أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، فبراير 15، 2012


التربية الفنية في مدارسنا


الدكتور عياد هاشم

مسكينة هي التربية الفنية في مدارسنا، فهي تتواجد في مرحلة، وتختفي في مرحلة ، وتظهر كاسم ولا تظهر كفعل، يقوم بتدريسها كل من هو حاصل على دبلوم التربية الفنية وما أكثرهم ولكن مع الأسف البعض منهم عنها بعيدون، والقليل منهم حقا يعطونها حقها في الحياة داخل مدارسهم، ويمنحون لها الفرصة في مداعبة أصابع أو أنامل أطفالنا في بعض الأوقات ، فيندفع هؤلاء لأطفال من غمرة الشوق والحب والنشوة ويقوم بهذه العملية التربوية الابتكارية المبدعين المثقفين المتميزين.

مادة التربية الفنية من أهم المواد التي ينبغي أن تعطى للتلاميذ على أدق وأكمل وجه، وهي المفتاح السحري الذي يجهزه المجتمع المتقدم الحريص على تنشئة وتعليم أطفال ممتازين في كل المواد جميعا فهي التي تصنع الطبيب الماهر، والمهندس المبدع والعالم الجليل والمفكر العظيم وغيره... فقد جهل من اعتبر أن التربية الفنية ما هي إلا مادة إضافية ترفيهية زائدة وهي مجرد وقت ترفيه ومادة حرة لتكملة جدول الحصص لا أكثر... نعم هي مادة ترفيهية، ولكنها تنمي الفكر وملكة الشعور في التأمل والخيال والتفكير السليم.

كل العظماء في العالم الذين يظهرون ببن الحين والآخر وبين عصر وآخر هم أصلا كانوا قد نبغوا في تخطيطاتهم الأولية وحصلوا على ممارسات فعلية حرة في التربية الفنية في نقل أفكار خيالهم على نحو مباشر وغير مباشر بواسطة الفن.

رعاية أبنائنا من التلاميذ في الصفوف الأولي في مرحلة التعليم الإلزامي تتطلب ضرورة تكاثف الجهود ولا نأسف أبدا على أموال إضافية في تغطية برنامج تدريبي وتعليمي لنشاط التربية الفنية وتوزيع الجوائز المناسبة للنابغين المبدعين المهتمين بها.

متابعة الموجه التربوي في مجال التربية الفنية في المدارس مسؤولية كبيرة تقع على هذا الأستاذ المربي، وأهمية الأستاذ المتخصص المهتم وإذا ما فشلت هذه الرعاية والمسؤولية فهو جرم وطني لا يستهان به، وخيانة كبرى للوطن والمجتمع بشكل عام ، فالوطن بحاجة إلي تنمية مدارك عقول رجالات المستقبل.

على المسئولين في التربية الفنية بقطاع التعليم أن يراجعوا رأيهم فيما يخص وضع مادة التربية الفنية وإدخالها ضمن المجموع الكلي في التحصيل العلمي للتلميذ خلال السنة الدراسية فبسبب عدم احتساب هذه المادة داخل المجموع صار عدم الاهتمام بها، وأصبح مدرس التربية الفنية أستاذا احتياطيا ليس له احترام في بعض الأحيان .

أخيرا وليس بالآخر ينبغي أن تكون داخل كل مدرسة ورشة عمل للتربية الفنية لمتابعة المبدعين والمتألقين وان يرفض المدرس أن يعامل كموظف إداري وضابط اتصال بالإدارة وحاجب المدير بالخصوص.
علينا أن نبدع ونتقن في عملنا وان نحاسب أنفسنا في كل تخصصاتنا وان نبذل قصارى جهدنا في كل عمل إنساني وطني له مستقبل عظيم لشبابنا ومجتمعنا ككل.

ما هي التربية الفنية؟
التربية الفنية هي تربية النشء الجديد على تعويد التلاميذ على السلوك الحسن وإدراك الجميل. كيف؟

عن طريق الفن، والممارسة الفعلية له بكل معانيها، فتلعب التربية الفنية هنا دورها الكبير والمهم في صقل وتهذيب وتأهيل وإعداد الأجيال المتجددة على العمل الصالح والعمل الاجتماعي المثمر الجاد والعمل الثقافي ، فهي المجال الثقافي الواسع الذي يجد فيها التلميذ مبتغاه في حرية التعبير والفرصة الجيدة في إظهار مواهبه المختلفة وليست الفنون التشكيلية فحسب ، بل قد تتعدى إلي أشياء أخرى وجديدة مثل تعلم السلوك الأخلاقي الذي من شأنه أن ينظم الفرد والجماعة، التعامل الحسن بين الأفراد والمحافظة على مرافق المجتمع ونظافة البيئة وإتباع النظم الصحيحة في الحياة المتحضرة التي يسعي إليها كل إنسان مثقف متعلم وحضاري.

التربية الفنية هي الباب الواسع الذي من خلاله يدخل التلميذ إلي التعلم والتأهيل وإنارة مستقبله وتلمسه مهما كان لهذا التلميذ ميوله واتجاهاته العلمية والأدبية والابتعاد به عن طريق الانجراف المعروفة بكل صوره.

التربية الفنية أيضا تهذيب للنفوس وترتقي بالذوق إلي أحسن ما يمكن الوصول إليه حسب طرق ممارسته للفن والاطلاع عليه، فرصة لتدريب العين على المشاهد البصرية الجميلة، وتعبير حقيقي عن النفس في حرية كاملة داخل المجال الثقافي المهم الذي يضعه له المدرس الفنان الواعي بناءً على مفردات قد أعدها المختصون بالتربية الفنية وعلم النفس والاجتماع.

التربية الفنية تحقق جبهة دفاعية قوية ضد الغزو الثقافي الغربي وغير الغربي الذي بدأت إرهاصاته المباشرة منذ شيوع الاتصالات المرئية السريعة والسهلة ودخول القنوات الإعلامية الفضائية في كل بيت تقريبا.
بتسلح التلميذ بسلاح المعرفة الإنسانية العامة، وبسلاح ثقافة المجتمع الخاصة من خلال الاهتمام بتوجيه الطلاب نحو محاكاة وتأصيل الفنون المميزة من الناحية التاريخية والتراثية بأكثر علمية ومنهجية وفكرية.

فإذا كانت مادة التربية الفنية اليوم تحسب خارج المجموع فإن المهتمين بمستقبل البلاد ورجالاته من المبدعين على مختلف تخصصاتهم سيدركون يوماً أهمية ممارسة الفن للتلاميذ داخل المدارس وتلمس خامات بيئتهم وأهمية البحث العلمي والفكري والجمالي وسيعطون أهمية لهذه المادة التي أصبحت في بعض الأحيان شاذة عن بقية المقررات في كثير من المدارس بكل أسف على الرغم من تدفق المواد الفنية والقرطاسية على بعض المدارس كل عام لاستخدامها في هذا الشأن بكميات هائلة ولكن كلها تضيع هنا و هناك في أخر العام أثناء موسم المعارض الأخيرة التي لا يرى فيها التلاميذ إنتاجهم الحقيقي فيها، وإنما معارض يتدخل فيها أفراد آخرين و من خارج المدرسة في كثير من الأحيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية