أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، يناير 26، 2018

القيم الجمالية في العمارة المحلية




جمال اللافي

قَيِّم، في معجم المعاني الجامع هي، صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من قامَ / قامَ إلى / قامَ بـ / قامَ على / قامَ لـ . وهي تعني السيِّدُ وسائس الأمر وقيِّمُ القوم، الذي يقوم بشأنهم ويَسُوس أَمرَهم. وهي جمع لكلمة قيمة وقائم وقائمة.

والقيمة، في أحد تعريفاتها، "هي المدة اللازمة لانتاج عمل ما (مادي أو فكري)". ولكنها في مفهومها الحضاري، هي قيمة مضافة إلى منظومة من القيم الحضارية الأخرى التي تشكل في مجموعها ثقافة مجتمع ما. ولكل منظومة قيم مرجعية تنطلق منها، مردها إما إلى عقيدة سماوية أو أعراف اجتماعية أو قوانين وضعية، تستند عليها نظم وقوانين وضوابط تحكم العلاقات والمعاملات والتعاملات بين أفراد المجتمع الواحد.

وتشكل القيم الجمالية إحدى مرتكزات منظومة القيم الثقافية لحضارة أي مجتمع. وترتبط على وجه الخصوص بالفنون الجميلة والتطبيقية. وهي تؤثر في المجتمع تبعا لمدى الاستقرار الذي يعيشه ومدى شعوره بالأمن والحماية من الظروف البيئية والتعديات الخارجية. كما تتأثر هي بحجم التطور المدني والازدهار الاقتصادي- الذي يتدخل في تحديد حجم العمل المعماري وشكله وتقنياته الإنشائية ومواده الخام- فالقيم الجمالية مثلما تتفاوت بين طبقة اجتماعية وأخرى في المجتمع الواحد، فهي تتفاوت في أشكالها بين المجتمعات الحضرية والريفية. وبين الصناعية والزراعية. وبين الساحلية والصحراوية والجبلية، بين المجتمعات المنفتحة على غيرها من الحضارات والأخرى المنغلقة على نفسها. بين المجتمعات العريقة والمجتمعات الوليدة في مستوطنات جديدة.

ولهذه القيم الجمالية انعكاسات شتى تظهر على سلوكيات وتعاملات الناس، مثلما تظهر في فنونهم وأدابهم وعاداتهم وتقاليدهم. والعمارة كمنجز حضاري، هي واحدة من انعكاسات أو تطبيقات هذه القيم على المستويين الفكري والمادي. فالعمارة تتشكل بداية وفق منظمومة من القيم المجتمعية الأصيلة أو الدخيلة، التي تستقل أو تتبع أو تخضع لمجموعة من المؤثرات البيئية والاقتصادية والسياسية. وهي ترتقي أو تنحدر على قدر وعي المجتمع وإداركه لأهمية دور العمارة في تشكيل أو إعادة صياغة وعي المجتمع ومفاهيميه العامة حول ذاته ومحيطه الجغرافي. ثم تتحول إلى مؤثر قوي في تغيير سلوكيات المجتمع ومنظومة قيمه التي كان يعتنقها إيجابا أو سلبا، تبعا لكفاءة المنجز والقيم التي يراد له أن يعكسها أو يعيد صياغتها. أو تم إهمالها وتجاهلها. فهي المرآة العاكسة لحالة المجتمع كيفما هو عليه وإلى ما سيؤول إليه.

وتتمحور القيم المعمارية حول العلاقة بين الشكل والمضمون. وتستهدف المواءمة بينهما مستمدة منهما قيمتين متلازمتين هما:
                   قيم وظيفية، وهي ترتبط بطبيعة المبنى (مبنى للسكن أو مبنى لممارسة العبادة أو المعاملات التجارية أو التعليمية أو الترفيهية... أو غيرها من الأنشطة الأخرى). كذلك ترتبط بعلاقة فراغات المبنى الواحد ببعضها البعض من حيث الأهمية والتكامل.
                   قيم جمالية، وهي التي تتعلق بالنسب الجمالية للمبنى وطرزه المعمارية التي تميزه عن الثقافات الأخرى المختلفة والمتباينة والمتفقة معها في المنطلقات والأهداف والغايات. فالعمارة الإسلامية مثلا، تشكل إطارا عاما لمجموعة من العمائر المحلية المتباينة بين بيئة إسلامية وأخرى، تخضع في تشكيلها لعدة معطيات بيئية واجتماعية وثقافية واقتصادية. وفي بعض الأحيان تخضع لمتغيرات سياسية يكون لها دور كبير في تشكيلها، لتصنع في النهاية هذا التمايز والتنوع داخل ذلك الإطار العام.

وتكتسب العمارة قيمتها الجمالية من خلال توفيقها بين:
                   القيم الجمالية المادية. وهي التي ترتبط بالجوانب التالية:
§                    الكفاءة الوظيفية للمنجز المعماري في تلبية احتياجات المجتمع المادية والعاطفية، كذلك بقدرته على مواجهة التحديات التي تفرضها عليه البيئة المحيطة بإشكالياتها المتعددة،
§                    القدرة على تحريك طاقات المجتمع الإبداعية ودفعه إلى تطوير قدراته واستثمار مقوماته البشرية وموارده الطبيعية في تحسين ظروف بيئته المحيطة لتواكب تطلعاته وتوفر له الاكتفاء الذاتي من احتياجاته الأساسية والكمالية.

                   القيم الجمالية المعنوية. وهي ترتبط بالجوانب التالية:
§        القدرة على خلق بيئة عمرانية تحقق حالة من التوافق والتواصل المباشر بين طبقاته وأطيافه المختلفة وتكون صالحة للتعايش والانسجام وتبادل المنافع والشعور المشترك بالانتماء للمكان
§        شعور المستعمل بالراحة والرضا النفسي وتكامل فراغات المبنى. والخصوصية التي يمنحه إياها المبنى. والحماية من العوامل المناخية. أو تعدي الآخرين على حرماته وممتلكاته. وحقه في التمتع بضوء الشمس والهواء دون عوائق تحول بينه وبين ذلك.

وقد اعتمدت العمارة المحلية التقليدية في تحقيق قيمها الجمالية- بشقيها المادي والمعنوي التي تعبر عنها- على مجموعة من التعابير الثقافية التي تستند في مرجعيتها ومحدداتها إلى العقيدة الإسلامية إضافة لاكتسابها العمق التاريخي الذي يمتد إلى مرحلة الإنسان ما قبل التأريخ. وهي تظهر بجلاء في الآتي:
1.                   التوفيق بين المتطلبات المادية والاحتياجات العاطفية والروحية. وهذا يظهر جليا من خلال الكفاءة الوظيفية للمباني على المستويين المعماري والتخطيطي في التعاطي مع الظروف البيئبة وتلبية قيم المجتمع الحضارية.
2.                استخدام عناصر ومفردات معمارية متنوعة متجانسة من حيث الشكل ومواد البناء (المحلية المصدر والتصنيع). وذلك من خلال تطعيم سطوح (واجهات) المباني وفراغاتها الداخلية الحوائط بالأعمال الخشبية والمشغولات المعدنية المحلية بأشكلها المتنوعة ولونها الأخضر إضافة للعناصر الزخرفية الجصية وفي بعض المساجد والبيوت الكبيرة يدخل القيشاني في تلبيس الحوائط، التي تثري مجتمعة جماليات أفنية البيوت وواجهات المباني وشوارع وأزقة المدينة.
3.                 استثمار النباتات المثمرة والأزهار العطرية في تزيين أفنية البيوت والساحات العامة وإحاطة المدن بالبساتين والجنائن التي تضفي بجمال أشجارها قيمة جمالية مضافة إلى الكفاءة الوظيفية لمخططات وعمارة المدن.
4.                استثمار المؤثرات البيئة المناخية على المنطقة التي تتميز بدرجة سطوع عالية للشمس كتعبير جمالي بين الظل والضوء وانعكاساتهما المتبادلة على سطوح المباني بطلائها الأبيض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية