أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، ديسمبر 23، 2016

حديث في الثقافة والتراث



جمال اللافي


في الأسبوع الماضي حادثني عبر النقال الصديق العزيز المهندس عبدالمطلب سالم أبو سالم بخصوص تنظيم احتفالية بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الجمعية الليبية لإحياء التراث الثقافي وإشهارها وذلك في الاجتماع الذي عقدته يوم الخميس الموافق 16 / 3 / 2006 م.  و بناءً عليه صدر قرار مدير عام المكتب الوطني للبحث والتطوير رقم "155" لسنة 2006 م. بشأن إشهار الجمعية الليبية لإحياء التراث الثقافي والتي تم تسجيلها بسجل قيد أنظمة الجمعيات العلمية من قبل وحدة الجمعيات العلمية بالمكتب الوطني للبحث والتطوير تحت رقم " 74".".

وكان لي معه بعدها لقاء بمكتبي امتد لخمس ساعات متواصلة حول أسباب جمود نشاط هذه الجمعية طيلة السنوات الماضية، حديث تطرق للمعوقات الأخلاقية قبل المادية. فقد كان للجمعية مقرها الذي تنطلق منه (وهو ما يعتبر واحدة من أهم معوقات قيام أي جمعية). بالإضافة لرؤية واضحة المعالم وبرامج قابلة للتنفيذ. وتم الاتفاق على أن تقام هذه الاحتفالية قبل نهاية هذه السنة وذلك يوم الخميس الموافق 29 ديسمبر.

وبعد أن قمت بإعداد رسالة بخصوص مكان الاحتفالية مرسلة إلى مديرة دار حسن الفقيه حسن للفنون بمدينة طرابلس القديمة لتأكيد حجز الصالة في الموعد المحدد، بالإضافة لإنجاز صيغة الدعوة لهذه الاحتفالية، توقفت مع نفسي كثيرا وأنا أعيد مراجعة أهمية هذه الاحتفالية وتأثيرها على مسيرة هذه الجمعية التي توقفت بمجرد إشهارها وانتخاب مجلس إدارتها برئاسة المهندس الكهربائي عادل ابوقرين (الذي اختفى بمجرد إشهارها عن الأنظار دون أي مبررات منطقية واتجه إلى ممارسة أنشطة أخرى مع جمعيات أخرى لا علاقة لها بمجالات هذه الجمعية، التي حرص كل الحرص على أن يترأسها). كما أن جميع الأعضاء المنتسبون لهذه الجمعية لم يكلفوا أنفسهم السؤال عن حال هذه الجمعية. ولم يقدموا أي مبادرات بخصوص تنفيذ أهدافها وأنشطتها التي تأسست لأجلها. فلم أجد بدا من إعلام المهندس عبدالمطلب بإلغاء حجز الصالة والاحتفالية معها لأن المستهدف من هذه الاحتفالية كان إحياء الجمعية من موات دام عشر سنوات لتقوم هي بدورها بإحياء تراث ثقافي يعاني بدوره من حالة موات منذ مطلع العشرينات من القرن الماضي، بعد أن تعرض الوطن كسائر العالم الإسلامي لموجة استعمار وغزو عسكري مرفوقا بغزو ثقافي، لم يتوقف حتى أتى على كل ما هو مرتبط بميراثنا الثقافي في جميع مجالاته الفكرية والمادية ولم يتركه إلاّ قاعا صفصفا بيد فئة حاكمة ومتحكمة في مقاليد السياسة والفكر والتعليم والإعلام والثقافة ممن يحسبون على مواطني هذا البلد.

وكان لسان حالي يقول: لما هذه الاحتفالية؟ وإلى ماذا تستهدف؟ إذا كان حال القائمين على هذه الجمعية رئاسةً وأعضاءً يحتاجون هم قبل الجمعية لإعادة إحياء تطال الجوانب الأخلاقية في نفوسهم وسلوكياتهم قبل أن يطالبوا بإحياء موات ثقافة دفنت منذ ما يقرب من قرن من الزمان وقامت على أنقاضها ثقافة محتل تأصلت جذورها في كيان أجيال ولدت وتربت عليها وعلى كره واحتقار ورفض كل ما ينتمي لماضيهم من إرث ثقافي.

·        كيف السبيل أن نحيي تراثاً لم نعد نفقه أبجدياته فما بالك بتعقيداته؟
·   كيف نطالب أجيالا تربت على التماهي مع ثقافة محتل وتشربتها حتى صارت تجري منها مجرى الدم في العروق بإحياء ثقافة لم يعودوا ينتمون إليها لا قلبا ولا قالبا؟
·   ومن هو المؤهل لذلك، إذا لم يمتلك هو نفسه مقومات وآليات الإحياء، لأنه لم يزود بها لا من خلال البيئة التي ولد وتربى فيها. ولا المؤسسات التعليمية التي تدرج فيها من المرحلة الإبتدائية إلى أن تخصص في محالات ترتبط بطريقة أو أخرى بمواضيع الثقافة. ولا الثقافة العامة التي استقاها من وسائل الإعلام المختلفة التي تحرص على أن تضخ في عقله كل ما يجعله يتمرد على هذا الموروث ويقف منه موقف الرافض والمعادي؟

وأخيراً:
·        ما الجدوى أصلا من قيام هذه الجمعية، حتى نحتفي بها كل سنة أو حتى كل عشر سنوات؟
·        وعلى ماذا تستند في مشروعيتها ومشروعها، إذا كان القائمين عليها لا يمتلكون أصلا مشروعا ثقافيا للإحياء؟

في اعتقادي أن الخطوة الأولى التي يفترض أنها تسبق إحياء الموات هو إحياء من سيقومون بإحياء هذا الموات. وهذا بلا شك مشروعا إذا ما تم تجنيد كافة الإمكانيات له سيستغرق منا عقوداً وتظافر جهود وهمم عالية لا تعرف الكلل ولا الملل ولا تعترف بالمستحيل ولا العوائق.


فهل من يقظة ضمير؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية