماثيل هناك النحت النار والنقوش الحجرية بالإضافة إلى الفسيفساء وتتشكل فيها زخارف متعددة الألوان تمشياً مع ماهو سائر من تقليد فني في تلك الفترة التاريخية في فنون المعمار والنحت في إيجاد مجموعة حلول وصيغ تصميمية وفي خلق أو ابتكار وتكوين نموذج فني معماري تركيبه ذي صلة وثيقة بين مختلف أنواع الفنون المختلفة.
هذا التقليد الفني استمر حتى العهود البيزنطية واستمرت المنشآت المعمارية جنباً إلى جنب مع الفنون العربية الإسلامية وتداخلت هذه الفنون في كثير من المواضع في المدينة. مع استمرار هذا التقدم الحضاري في أثناء الفترة العثمانية الأولى وما بعدها، أصبح للمدينة أهم مركز حضاري فني إلى جانب النشاط التجاري ونحوه فيها .

كان للتأثير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمدينة الأثر الكبير والمباشر والواسع على التطور الحضاري على نحو ما سنعرفه فيما بعد من أجل فهم وتتبع هذا التطور الفني الذي حدث ونما في هذه المدينة منذ بداية القرن السادس عشر وحتى مطلع القرن العشرين، قمنا بتناول هذه الدراسة.

خلافاً لبقية الآثار في العالم ودراسة فنونها فقد كانت هناك دراسات دقيقة لمعظم هذه الآثار ودونّت عنها الكثير من التعليقات التاريخية وتحليل كافة صغائرها التي تضمنها خزائن الفن العالمي، ولكن بالمقابل فإن الشواهد الحضارية العربية الإسلامية في ليبيا والى وقت قريب بقيت بعيدة عن اهتمام البحات والمتخصصين في دراسة التاريخ والفنون بالذات "والاتْنوغرافيا" وحتى منهم من المتخصصين في علوم الفن الإسلامي وتاريخه إلا للقليل منهم ، ومع هذا فإننا نرى في أعمال الأوربيين الذين قاموا بدراسة الفنون الإسلامية والعربية والذين حققوا دراسات حول العمارة والتصوير والزخرفة والخطوط الكتابية لم تتضمن مؤلفاتهم فنون مدينة طرابلس باعتبارها مركزاً حضارياً اسلامياً وعربياً وأنهم لم يتطرقوا إطلاقا إلى الآثار الفنية وبالذات العربية والإسلامية إلا الشئ السطحي والقليل جداً الذي لايعتبر دراسة فنية مهمة مثل الباحث التاريخي هرتزفلد ، كونيل ، كرزلد ، ايتنغهاون، راسيل، دايمند.

وتجدر الإشارة إلى أن البحات الروس والسوفييت السابقين المتخصصين بدراسة الحضارة العربية الإسلامية لم يهتموا أيضاً بهذا الموضوع مثل : فايمرن (3) ، وكابثرقا مؤلفي كتاب الفنون الوسطى في المغرب العربي ( شمال أفريقيا ) (4) من وجهة نظرنا أن هذا التقصير العلمي الذي آلت إليه أعمال الباحثين في مجال الفنون العربية والإسلامية في ليبيا ، يعود بالدرجة الأولى إلى عدم توفر المؤلفات والمنشورات الخاصة بهذه المرحلة التي من شأنها وأن تساعد على التشجيع لدراسة هذه الفنون وتحليلها تحليلاً نقدياً سليماً.

إن ما تتصف به البحوث العلمية الغربية وحتى عام 1960 ف غياب كلي عن الاهتمام بإبراز المعالم الحضارية في طرابلس وبعد هذا الزمن وفي أواخر الستينات من القرن الحالي تغير الوضع عندما وجد وسط من المثقفين والمتعلمين والمفكرين الليبيين من الاهتمام بالدراسة وإعادة البحث والإنعاش للتعريف بالحضارة الفنية التي تشهدها مدينة طرابلس وباقي المدن الليبية . فكانت الخطوات الجادة في هذا المضمار وتبلورت في تأسيس جناح علمي مهمته تسهيل وتعريف الوسط الثقافي في ليبيا وخاصة لطلاب التاريخ والآثار والفنون وذلك من خلال مؤلفات شهيرة تتحدث عن التاريخ بشكل عام القديم والحديث في ليبيا ولأجل هذا تمت ترجمة العديد من الكتب التي لمست بعض هذه الآثار من قريب أو بعيد وخاصة فيما يتعلق بمدينة طرابلس ومثال ذلك كتب: ذكريات ريتشارد تولي ( عشر سنوات في طرابلس -1783- 1793 ف(5) وأعمال قسطنطين بيرقانو ( طرابلس فيما بين سنوات 1510- 1850(6) وبعض التراجم الأخرى التي تناولت الفن الإسلامي بشكل عام في الوطن العربي مثل جورج مارسيه وكريزول دافيد وغيرهم.

وبعد قيام ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة صدرت عدة كتب تناولت هذه الحضارة في المدينة وبقية المدن الليبية الأخرى ونشرت باللغتين العربية والانجليزية وبعض اللغات الأوروبية الحية الأخرى (7). مثل الذي نستطيع أن نلمسه ونستدل عليه في نشر الفهرس البياني الذي صدر في عام 1975 ف – لندن - (8) وكذلك الكتاب المصور عن ( العمارة الإسلامية في شمال أفريقيا ) التي احتوى على الكثير من المعالم الأثرية المعمارية في ليبيا (9) .


إن الخطوة الجوهرية الملموسة للقيام بدراسة الحضارة الفنية في مدينة طرابلس كمدينة إسلامية وضمن تحليل علمي وتاريخي سليم يعيد لهذه المدينة عظمتها ي نشر حقيقة صورتها قديماً وحديثاً هو ممثل في بداية دراسة منتظمة عن المدينة التي مازالت تحتفظ بمظهرها التقليدي العريق ولكن بدأت الدراسات في الظهور ولعل الموسوعات ذات الاهتمام الخاص والتسجيل والتوثيق والأبحاث العلمية التفصيلية والدقيقة وبتحليل علمي رصين ومتابعة كل كبيرة وصغيرة مــن جميع النواحي السياسية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية والفنية يساعد بالتأكيد على نشر هذه الحضارة والتعريف بها للعالم . لذلك أتقدم بهذه الدراسات أولاً بأول عن هذه الحضارة الفنية لمدينة طرابلس وبشكل مختلف قليلاً عن من سبقوني في دراسته وتحليله عن هذه الآثار أو الإرث الثقافي الفني البديع مهتماً بجماليات والأسس الفنية التشكيلية على اعتبار إن هذه المجالات من صميم تخصيصي في دراستي الاكادمية في كل مرة .

التصميم المعماري الخاص بالمدينة :
إن ازدهار التصميم الزخرفي والتزييني في هذه المدينة ومعمارها خلال مختلف المراحل والعصور التاريخية التي مرت بها المدينة تتحدد بعوامل ثلاث رئيسية هامة :
1- الخصائص المناخية المحلية والموقع الجغرافي المميز بقربها من البحر من الجهة والصحراء ذات الرمال الناعمة من جهة أخرى.
2- التقليد المعماري الفني والمحلي.
3- الوضع الديني ذو الاتجاه العربي الإسلامي.

في ظل الظروف المناخية حيث يغلب الحر في مدينة طرابلس ، وكما في بقية مدن شمال أفريقيا ، فإن التصميم البنائي المعماري يأخذ في الاعتبار كيفية ملائمة تقلّب وضع الشمس خلال ساعات النهار كي تتلقى كل أقسام المبنى الضوء والظل بالتناوب.

إن رسوخ وثبات الأساليب التقنية والبنائية في تشييد وتزيين المباني إنما يعكس الفكر المحافظ ، وظروف الحياة ووضع أبناء المدينة المتمسكين بالتقاليد وحياتهم الاجتماعية التي يعيشونها ، كما يفصح عن انتمائهم الديني ووفائهم للإرث الفني المتوارث عبر الأجيال القديمة بشكل متواصل. وفي تتبع مراحل هذه التقاليد يظهر التقليد الفني بالإضافة الى التأثير المحلي هناك التركي والمغربي والأندلسي، والجدير بالذكر التنويه الى الهجرات الفنية للأعداد الكبيرة من المسلمين الذين خرجوا من أسبانيا واستوطنوا من جديد مدن التريبوليتانية ( تونس والجزائر وطرابلس ) بعد عام 1609 ف وكان من بين هذه الفئات من المهاجرين العائدين حرفيون مهرة بناءون وفنانون ومتخصصون وقد انتقلت أعمالهم وتجاربهم من جيل الى جيل وتركت أساليب خاصة وبصمات واضحة مما قد أثر على تميز الفن المغربي بصفة عامة على منطقة شمال أفريقيا (10) .

إن التصميم والشكل المعماري لمدينة طرابلس الخاص بهذه المرحلة قد تميز بالخصائص التي تتمتع بها المدينة العربية والإسلامية مع ضم بعض العناصر التركية وقسم أو جزء بسيط من فنون العمارة الأوروبية .

المدينة العربية والإسلامية المغربية في أساسها تملك تخطيط جيد . فكان يتم بناء القلعة أولاً وأحياناً تقام هذه القلعة على أنقاض حصن قديم وكانت المدينة أيضاً تحاط بسور من الجدران الدفاعية مع وجود بوابات التي تقع عادة على أطراف الطرق التجارية ومراكز العبور والمواصلات ، وكان يقطن هذه المدينة عدد كبير من سكانها الأصليين بالإضافة الى وجود ضواحي للمدينة والتي نمت على أطرافها وبسرعة مشاريع بنائية دون تحضير مسبق ، وهكذا سادت مدينة طرابلس على قاعدة أصول البناء في المدينة العربية الإسلامية ، وكل مبنى عندما يشيد من جديد قد أتبع هذه القواعد أو الأسس المطابقة للمعايير البنائية القائمة والطرز والذوق الخاص بالمدينة المناسب للتعاليم الإسلامية. وقد أخذ في الاعتبار أيضاً التقليد المحلي في تخطيط الأحياء من ترتيب وتنظيم الطوابق التي يتألف منها البناء والمحيط به بحيث لا يجب أن يسبب أي مبنى أي إزعاج للبناء المجاور له وأن لايزيد عنه ارتفاعاً أواختلافاً كبيراً عنه وبشكل عام قد تميــــزالبناء في المدينة بأسلوب البساطة وملائمة الشكل المعماري والوظائفي المحافظ على للتقاليد وهذا ما اعتمدته العمارة المغربية الإسلامية في شمال أفريقيا بشكل عام أيضا .

إن البساطة التي نتحدث عنها هي البساطة الواعية ، التي اعتمدت على جماليات خاصة بالمدينة المغربية والتي شدّت انتباه أهم وأشهر معماريّ الغرب في القرن العشرين فهذا المهندس المعروف ( لوكربوزيه ) على سبيل المثال قد انبهر بالأعمال المغربية الجميلة ( على طول الساحة في شمال أفريقيا في الغرب الأقصى والجزائر وتونس وطرابلس ) في مجال البناء والعمارة التي أخذت بكل خصائص المناخ المحلية التي تم تشييد المباني على أساس أن تكون مواجهة لبعضها البعض ، متراصة لتعطي الظل حقه ، وجاءت الشوارع والأزقة بشكلها الضيق ، لتمتص ضوضاء المدينة ، وبرزت الزخارف والزينة المعمارية على واجهات المنازل والمحال ملساء لتحسين إمكانية مرور الهواء بسهولة وتم تشييد كل هذه المباني وفق عناصر قد كوّنتها المدينة نفسها والتي تعكس المستوى الثقافي المعماري الرفيع في تنفيذ شروط ومطالب الحياة اليومية لسكانها كما تعكس علاقة العمارة نفسها مع مختلف الأجيال المتوارثة التقاليد الخاصة بالمدينة على امتداد تاريخها الموغل في القدم.

إن الشكل المعماري الفريد والخاص ، في بعض الاحيان لمدينة طرابلس ، يحدد ويعطي فكرة واضحة عن أساس وشكل المدينة القديمة المختلفة وخلافاً للوصف الذي قدّمه الأكاديمي المستشرق ( أ. كراقكوسكي ) عن مدينة طرابلس في كتابه : المؤلفات الجغرافية العربية من خلال رحلات التجاني – " الذي جاء فيه التأكيد بأن الشواهد المعمارية التاريخية التي بقيت في مدينة طرابلس تعود الى فترة الأتراك " (11).

هذا الزعم يرجع أساساً لأبنية ذلك العصر عندما أعتلى الحكم في طرابلس الوالي العثماني مرا آغا ودارغوت باشا اللذان أعادا نشاط المدينة المعماري بعد خروج الأسبان منها وكذلك الأمر فيما يخص المنشآت التي شيدّت في عهود محمد الساقزلي وعثمان الساقزلي ومحمد باشا الإمام (12) .
إلا أنه بغض النظر عن التأثير المعماري التركي ، فإن مدينة طرابلس المتميزة تحتفظ أولاً بالأساليب المعمارية المحلية الخاصة بالتقليد البنائي الليبي الذي يعكس البساطة الى جانب روعة التشكيل المعماري المناسب ومع طبيعة الحياة فيها اجتماعيا ومناخياً.

من ميزة تشييد المدينة إستخدامها لمختلف الأساليب ذات الخواص التخطيطية والبنائية المتأصلة أساساً عند أهل المدينة فاستعمال الأعمدة والعقود كدعائم وحوامل للهيكل البنائي له ضرورته في المتانة والصلابة ، ولحمايته من الانهيار من جراء تأثير الانخفاض السريع لدرجات الحرارة وتفاوتها في الليل والنهار، وكذلك لمواجهة ضغط الرياح القوية والعواصف الرملية التي تمر على المدينة في بعض الفصول واستخدمت هذه الأقواس والقناطر والدعائم كعناصر زخرفيه معمارية بشكل مدهش وكرابط قوي بين المباني المجاورة بعضها ببعض ، ومؤلفة شوارع وأزقة جميلة، وفي المباني ذات الطوابق المتعددة عمد المعماريون الى استخدام الدعائم أو الركائز والقناطر المرفوعة على أعمدة للتخفيف من ضغط الأجزاء العلوية.

المعماري الإيطالي ميسانا في كتابه حول العمارة الإسلامية في ليبيا (13) ص142 يخصص إهتماماً كبيراً لدراسة تقنية البناء المحلي . فالجدران للأبنية القديمة تكشف عن كتل باطونية ملساء وهذه الكتل تكونت من خليط من الرمال والطين والحصب الصغيرة الحجم ثم صُبّت في قوالب خشبية خاصة وضغطت بشدة . وحالياً هذا النموذج من التقنية الباطونية كانت متبعة في البناء المغربي في العصور الوسطى ومازال العمل جاري به في الاستعمال حتى وقت قريب ومع ظهور التقنيات الحديثة.
ولقد لاحظ الكثير من الرحالة الذين زاروا مدينة طرابلس أو مروا بها عبر مختلف المراحل التاريخية نظافة شوارعها وجمالها حتى أطلقوا عليها اسم " المدينة البيضاء " بسبب شيوع استخدام الطلاء الأبيض على جدرانها الذي كان متبعاً منذ القدم ومع انعكاس أشعة الشمس القوية على هذه الجدران البيضاء تكسب شفافية مثل لؤلؤة مصقولة تزيد من إضاءتها فتبدو منيرة مشعة.

إن مدينة طرابلس العريقة تعتبر النموذج الحي للمدينة العربية الإسلامية في التصميم البنائي من حيث الأهمية الوظائفية والشكل المعماري الذي يتمثل بشكل كبير في البناء الإسلامي : الجوامع ، المدارس ، المآذن ، المقابر ، الخانكة ، السراي ، الفنادق ، الأسواق المسقوفة والحمامات .

الايطالي ( ستيفانو بيانكو ) المتخصص في مجال بناء المدن والعمارة الإسلامية يعتقد أن الإسلام ترك تأثيره القوي على تشكيل وتكوين وتطور المظهر أو الشكل الخاص بالمدينة الذي حسب رأيه يستحق أن يحتدى به كنموذج رائع وناجح في البناء المجمّع للمدينة الإسلامية .

وتتميز الخواص الجوهرية لمنشآت المدينة العربية الإسلامية في العصور الوسطى تتميز بالانفرادية، وانعزال المباني المنفصلة في داخل المجمعات والأحياء السكنية وتآلفت من خلايا بيوت منفردة في نفس الوقت وتجمع كل بيت حول ساحة فناء داخلي مع وجود بئر أو مصدر خاص مثل( الفسقية) يعطي استقلالية كاملة للسكان عن بقية البيوت السكنية المجاورة.

وقد ظهرت الذاتية أو الاستقلالية، التي تميزت بها معظم البيوت الإسلامية كتقليد متبع وفي نفس الوقت رمز للاستقلالية الروحانية لدى المؤمنين ، أضف الى ذلك كل بيت سكني بُني على أساس إقامة علاقة رب البيت بالعالم الخارجي، وهو المسؤول الاول في ربط هذه العلاقة وذلك من خلال حجرة الاستقبال المعروفة " بالمربوعة " لتسهيل دخول الغرباء الى المنزل دون العبور الى داخل البيت والتعرف على خصوصياته ولكن مع هذا الانفراد يوجد تآلف اجتماعي كبير، وكما أشار كوزاك فإن الحي في المدينة العربية الإسلامية يتألف من منازل سكنية موضوعة بشكل متلاصق متراص مع بعضها البعض مما يخلق انطباعاً بوجود ألفة وقربى بين السكان القانطين فيها مؤلفين مجموعة اجتماعية موحدة واحدة (14) في حقيقة وواقع الأحياء بوصفها وحدة معمارية اجتماعية فإنها تشكل وحدة المدينة الإسلامية وقد تجمعت وتواجدت منها لحمة لُحمة سكانية ليس بسبب روابط القربى وإنما بفعل الميزة التي خُصّت بها مختلف المهن والأعمال الحرفية في المدينة – الحي وبانت سمة ودلالة واضحة على تشكيل هذا الحي ونلاحظ هذا في الأسواق المجمعة ، والسوق هو عبارة عن شوارع مسقوفة تنتشر على جوانبها الحوانيت والمخازن لمختلف الحرف والمهن التي كانت تمارس في ذلك العصر ويتجمع الناس في هذه الأسواق وتميزت عن بعضها البعض بنوع معين من الحرفة أو الصناعة ، فيوجد على سبيل المثال سوق للخياطين وسوق للصياغة سوق النحاسين سوق لنساخ الكتب وأخرى للجلود ونحوه.

لقد نظمت البيوت في الأحياء على شكل خط واحد متصل من جهة الشارع وفي كل منزل ظهر وكأنه تابع أو متصل بالبيت الآخر الذي سبقه وهكذا.

إن تكاثف المباني الذي تميزت به مدينة طرابلس حيث نجد على سبيل المثال أكثر من 48 منزلاً على مساحة الهكتار الواحد يشير الى قيلس أو حجم السكن الداخلي ثم تكوين البيت من طابق أو طابقين أو ثلاث طوابق يكون خاضعاً لضوابط معينة لايتعداه المكون لهذا البيت مهما كانت الأسباب ، فهناك شروط موجبة ومطلوبة في الأبنية المغربية في المدينة الإسلامية وذلك على النحو التالي/
أ‌- ملائمة الارتفاع أو العلو لهذه المنازل مع بعضها البعض إذ لا يجب أن يرتفع المنزل عن العلو العام المتبع.
ب‌- توازن وتساوي جميع مقاييس العناصر البنائية لحجم الإنسان العادي.
جـ- مطابقة نسب البناء، بحيث يتمكن الإنسان من النظر الى المباني الأخرى المجاورة من الأسفل الى الأعلى فيالحي ذي الأبنية المتراصة وبالتالي لا يستطيع أن ينظر إلي احد في داخل البيوت المجاورة.

إن الملائمة الوظائفية التي تميزت بها دائما العمارة العربية الإسلامية لم تمنع من أمكانية تزيين المباني فقد تميزت واجهات المباني في مدينة طرابلس بالزخرفة والتزيين المباني المعماري المتنوع فكما كان متبعا في التزيين الخارجي مثل النوافذ المطلة على الشوارع كانت محدودة البروز وفتحات الأبواب العلوية وأطر النوافذ التي تتمتع بنقوش جميلة والمشربيات المزخرفة بالشبابيك الحديدية والخشبية والأبواب الخشبية السميكة بينما استخدمت في واجهات القصور الكسوة الرخامية أو الترابيع المطلية بالمينا ذات الزخارف الهندسية او البنائية أما وجهات وقباب الجوامع,والمدارس والحمامات والبوابات والفنادق فقد زينت بالزخارف البنائية والحفر على الخشب وكذلك بالمعدن وقد حضيت المآذن بعناية تزين فائقة في كثير من الحيان والمواضع .

وهكذا نرى بأن البناء العربي والإسلامي لم يعجز عن أيجاد حلول جديدة وحيوية لمهمة الوظائفية الذي بنى عليه مظهر و شكل المدينة المعمارية، الذي تشكل وتكون عن قصد وعمد في بساطة واعية، وبناء عل أسس تقليدية معروفة من تأثيرات واضحة وجلية.

الخلاصة والختام:
كانت لمدينة طرابلس الفرصة الكبيرة لظهور الفنون وتنوعها نظرا لقدم المدينة، والتي شهدت أراضيها حضارات قديمة مختلفة من فينيقية وإغريقية ورومانية وعربية إسلامية الى جانب الكثير من الأقوام الاستعمارية التي استعمرت المدينة لبضع السنين في عصورها والى عصرنا الحديث، تبرز فنون العمارة العربية الإسلامية والمحلية في حد ذاتها حضارة غير معروفة لدى الكثير من الاحيان وتلاقيها مع الفنون المغربية في شمال أفريقيا في أحيان أخرى ومن خلال دراستنا التي تعتبر سريعة مهما كنا قد كتبنا وحللنا نستطيع إن نجمل أهم الانجازات الفنية التي قد ظهرت أثناء وبعد مرور حوالي أربعة قرون من الزمان فيما يخص العمارة وجمالياتها وخصوصياتها وذلك على النحو التالي:
1- اجتمعت ثلاث أسس وانصهرت مع بعضها البعض مكونة لفن موحد مميز لهذه المدينة العريقة في التاريخ وهي التأثير المحلي البيئي ثن المغرب الأندلسي وأخيرا التأثير التركي العثماني.
2- تطور الأسلوب والذوق الفني وولدت قيم جمالية وفنية ساعدت عل تطور الفنون التشكيلية في المدينة نتيجة للامتداد التاريخي والحضاري لها.
3- كانت البيئة المحلية عاملا مهما في تطور مظاهر الرؤية البصرية في الحقبة التاريخية من الزمن وتعبيرا منطقيا مع ظروف البلاد الدينية والاجتماعية والسياسية.
4- كانت لظاهرة الضوء والظل أهمية كبيرة في بناء علاقة الأشكال بارضياتها وبذلك تم التحكم في شدة الضوء بخلق جدران بيضاء عالية ومشربيات التي تحجب الضوء وتلطف من حدة الحرارة وذلك عن طريق زخارف يلعب فيها الشكل تارة كأرضية والفراغ تارة أخرى مع إتاحة الفرصة لحركة الهواء المتجدد.
5- تأثير الأتراك وتأثرهم بالفنون الطرابلسية المحلية و الأعجال بها وخاصة في بعض التصاميم المعمارية وبقية الفنون الزخرفية الأخرى .
6- إنسجدت تماما الفنون التشكيلية للزخرفة والعمارة في مدينة طرابلس مع طبيعة البلاد المناخية من حيث الضوء والحرارة الشديدة في معظم فصول السنة ونلاحظ الحلول التشكيلية المساعدة فيها الذي كان مجسدا في اللون الأبيض مثلا الذي طليت به جدران المدينة الخارجية والداخلية، وصغر حجم الشبابيك والنوافذ، وتلاصق المباني مع بعضها البعض حتى أصبحت جسما واحدا يعكس الظلال التي ساهمت الى حد كبير في تخفيض درجة الحرارة والشعور بالارتياح وأعطت أشكالا إيقاعية جميلة.
7- كان لأسلوب البساطة الواعية الذي سيطر على معظم فنون العمارة والفنون في المدينة دورا كبيرا في إنتاج أشكال غاية في الجمال والروعة.
8- حافظ الطراز الطرابلسي المحلي في فنون العمارة والفنون في المدينة دورا كبيرا في إنتاج أشكال غاية في الجمال والروعة.
9- تميزت فنون العمارة والزخرفة في منطقة شمال أفريقيا، وبالذات منطقة المغرب العربي بالوحدة الفنية التي تجمعت بين الفنون الإسلامية وصارت متأثرة ببعضها البعض، وتداخلت فيما بينها وخاصة فيما يتعلق التصاميم المعمارية وبعض زخارف الخزف لأجل العمارة نفسها.
10- أحتوى البيت الليبي الطرابلسي على اروقة وفناء وسطح وهو نظام قد ساد في منطقة البحر الأبيض المتوسط وخاصة في البلاد العربية منذ أكثر من 3.000 سنة قبل ميلاد المسيح والذي أخد به حتى الرومان فيما بعد.

المراجع/
1- ت . ب . كابتريفا ، فنون بلاد المغرب في التاريخ القديم ، دار الفنون ، موسكو، روسيا ، 1980 ف ( باللغة الروسية ) ( ص 176- 177).
2- نفس المرجع السابق ( ص 177).
3- ب . ف . فيرمن ، الفنون العربية والارانية خلال القرون 711 – 11 * دار الفنون ، موسكو روسيا 1974 ف ( اللغة الروسية ) ص.
4- ت . ب . كابتريفا ، فنون المغرب العربي في العصور الوسطى والحديث دار الفنون موسكو روسيا 1988 ف ( باللغة الروسية ) ص .
5- ريتشارد تولي ، عشر سنوات في مدينة طرابلس ( 1787-1793 ) الجامعة الليبية 1967 ف مترجم عن الانجليزية بالعربية .
6- قسطنطية بيرقانا ، طرابلس فيما بين (1510-1850) طرابلس ليبيا 1969 ف مترجم عن الايطالية بالعربية .
7- A . M Ramadan reflection upon Islamic Architecture in Libya Tripoli –Tunis, The Arabic House For book1975.
8-Islamic art & Architecture in Libya Catalogue L .1975.
9- D.Hill L Golvin , Islamic Architecture in North Africal .1976.
10- س . م . أزبيس – أثار المغرب العربي - مكتبة النجاح تونس 1958 . ص 82.
11 – طرابلس في مائة عام – بلدية طرابلس – طرابلس – ليبيا 1992 . ص 79 .
12- أوراس مخلوف – فن النحت في حفر الخشب في العالم العربي الإسلامي – مجلة الوحدة ، العدد (24) الرباط المغرب 1986 . ص 25.
13- ق . ميسانا المعمار الإسلامي في ليبيا ( مترجم عن الايطالية إلى العربية ) طرابلس 1993 . ص 142.
14- عادل عيد ، المدينة العربية الإسلامية مجلة العالم والتكنولوجيا العدد ( 27 ) شهر يناير بيروت لبنان 1992 . ص 36 .

* أســتاذ جامعي ، تخصص الفنون التشكيلية منذ عام 1984م ـ جامعة الفاتح بطرابلس


الثلاثاء، مايو 19، 2009

أخبار


القدس عربية إسلامية



تعقد بمركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية
" ندوة العمارة العربية، بين الأصالة والتراث"
وذلك يوم الاربعاء الموافق
20 مايو2009 م
على تمام الساعة 9.30

الخميس، مايو 07، 2009

غدامس... إبداع معماري أصيل





الأستاذ/ نور الدين الثني

ترجع معظم الآراء بناء مدينة غدامس القديمة  الماثلة حالياً للعيان إلى المرحلة الإسلامية من تاريخ المدينة العريق ، فبني مع الفتح الإسلامي للمدينة جامعها العتيق والذي يدعى الجامع الكبير أو جامع ورنوغن نسبة إلى مؤسَّسه ،ووجد الفاتحون مجموعة من القصور المتباعدة والتي يعتقد أنها بنيت بالحجارة حسب مابقي من أعمدة وتيجان وبعض الأحجار المنحوتة والمنقوشة بالمدينة ، والتي استغلت في البناء خارج بيوت الصلاة في الجوامع، وبالتحديد في أماكن الوضوء ، أو أنها استخدمت في أساسات بعض البيوت ،  وكذلك في بناء سواقي المياه، ومع الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي نعمت به المدينة بعد الإسلام ، زادت عمارتها وتطوّرت بحيث كوّنت في مابعد مع المراحل التاريخية اللاحقة وتوافد السكان إليها 7 أحياء (شوارع) منقسمة إلى متجاورتين ( محلتين ) مكوّنة مايقرب من 106 مبنى يخدم الأغراض الدينية من جوامع ومساجد ومصليات ومدارس قرآنية وزوايا صوفية وأوقاف وحوالي 1400 مسكن تتخللها الساباطات العديدة التي تخدم الأغراض الاجتماعية من مجالس ومنتديات وأماكن لعب الأطفال وساحات غير مسقفة كمتنفس للمدينة التي يعتبر حوالى 80 %من شوارعها مسقفة ، حيث استغلت تلك الأسقف كأجزاء من البيوت بحيث يتم استغلال الفراغ أحسن استغلال في توفير الظل المطلوب في مدينة صحراوية تصل درجات الحرارة فيها نتيجة سطوع الشمس إلى مستويات عالية ، كما أنها تحمي السكان من غبار الرياح القبلي التي تهب في فصلي الربيع والخريف وتسبب إزعاجاً للسكان فعولجت بغدامس بطريقتين مثليين : الأولى تتمثل في أسقف وتعرج الشوارع والأزِّقة والثانية تتمثل في إحاطة الكتلة المبنية بحدائق النخيل .

كما يوجد في المدينة أسواق تتم فيها عمليات البيع والشراء، خاصة وأن المدينة اكتسبت أهميتها من أنها بوابة صحراوية نحو أفريقيا ، تمر منها البضائع من كلا الطرفين ، وبالتالي اعتبرت المدينة محطة تجارية ، والعجيب في المدينة أنه لا يلاحظ كثرة المحلات التجارية بها و بالتالي الأسواق المتخصصة كما في المدن الإسلامية الأخرى وتلك الدكاكين الموجودة ليست قديمة فمنها ما استحدث في السوق القديم والمعروف بسوق القادوس أو تصكو أو التي بنيت إبََّان فترة الاستعمار الفرنسي للمدينة والمعروفة بسوق قودار ويطلق عليه الأهالي ( سوق برا ) إلا أن تجار المدينة يستخدمون البيوت غير المسكونة لتخزين السلع والبضائع إلى حين نقلها إلى الأسواق الأخرى سواء أكان في مدن الشمال أو الجنوب .
كما تمتاز مدينة غدامس بنظام دفاعي ربما يكون فريداً في أسلوبه ويتمثل هذا في سور خارجي به بوابات رئيسة لا تؤدي تلك البوابات إلى المساكن مباشرة بل يحتاج الداخل إلى أن يجتاز ممرات مابين مزارع النخيل المسورة وقد تصل إلى مئات الأمتار تؤدي بدورها إلى بوابات داخلية توصل إلى الأحياء ، وهذا ما منع القائد الحفصي رمضان باي من ولوج المدينة واستخدم أسلوب قطع النخيل الذي دفع السكان إلى عقد اتفاق معه وذلك عام 1609 م (1).

ومما يستحق التأمل والدراسة في غدامس ذلك النظام المائي والذي استطاع به المهندس الليبي أن يوصل الماء إلى أبعد نقطة ممكنة دونما استخدام لآلة ضخ أو رفع بل وزغ الماء الصادر من العين الرئيسية على المزارع من خلال خمس قنوات إعطاء لكل قناة حاجتها للماء بمتوالية حسابية تثير العجب ، كما عمل على إستثمار المياه المارة بالسواقي بحيث تمر من خلال ساقية تصكو على القادوس – تلك الساعة المائية التي تعد إبداعاً ليبياً غدامسياً يجب أن نفخر به – ثم على الجوامع للوضوء والغسيل قبل أن تصل المزارع (2).           

إن مايواجه المعماري اليوم ويحسب له وفرة مواد البناء وجودتها بحيث تكون قادرة على تلبية حاجات المنتفع بالمبنى وتكون ملائمة مع مناخ البيئة التي سيتم فيها البناء . وما نلاحظه في غدامس ومن خلال الخبرة التي اكتسبها السكان أثناء التعامل مع المواد المحيطة وباعتبارهم تجاراً يجوبون البلدان شمالاً وجنوباً يقتبسون من خبرات الآخرين مايفيدهم ويصلح لبيئتهم فكوّنوا إبداعات في تعاملهم مع مواد الخام ؛ فاستفادوا من مزارع النخيل المحيطة بهم كمصدر الأخشاب واستخدمت في السقوف وصناعة الأبواب والأثاث وبعض أدوات الاستعمال اليومي . قد يتصور الكثيرون أن ذلك الأمر اعتيادي إلا أنه حينما يعلم أن جذوع النخيل تعالج بطريقة علمية ، وأن مهندسي الخبرة في بلادنا عرفوها قبل أن يتعرف عليها العلم الحديث قد يسأل كيف ؟
أقول : إن تلك الجذوع من النخيل التي تشاهدها أخي القارئ حينما تزور مدينة غدامس وترفع رأسك إلى السقوف والتي هي جذوع لنخيل معينة يتم اختيارها بعناية من بين عدد النخيل الموجود بالمدينة وتقطع النخلة قبل أن تموت لأن الميتة منها لا تصلح ، وبعد قطعها يتم تقسيمها إلى نصفين ويتم تنظيف الشوائب منها ، وفي القديم حسب الروايات تطمر في التراب لمدة عام حتى تجف ثم تطلى بماء من معجون التمر ( وهنا بيت القصيد ) وبعد أيام يتم تنظيفها . ودعني أقف معك هنا لنرى ماذا يحصل – سألت أحد المختصين بالكيمياء عن الأمر وقال : هي نظرية الضغط الأسموزي وملخصها امتصاص المواد الأقل كثافة ، بالأكثر كثافة أي سحب المواد السكرية من الأخشاب بحيث تكون خالية من المواد الجاذبة للحشرات بهذه الطريقة استطاع البناء أن يحافظ على متانة السقف وأن تعمر لمئات السنين ثم يتم خلط الملح الذي يجلب من منطقة مجزم (السبخة المعروفة قرب غدامس ) بالميلوس(وهو نوع من الأحجار الجيرية يتم استخدامه في طلاء الجدران ) لتبييض السنور لمنع الحشرات من الاقتراب منها . وهكذا يوضع كدعامة لحمل السقف على شرط أن يكون على هيئة قائمة بحيث يكون أكثر قوة .

بالإضافة إلى جذوع النخيل والحجر الجيري فقد استخدم أيضا البناء الجبس بحيث يقطع من محاجر معروفة شرقي المدينة وتعد له أفران لحرقه ويتم نقله إلى المدينة ليطحن بالأيدي ويستخدم في الياسة والأسقف الجبسية لبعض الحجرات بالمنزل ؛ وكذلك الأقواس (3) حيث تبنى الأقواس من حجر مسامي خفيف الوزن (الكرشو) يسهل حمله وتتداخل المونة بين المسامات فيزيد ذلك من ربط الحجارة مع بعضها كما استخدم الجبس في الأعمال الزخرفية في المنازل والساحات وأبطن الأقواس .
أما الطوب (اللََّبِِِنُ الذي يصنع بالمونة وخلطها بالقليل من مخلفات الحيوانات والقش حتى تتماسك ولا يسهل انكسارها) فهو يُعتبر المادة الأساسية في البناء .
فبهذا تعد غدامس النموذج الليبي للعمارة الصحراوية الأكثر معرفة ، حيث إن هناك بعض النماذج الأخرى التي تحتاج منا إلى رؤية وتأمل اللتين استطاع من خلالهما المبدع البنّاء أن يكتشف بيئته ويكيف متطلباته بتواضع في التكاليف فارضاً هويته الإسلامية منسجماً مع مناخه الطبيعي والاجتماعي.


1ـ يُنظر حبيب وداعة الحسناوي ، حملة رمضان باي  على غدامس  سنة 1018هـ / 1609م كما صوِّرها  مخطوط غدامس ، مجلة البحوث التاريخية ، السنة الأولى العدد الأول يناير 1979 ، ص.ب 69-81.  

2ـ  للاستزادة يٌنظر نور الدين الثني ، عين الفرس بغدامس معلم حضاري مميَّز ، مجلة البحوث التاريخية . السنة الثامنة عشرة ، العدد الثاني ، 1996، ونور الدين الثني ، عين الفرس مصدراً للحياة . صحيفة عين الفرس . صحيفة تراثية تصدر عن اللجنة المنظمة لمهرجان غدامس السياحي الدولي في دورته العاشرة ، شهر الحرث ، 1373، أكتوبر .2005.                                                                                                                                                                                                        


3- ـ صلاح رفعت سرحت ، الأقواس الغدامسية رمز لأصالة العمارة المحلية ، بحث قدم بالندوة الهندسية للجمعية الوطنية للحفاظ على التراث العمراني ، نالوت ،2003.


الصور/ من جموعة م. أحمد الترهوني، م. عزت خيري 

المصدر/ مجلة مربعات، العدد 01 ، صيف 2007   

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...