أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، مايو 25، 2016

الجامع الليبي... تخطيط وبساطة





الدكتور/ عبد العزيز الفضالي 


       الجامع تقام فيه جميع الصلوات بما فيها الجمعة والعيدين, ويعرف بالمسجد الجامع أو الجامع الكبير و يزود بمنبر , ويراعى في تخطيطه أن يكون ذا مساحة كبيرة, وقديما كان هذا الجامع أول ما يخطط في المدينة الجديدة, وتكون جدرانه عالية وأبوابه مشرعة, وبعض الجوامع الكبيرة محاطة بزيادات، ونظرا للتوسع الكبير الذى شاهدته المدينة الاسلامية واقامة الأسوار حولها مما قسم المدينة بمرور الوقت الى مدينة ملكية وأخرى للعامة, زادت أعداد المساجد الجامعة وهو ما نراه جليا في بغداد, فعندما أقام "أبو جعفر المنصور" الأسوار حولها ظهرت تجمعات سكنية خارج الأسوار كانت في حاجة الى مساجد جامعة، وحتى داخل المدينة نفسها زادت الحارات وزاد عدد السكان فكان الاتجاه الى اضافة الزيادات الى الجوامع الموجودة مثل جامع أحمد بن طولون والاكثار من الجوامع مثلما نرى في القاهرة الفاطمية .

       ومهما يكن من أمر الاعتبارات التي وضعها المعماري في إظهار هذا النمط من المساجد ، فإن جهوده قد تكللت بإبراز شكل من أشكال المساجد تطورت مع الزمن وصارت تميز عمارة المساجد في ليبيا كطراز محلي لاقى نجاحاً كبيراً خصوصاً عند إحيائه بشكل متطور في مدينة طرابلس القديمة عند دخول العثمانيين اليها ، ويعود الفضل في انتشار مثل هذا النوع من المساجد في المدينة الى "درغوت باشا"- ثاني والي تركي على طرابلس- والذي أراد بناء مسجده بالمدينة على هذا النمط وهو أول مسجد عثماني بالمدينة أن يلاقي مبناه هذا القبول والاستحسان من قبل الأهالي أولاً ، ويعتقد أن عدم استعماله للطراز العثماني في بناء المساجد والذي كان مزدهراً جداً في هذه الفترة ( القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ) في بناء مسجده بطرابلس دليلاً يؤكد نجاح مسجد القبيبات في إبراز نفسه كطراز ليبي خاص ميز عمارة المساجد في البلاد بشكل عام واذا نظرنا الى المسجد الليبي قبل العصر العثماني فنجد أن أول ذكر لمسجد في مدينة زليتن قد جاء في دراسة الدكتور محمد مصطفي وذلك بعد حفرياته في هذه المدينة وأرجعه الى العصر الفاطمي.



تطور معمار المسجد في ليبيا في العصر العثماني:
       شهدت ليبيا ، في العصر العثماني ، تطور ونهضة معمارية وفنية في كل المجالات ، واتسمت المنجزات المعمارية الدينية بخصائص ومميزات زخرفية ومعمارية لم تعهدها ليبيا قبل خضوعها للسيطرة السياسية والاقتصادية ، وكذلك للتأثيرات الفنية والمعمارية التركية .

       والحق يقال إن أغلب ما هو قائم في ليبيا من مباني دينية وعسكرية، وخاصة في مدينة طرابلس وضواحيها ، والمناطق الغربية من ليبيا، طبعاً إنما يرجع إلى هذه الفترة، ذلك أن مدينة طرابلس القديمة كانت مقراً للحكومات المتوالية والإدارات المتعاقبة للتركيبة الإدارية العثمانية بكل مكوناتها ، مما جعلها تحظي بتطور معماري وفني طيلة هذه الفترة الطويلة.

       ويمكن القول أن المباني الدينية ، التي تعود إلي الفترات الإسلامية المبكرة ، قد اندثر أغلبها أو أعيد بناؤها وتشييدها في العهد العثماني علي أيدي الليبيين تحت إشراف الإداريين الأتراك والهيئات الدينية الوطنية التي آلت علي نفسها أن تعيد بناء ما تهدم من تلك المنشآت الدينية التي تعود إلي العهود الإسلامية السابقة ، وخاصة فترة احتلال الأسبان وفرسان مالطا لطرابلس في الفترة ما بين 1510و1551م ، والتي دمرت أثناها أغلب مباني المدينة وخاصة المباني الدينية ، ولم تسلم المباني كذلك من الدمار نتيجة المعارك التي اندلعت في مدينة طرابلس بين الأسطول والجيش العثماني بالتعاون مع المجاهدين الليبيين وبين فرسان القديس يوحنا أثناء الحصار .

       وتكرر دمار المدينة عدة مرات أثناء حصار الأساطيل الإفرنجية وكذلك المدينة ومبانيها بآلاف القذائف المدمرة من دول أوربية مختلفة ، ولفترات طويلة أو متقطعة نتيجة الصراع البحري الذي كان سائداً في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ،بين المسلمين بقيادة الدولة العثمانية ، وبين المسيحيين بقيادة إسبانيا والبرتغال ، والذي دام عدة قرون كانت فيها ليبيا وطرابلس خصماً عنيداً وقادراً ومؤثراً وفعالاً في أحداث البحر الأبيض المتوسط سياسياً وحربياً واقتصادياً.



الخصائص المحلية للجامع الليبي:
       في اغلب المباني الدينية ،الموجودة حالياً في ليبيا ، تمثل خصائص وسمات العمارة المحلية وهي التي تمثل أيضاً مفهوم مدرسة العمارة المحلية0 ولهذا النوع من المعماري الشعبي المحلي ،والمنتشر مثله في كل بقاع العالم ، تسميات ومصطلحات كثيرة منها : المعمار العفوي التلقائي أو الانبعاثي أو الإقليمي (VERNACULAR) والمعمار غير المحدد المعالم أو المجهول (ANONYMOUS) ،كما يعرف أحياناً بالمعمار الريفي التلقائي (SPONTANEOUS) ، وأحياناً أخري ، يطلق عليه المعمار القروي ، وبعض العلماء والمختصين يطلقون عليه المعمار الفطري أو البلدي (INDIGENOUS)، وآخرون ،ويطلقون عليه المعمار بدون مهندس معماري (ARCHITECTURE WITHOUT ARCHITECTS) هذا النمط البنائي الإنشائي البسيط ليس إنتاج المتخصصين في مجال الهندسية المعمارية ،وإنما هو إنتاج تلقائي ومستمر لنشاط كل الجماهير الذين لهم تراث مشترك ويتحركون خلال خبرات المشاركة الشعبية.



       وقد تم توضيح أن المعمار الشعبي والمحلي في ليبيا امتاز بالبساطة في التخطيط والتصميم والتنفيذ ،فالمباني الدينية التي تندرج تحت هذا النمط ، تشيد من الحجر الدبش (غير المصقول ) ،والآجر المصنوع من الطمي أو الطين ،وأسقفها تتكون من طبقة من جدوع النخيل والجريد والطين المضغوطة والملاط ، وهناك نوع آخر من المعمار الشعبي ينتشر علي طول المناطق الساحلية ، يشيد غالباً من الحجر الرملي أو الجيري المستخرج من بعض المحاجر وتقتصر زخرفته علي العناصر البسيط والقليلة وغير المعقدة ، وهي عبارة عن خطوط تجريدية ، وبعض الكتابة العربية المنفذة بشكل بسيط والمصاحبة لبعض التوريق ،كما نشاهد كذلك الشراريف المسننة علي هيئة المثلث ، والعقود المدببة والمصممة علي هيئة المثلث المتساوي الساقين ، وعناصر زخرفية علي هيئة الخطوط المنكسرة.

       هذا ما يمثل خصائص العمارة الدينية ومميزتها منذ الفترة الأولي من انضواء ليبيا تحت الحكم الإسلامي واعتبارها ولاية جديدة من ضمن حدود الدولة العربية الإسلامية 0 استمر هذا النمط المعماري في الاستخدام إلي مجيئ الأتراك واستيلائهم علي ليبيا سنة 1551 ، ومن حينها أصبحت ليبيا إيالة (ولاية ) عثمانية ، واستمرت خاضعة للسيطرة العثمانية المباشرة لمدة نحو 360 سنة ، شهدت ليبيا خلالها نهضة معمارية كبيرة ومتطورة في كل النواحي ، واتسمت بخصائص ومميزات زخرفية ومعمارية لم تعهدها ليبيا قبل هذه الفترة.



الطراز المحلي لزخارف الجامع الليبي:
       امتازت العمائر الليبية منذ الفتح الإسلامي بانها نادرة الزخرفة وخصوصا العمائر الدينية منها, وقد تكون قلة الزخرفة ناتجة عن عدة عوامل نذكر منها:
1.             عدم وجود الحرفيين والصناع اللازمين لتنفيذ برنامج زخرفي على العمائر.
2.             قد تكون قلة الزخرفة ناتجة عن الاستجابة لقيم الزهد والتقشف وهو ما يتناسب مع حالة أهل ليبيا وخصوصا أنهم شعب من البدو.
3.             كان من سوء حظ ليبيا وجودها بين حواضر غنية سياسيا وحضاريا مما لم يلفت اليها أنظار الفنانين والصناع حتى يهاجروا اليها فمثلا وجدنا جاليات شامية في مصر ، ويمنية في تونس, وكذلك كان هناك صناع وفنانين بينهم علاقات في كلا من مصر والعراق والشام والمغرب وهو مالم يظهر في التاريخ الليبي. ومن جهة اخرى فقد لعبت المنارات العلمية دورا في جذب طلاب العلم واللذين عملوا في حرف عدة أدت الى حدوث تبادل فنى بين الأقاليم الاسلامية, فقد لعب هذا الدور في مصر جامع عمرو بن العاص ثم الأزهر الشريف, وفي الشام الجامع الأموي, وفي تونس الزيتونة .
4.             تأثر الليبيون بالدعوة الموحدية سياسيا ودينيا ومن ثم جاءت عمائر الليبيون مقلدة لعمائر الموحدين التى قلت فيها الزخارف النباتية وتكاد تكون انعدمت, واعتمدوا في نفس الوقت على الزخارف الهندسية بشكل كبير ، وعلى الرغم من أن قلة الزخارف في مساجد ليبيا وعمائرها قد جاءت نتيجة لظروف المجتمع الليبي الا أن الكثير من علماء العمارة يعتبرون أن الإسراف الزخرفي يأتي في أحيان كثيرة لاخفاء عيوب معمارية.



       واذا نظرنا الى طرق زخرفة الجدران والمباني المعمارية في ليبيا قبل العصر العثماني نلاحظ تميز الأسلوب الزخرفي المحلي للمباني المعمارية في ليبيا بالبساطة وخلوها من البهرجة الفنية , على الرغم من وجود بعض المساجد التي حظيت بعناية خاصة في البناء والزخرفة بصفة عامة , واتضح من خلال ما تم اكتشافه في المسجدان المكتشفان بمدينة ( سلطان ) شرق مدينة سرت (واجدابية) جنوب غرب مدينة بنغازي اللذان شيدا في العهد الفاطمي حيث كانا مزخرفين بالكتابات الكوفية الى جانب الزخارف الحجرية والجصية، وكانت هذه الزخارف مشابهة للمساجد في كل من تونس ومصر، ولقد وجدت زخارف كتابية موضوعة على أرضية مزهرة بالحليات البارزة والزخارف في الجبس، أو زخرفة الكف المطبوعة على المساجد في منطقة نفوسة, بالإضافة الى ذلك الأشكال الهندسية وخاصة (المثلث) بأوضاع مختلفة في المساجد الواحات ببرقة وفزان خاصة على المآذن وعلى مداخل وزوايا للمباني الدينية وأسوار مدينة غدامس.

       أما بالنسبة لزخرفة المساجد الموجودة في الجنوب , فكانت تشكل بعدم الاهتمام بالجانب الزخرفي , وحتى ان وجدت فهي عبارة عن زخارف بسيطة وبأشكال نجمية وبعض الكتابات وزخارف نباتية محورة أو تحتوي على جامات مزخرفة بوريدات مختلفة الأعداد مثال لذلك (جامع يونس) بغدامس، لكن غالبا ما تكون المساجد في الجنوب خالية من الزخرفة مطلية حاليا باللون الأبيض والأصفر والأخضر.



       ولقد أحدث تغيرا في العمارة الاسلامية والفن الاسلامي في ليبيا بصفة عامة , في فترة العهد العثماني بتعدد الأشكال الزخرفية والمواد التي دخلت حديثا في زخرفة المسجد الليبي من ضمنها استخدام الحليات الزخرفية البارزة والمنحوتة على الرخام والحجر الجيري والخشب المنحوت والمحزوز المدهون بألوان زاهية مختلفة , والزخارف الجصية ، وعلى رغم من أن جامع قرجي شيد في 1834 م الا أننا لازلنا نلمح التأثير الزخرفي في القيم وخاصة الزخارف المنحوتة على الرخام والحجر ، ففي الجدار الشمالي الشرقي والجدار الشمالي الغربي للمسجد من الخارج , نجد المدخلين في هذين الضلعين وكذلك مدخل الضريح الواقع في صحن المدرسة , نجد كوشات هذه العقود من نوع حدوة الفرس المدبب ـ مزدانة بزخرفة بالنحت البارز على شكل وردة ـ ومفتاح العقد بكل هذه العقود يتوجه عنصر الهلال ، الذي بدوره تعلوه زخرفة بارزة تمثل السحب , بينما المداخل الثلاثة في بيت الصلاة والمحراب لها نفس التصميم العام والأسلوب الزخرفي.





       ومع دخول العثمانيين لطرابلس, بدأت الزخارف تظهر في عمائر تلك المدينة وان كانت على استحياء ، وذكر الكثير من المؤرخين والرحالة اللذين مروا بطرابلس في القرنين 17,16 الكثير عن غنى مساجد طرابلس بالحشوات الرخامية وتحدثوا كذلك عن جمال الأسقف، وقد تعددت الأشكال الزخرفية التي دخلت في زخرفة المسجد الليبي في الفترة العثمانية ,فقدت تعددت الأشكال الزخرفية وكذلك المواد المستخدمة في تنفيذ تلك الأشكال, فقد نفذت الزخارف سواء البارزة أو المنحوتة على الرخام والحجر الجيري وصنعت الزخارف على الاخشاب وكذلك استخدمت بلاطات القيشاني.

المصدر: مدونة جولات في التاريخ الليبي

الأربعاء، مايو 18، 2016

مساجد المسلمين


القيمة المهدورة والهوية المفقودة
  

جمال اللافي


(المساجد ليست مجرد بناء لأداء عبادة مفروضة، بل هي روح الأمة الإسلامية وكينونتها متجسدة في هذا المعمار الذي يعبر عنها أصدق تعبير، تبعا لمكانته في نفوسهم وموقعه من المدينة أو الحي. ومدى اهتمامهم بعمارته وصيانته).
 
مسجد محلي بمركز منطقة سوق الجمعة

       يمثل المسجد المركز الروحي للمجتمعات الإسلامية ومحور نشاطاتها وتفاعلاتها اليومية. فإلى جانب وظيفته التعبدية. فهو يؤدي أيضا دوره كعنصر ضابط لأخلاقيات المجتمع، مثلما يساهم كفراغ معماري في استيعاب النشاطات الدينية والاجتماعية والثقافية المختلفة.    لهذا فهو يحتل إلى جانب مكانته الوظيفية كفراغ لأداء الصلوات، مكانة أخرى تتمثل في حضوره المركزي والمحوري في مخططات المدن الإسلامية والتجمعات العمرانية. كما يمثل بحكم موقعه المختار بعناية فائقة ضمن التجمعات العمرانية ليكون إما في مركز المدينة، كمسجد جامع. أو كعلامات دالة في بداية أو نهاية أو تقاطعات الشوارع الرئيسية والأزقة الفرعية بالنسبة لمساجد الأوقات المنتشرة في الأحياء والحارات السكنية. يحدد من خلالها العابر اتجاهه ومساره الصحيح داخل المنطقة، من خلال مآذنها المرتفعة بأشكالها المتعددة. ناهيك عن اعتبار المسجد أساس تخطيط المدينة، ومحرابه هو اللبنة الأولى التي توضع بعد تحديد اتجاه القبلة بدقة متناهية ومن تم تؤسس باقي عناصر المدينة على هذا التوجيه.   

المسجد الجامع بمركز مدينة ترهونة

       وقد بدأت إشكاليات مخطط المدينة الإسلامية المعاصرة والمسجد على وجه الخصوص تأخذ منحناها التنازلي مع بداية الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي بصورة عامة وبلادنا بصفة خاصة، حيث استلمت إدارة المستعمرات مسؤولية وضع مخططات المدن والتوسعة العمرانية. الأمر الذي جعل موقع المسجد ومكانته السامية في نفوس المسلمين تكون في آخر اهتمامات المخططين، بحكم اختلاف العقيدة. فتعرض المسجد للتهميش في مقابل إبراز مكانة الكنائس وإعطائها مواقع السيطرة. كما هو الحال بالنسبة للكنيسة القائمة بميدان الجزائر بمركز العاصمة طرابلس، أو كاتدرائية مدينة بنغازي، حيث أخذتا موقعا استراتيجيا من خلال الجهد الذي بذله المخطط الإيطالي لاختيار موقعها وتخطيط الشوارع المحيطة بها لتكون هذه الكنسية دائما في محور الحركة وترى من مسافات بعيدة، كما يراها الداخل إلى مدينة طرابلس عبر البحر كأوضح معلم. وبذلك أعادت هذه الكنيسة تشكيل هوية مدينة طرابلس المعاصرة على أساس سيطرة العقيدة المسيحية على عقيدة أهل البلد وهي الإسلام. 

كاتدرائية ميدان الجزائر- الهيمنة على المحيط العمراني ومحاور الحركة

       واليوم وبعد مرور أكثر من نصف قرن على رحيل جيوش المستعمر، إلاّ أن فكره بقي متجذرا في نفوس المستعمَرين وهم آهالي هذا البلد. ومع طغيان الفكر العلماني المادي على العقيدة في النفوس وفي الحياة العامة، نجد أن البنوك والأبراج المرتفعة بطرزها الغربية، كبرج ذات العماد وبرج الفاتح وفندق كورينتيا- وما أعقبها من أبراج تم تنفيذها في العشرية الأولى من الألفية الثالثة- نجدها تطل علينا لتحتل موقع السيطرة على أهم المواقع بمدينة طرابلس ومحاور الحركة ونهايات بعض الشوارع الرئيسية بها وإطلالتها على البحر لتشكل من خلالها بانوراما جديدة للمشهد العام لمدينة طرابلس في الألفية الثالثة. في حين ظل المسجد غائبا عن الحضور وفاقداً لمكانته التي كانت تتجلى بوضوح في المدن الإسلامية التاريخية. و لم يعد يحسب له أي حساب في تقسيمات المناطق الجديدة. وأصبح حضوره على مستوى المخططات العمرانية مهمشا بصورة واضحة ومتعمدة. حيث أصبح يحشر حشرا في إحدى الزوايا المهملة من مناطق المدن الليبية وأحيائها السكنية. كما لم يعد يمثل معلما معمارية يحظى باهتمام المصممين والحرفيين المحترفين. وبدأ يترك أمر تصميمه وتنفيذه لأفراد غير متخصصين أو مؤهلين لهذا الأمر من حيث التصميم أو تنفيذ الأعمال الحرفية فيه. فحصل تداخل غريب في الطرز المعماري للمساجد. وغابت الطرز المحلية التي تميز كل منطقة بخصائصها الثقافية والبيئية. وبدأ يطغى على الرؤية التصميمية للمساجد بحيث أصبحت تتباين في أشكالها بين:  · الانتقاء المفرط للطرز الإسلامية المشرقية لعمارة المساجد، التي تتميز بالإسراف في ارتفاعاتها الشاهقة دون دواعي ومبررات منطقية، إلى جانب الإسراف في التفاصيل والزخارف، بما يتعارض مع الرؤية الشرعية لعمارة المساجد.  · أو الابتذال المخل بقيمة المسجد الروحية من خلال تنافر المسجد بأشكاله وتفاصيله مع المحيط.  · أو الخروج بأشكال هلامية بدعوى الحداثة ومجاراة آخر الصرعات المعمارية المعاصرة. 

مجموعة من المساجد المحلية بمختلف المدن الليبية

       إن استمرار فكرة تهميش مكانة المسجد في المخططات الحديثة، إنما يعكس حالة المجتمع والدولة على حد سواء في تهميش قيمة الدين الإسلامي في النفوس، حيث أصبحت القيم المادية هي المحرك للعلاقات والسلوكيات والمبادئ التي يسير عليها المجتمعات الإسلامية المعاصرة. أو تسيّر بها الدولة شؤون الرعية. ولا يخفى علينا ما للعمارة من تأثير مباشر على سلوكيات المجتمعات والأفراد. لهذا نرى أننا نؤتى من هذا الجانب لعظيم أهميته وتأثيره ودوره.   


الخلاصة/
       ومن المنطلقات السابقة يمكن تحديد بعض الجوانب التي قد تسهم في إعادة الاعتبار لمكانة المسجد في حياة وقلوب المسلمين قبل إعادة الاعتبار له داخل مخططات المدينة الإسلامية المعاصرة وصورتها العمرانية والمعمارية، من خلال التركيز على أهمية العلاقة بين المسجد ومحيطه العمراني والاجتماعي، باعتباره العصب والمركز والنواة التي تدور حولها باقي مكونات الحي أو المدينة وهو الذي يغديها بالقيم الروحية التي تفتقر إليها المدن المعاصرة في عالمنا الإسلامي اليوم. وأن لا يقتصر تفكيرنا على الشكل الظاهر للمسجد من حيث طرازه أو مساحته أو مكوناته. وذلك بالأخذ في الاعتبار عند إعادة رسم مخططات المدن والمناطق النواحي التالية/
1.     احتفاظ المسجد الجامع والساحة العامة المحيطة به بمركزيته على مستوى مخططات مدننا المعاصرة.
2.     إعادة ارتباط مؤسسات الدولة بالعاصمة وباقي المدن بالمسجد الجامع على مستوى التصميم الحضري.
3.     استمرارية انتشار الأسواق الرئيسية والتخصصية والمباني التجارية حول المسجد الجامع ومؤسسات الدولة والمرافق الخدمية مع الأخذ في الاعتبار نوعية الخدمات ومواقعها بالنسبة إلى موقع المسجد.
4.     مراعاة الاختلاف المناخي وتنوع التضاريس والثقافي بين المدن الساحلية والصحراوية والجبلية والأرياف وما يترتب عنه من تنوع في الخصائص العمرانية والمعمارية، عند وضع المخططات الجديدة.  


التوصيات:
       التركيز على أهمية تنظيم الندوات والمؤتمرات المعمارية والتخطيطية التي تناول المحاور التالية بالنقاش للوصول إلى مقترحات لمعالجة إشكاليات المسجد في المدن المعاصرة وذلك من حيث/
·        التخطيط الحضري للمدينة من منظور أهمية المسجد في تشكيل صورتها العمرانية.

·        معايير التصميم المعماري للمسجد والطرز المعمارية المختلفة التي تخلق التنوع في أنماط المساجد المحلية تبعا لتغير التضاريس والبيئات الحضرية والثقافية التي تميز كل منطقة.     

الثلاثاء، مايو 03، 2016

المقومات السبع لعمارة البيت الليبي المعاصر





جمال اللافي


1.       الخصوصية السمعية والبصرية، تقع في المقام الأول في تصميم البيت الليبي. وهي تتحقق من خلال عزل الرجال عن النساء على مستوى الجيرة والضيوف من جهة. وبين الذكور والإناث في المنامة على مستوى العائلة من جهة أخرى.

2.       تكامل العلاقات الوظيفية بين الفراغات ومرونة الاستعمال، وهذا الأمر يتأتى نتيجة لمتطلبات واحتياج وطريقة استعمال. وهي تبنى على إدراك أفراد المجتمع الليبي لماهية الوظيفة التي يحققها كل فراغ في البيت وللإمكانيات المتنوعة لتوظيف الفراغ الواحد لأكثر من استعمال، بحيث يتم التوفير في المساحات والتكلفة. كذلك إدراكهم للعلاقة التراتبية بينها من حيث اتصالها بالمدخل الرئيسي أو الفراغات الأخرى.
·        فاستقبال النساء والأكل في فراغ المعيشة يحقق ثلاثة وظائف في فراغ واحد.
·        استخدام الفراغ تحت السلالم وربطه بالمطبخ يوفر مخزن للمؤن والمعدات وأيضا فراغ لغسالة الملابس.
·        عزل استقبال الضيوف الرجال عن البيت يوفر الاستخدام الأمثل للبيت ولحجرة الاستقبال في جميع الأوقات والظروف.
·        توفير سدة للنوم منعزلة داخل حجرة المعيشة واستقبال الضيوف الرجال يوفر فراغ لمبيت الضيوف من الرجال والنساء.
3.       عناصر التأثيث، تتنوع في البيت الليبي عناصر التأثيث بين الثابتة والمفروشة، والتصميم المحكم يعتمد على حسن اختيار عناصر التأثيث المناسبة لكل فراغ في البيت بقدر حاجة الأسرة منها. وتحقق الغاية من وجود كل فراغ بشكله وحجمه (في أبعاده الثلاث) والفرص المتاحة لتعدد استعمالاته الوظيفية بالصورة المثلى. وهي تنقسم لنوعين:
·        عناصر التأثيث الثابتة، تؤخذ في الاعتبار عند تنفيذ المسكن ضمن تجاويف الحوائط. أو تبنى بالطوب في مرحلة التشطيب. وتصنع أبوابها وأدراجها من الخشب. كدواليب تخزين الملابس والأواني والمعدات والمؤن. إضافة إلى المكتبة الحائطية. كذلك استغلال فكرة السدة كأسرَّة للنوم تسع لأكثر من شخص ولا تشغل مساحة كبيرة من الحجرة.
·        عناصر التأثيث المتنقلة، وهي المفروشات القابلة لعدة استعمالات، وتعرف عند الليبيين (بالمندار). كذلك الحصائر والسجاد بأنواعه ومسمياته المحلية. والمندار في حالة استخدامه في حجرة الضيوف والمعيشة يحقق وظيفتين أو أكثر داخل فراغ واحد (الجلوس، الأكل، النوم).

4.       المعالجات البيئية ومواد وتقنيات البناء، المتوفرة والمتاحة محليا، تمثل جزءا مهما في تحديد التكلفة الاقتصادية للمسكن الليبي وتشكيل صورته النهائية وعمره الافتراضي ومدى قدرته على التكيف الطبيعي مع ظروف البيئة المناخية السائدة.

5.       العمالة الفنية الماهرة المحلية، هي ركيزة أساسية لتحقيق عمارة ليبية معاصرة. لهذا وجب الاهتمام بتأهيلها وتدريبها.

6.       الهوية المعمارية المحلية، وهي ترتبط بالعلاقة بين الشكل والمضمون، بين الشكل المعماري ممثلاً في العناصر والمفردات المعمارية والزخرفية التقليدية، بموادها وأشكالها ونسبها المتفق عليها وأحجامها ومسمياتها المحلية الموحدة. وبين المضمون العقائدي والفكري والثقافي الذي يختفي خلف هذه الأشكال بتنوعاتها. وهما علاقتان متلازمتان في عمارة البيت الليبي، يصنع أحدهما الآخر في عملية تبادلية تعكسها الصورة النهائية للبيت الليبي. يدخل من ضمن إطارها مراعاتهم للتنوع الجغرافي والثقافي بين البيئات المحلية المتعددة (الساحلية/ الريفية/ الجبلية/ الصحراوية).

7.       اللون في العمارة المحلية، يمثل جزءا أصيلا في الثقافة المعمارية المحلية، كتعبير رمزي عن انتماء المجتمع لموروث متجذر في التاريخ ومرتبط بالعقيدة الإسلامية. حيث يحرص المسلمون في هذا البلد وخصوصا في المدن الساحلية على طلاء الحوائط باللون الأبيض. وطلاء الأبواب والشبابيك وعناصر التأثيث باللون الأخضر. كرمز للحياة والنماء في الدنيا وكلباس لأهل الجنة في الحياة الآخرة. بينما تتحرر المفروشات من أحادية اللون، تدعمها عناصر الخضرة المرتبطة بالأشجار المثمرة والأزهار ذات الروائح الزكية في تنسيق حديقة البيت. بينما تتحكم المواد الطبيعية التي تبنى بها المساكن في المدن الجبلية والصحراوية في تشكيل ألوانها الترابية أو الصخرية. ولكن يبقى الطلاء الأبيض جزءاً مهما في هذه الثقافة بالنسبة للمسلمين في تلك المناطق.

أما اللون الأزرق بدرجاته المختلفة فهو يمثل جزءا أصيلا من الثقافة اليهودية المتعلقة بحلمهم التاريخي بدولة تسيطر على بحار ومحيطات العالم وشعوبه. في حين يمثل اللون الأصفر أساسا مهما في عقيدة الديانة المسيحية.


المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية