أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، سبتمبر 08، 2008

غدامس، جوهرة الصحراء



م. عزت علي خيري



(( وبعد – فاعلم أيها الواقف على هذا أن بلاد غدامس بلاد قديمة من زمان النمرود بن كنعان بن سام بن نوح وقيل قبله .. وقبل فارس من قوم النمرود الذي خرج ماء عينها – ثم بعد ذلك جازت قافلة على الوادي وقيلوا في الوادي ، وتغدوا هناك ، ثم رحلوا وساروا إلى أن باتوا ، فلما أصبحوا أرادوا الرحيل ففقدوا التهم من الأكل ، وقال أحدهم . نسيناها في غدانا أمس ، ثم رجع فارس منهم على إثرهم حتى أتى إلى الوادي وترجل عن فرسه يطلب آلته ، وإذا بالفرس تنبش الأرض وينبع من ذلك الموضع الماء ولذلك سميت بعين الفرس ، وسميت البلاد بغدامس وقيل أول من سكنها اغدامس بن سام والله أعلم )).
" مصطفى خوجة - دفتر غدامس "
في التراث الشعبي عن أهالي غدامس روايات عدة عن نشأة غدامس أشهرها هذه الأسطورة التي بدأنا بها حديثنا وبكل تأكيد يرجع زمن تأسيسها إلى عصر ما قبل الإسلام وقد حررها العرب المسلمون في عام 42هـ وأصبحت تدين بالإسلام ، ولقد اشتهر أهل غدامس منذ زمن بعيد بالتجارة نظراً لموقعها الاستراتيجي عبر الصحراء وتشتهر كذلك بعدة صناعات منها ما يقوم على الجلود وأخرى على النخيل والنحاس والفخار وأهل غدامس أناس طيبون يتمتعون بصفاء النية وبيض السريرة وبهم من الصفات الحميدة والطيبة ما تقل في كثير من الأحيان والأماكن.
ونعود أدراجنا إلى الرواية التي افتتحنا بها هذا المقال والتي يظهر على ملامحها الأسطورة ونسائل: هل كان النمورد وأهله يعرفون اللغة العربية حتى يقول هؤلاء غدانا أمس؟ بهذا الضبط والإيقاع أنما نكتفي بالقول هنا بأن غدامس هي ( سيد أموس ) وهي كلمة غير عربية ولا صلة لها بغدامس. ورواية الفارس قد رويت أيضاً عن عقبة بن نافع عندما فتح جرمه وكر راجعا.
وأول من سكن غدامس بنو ماني وبنو مازيغ وأصلهم من فزاره ( وفي رواية قراره ) بنوها وعمروها وتناسلوا فيها حتى صارت مدينة ثم دمرت ثم صارت قصورا ثم دمرت ثم صارت مدينة ثم انقرض بنو مازيغ وأعقبهم بنو ماني وتولوا البلاد ثم تناسلوا إلى أن وصلوا إلى بني وليد وبنو وازيت كما التقسيم الموجود أسفل.

غدامس في المعجم بضم العين وفتحها وأعجام الدال هي بلد بالمغرب وذكر أيدي ننتوليسكس( أول من سكن غدامس هو غدامس بن سام ومن هنا أخذت المدينة أسمها نسبة إلى أول ساكن لها) وأضــــاف( غدامس بلد قديم من زمن النمرود بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلام ).

عرفها المؤرخ ابن عبد البر الحميري التونسي في كتابه الروضى المعطار في أخبار الأقطــــار( غدامس في الصحراء على سبعة أيام من جبل نفوسة وهي مدينة لطيفة قديمة أزلية من قبل الإسلام واليها ينسب الجلد الغدامسي وبها دواميس وكهوف وكانت سجونا للكاهنة التي كانت بأفريقيا). وأضاف ابن الشباط التوزري في شرحه( غدامس قرية كثيرة النخل وأهلها أكثر طعامهم التمر والكماة). ويذكر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان( غدامس يفتح أولها… مدينة بالمغرب جنوبية ضاربة إلى بلاد السودان بعد بلاد زغوان تدبغ فيها الجلود الغدامسية) ويمضي فيضف( فيها عين أزلية وعليها أثر عجيب رومي ينبض منه الماء ويقسطه أهل البلد بأقساط معلومة لا يقدر أحد أن يأخذ أكثر من حقه وعليه يزرعون). وقد زارها د. مصطفى محمود ووصفها فقال( وقد بنى الأهالي مدينتهم فوق هذه الأنهار فأصبحت أول مدينة تجري من تحتها الأنهار .. أنها الجنة. أهلها لا يعرفون السرقة ولا القتل والبوليس يجلس فيها بلا وظيفة أمام دفاتر خالية .. وتحجمها روح سيدي البدري. وتجري من تحتها الأنهار .. ولكنه جنة عجيبة درجة حرارتها 48oم).

مدينة غدامس كأي مدينة قديمة توفرت فيها العناصر الأساسية لقيام المدينة ويمكن تلخيص هذه المقومات فيما يلي:-
1- الماء.
2- الظهير الاقتصادي.
3- توفر عنصر الأمان.


أولاً عنصر الماء : وهو أهم عنصر لقيام أية مدينة وخاصة إذا كانت في الصحراء وبالنسبة لغدامس كانت عين الفرس هي أساس الحياة في لهيب الصحراء وجفاف جوها ويمكن القول( غدامس هبة عين الفرس) فبدونها لما كانت حياة ولازرعت تلك المساحات الشاسعة حولها نخيلا ونباتات مختلفة.
وهذه العين ملك للجميع( حبس ) للغدامسية الأوائل ويوزع ماؤها بنظام حسب الأسهم ومنهم من باع نصيبه ومنهم من انتقلت إليه عن طريق الوراثة. وللعين خمس سواقي هي حسب القوة كالآتي :-
v ساقية تصكو ولها 81 سهما.
v ساقية تاروط ولها 27 سهما.
v ساقية تنقبشين ولها 9 أسهم.
v ساقية تتدفران ولها 3 أسهم.
v ساقية تنجناون ولها سهم واحد.
والسنة المائية في غدامس تبدأ من بداية شهر الماء (مايو) وحتى نهاية شهر الطير (ابريل) من كل عام.
v ساقية تاروط لها نائبان وكاتبان أحدهما تصكووذرار والآخر من مازيغ.
v ساقة تنقبشين لها نائب وكاتب من بني وازيت.
وفي نهاية شهر الطير(ابريل) يتم تقديم الحسابات لمجلس الأعيان المكون من المحلتين من قبل النواب والكتاب.. ويتم طريقة حساب كمية المياه التي تنساب إلى المزارع عن طريق وحدة قياس تسمى القادوس ومكانه السوق القديم ملاصقا لجماع يونس ويسمى الشخص المسئول عن ذلك (القداس) ويستعمل سطلا متوسط الحجم وسطه ثقب صغير ويجب أن يملأ ويفرغ عشرين مرة في الساعة الواحدة من خلال الثقب الذي بأسفله والمسافة بين القادوس وأبعد مزرعة لا تزيد عن كيلو مترين وقد ألغي القادوس سنة (1943). وتكون مسيرة المياه بداية من عين الفرس تذهب أولا لأغراض الشرب ثم تمر إلى المساجد لغرض الوضوء والغسل ثم لأحواض الغسيل المختلفة ثم تنتهي في المزارع.

ثانيا الظهير الاقتصادي :
بالنسبة لغدامس كانت التجارة هي المصدر الأساسي للرزق بالإضافة لبعض الزراعات البسيطة والصناعات التقليدية حيث كانت غدامس حلقة وصل للقوافل التجارية القادمة من الشمال إلى الجنوب وكانوا يقدمون الخدمات لعابري الصحراء حيث أن البضائع التي تأتي من أوروبا إلى موانئ طرابلس وتونس وتتوجه جنوبا إلى غات وتمبكتو وبالعكس ويقوم الغدامسية بالشراء والبيع ويقوم هم أنفسهم بهذه الرحلات الشاقة وكانت أثمان البضائع مرتفعة الربح نظراً للمخاطر التي قد يتعرضون لها خلال السفر في الصحراء فكان أهالي غدامس يشترون الصناعات المعدنية والعطور ويبيعون منتجات النخيل والجلود وكما ذكر. محمد الشركس في أحد تعقيباته في المؤتمر العلمي الأول حول الواحات الليبية بتاريخ 5-1-1991م في محاضرة( غدامس وغات توأما الصحراء).
( أن الصحراء بالنسبة للغدامسية كالبحار بالنسبة للفينيقيين).

ثالثاً توفر عنصر الأمان ( السور ) :
غدامس كأي مدينة قديمة لها سور وبوابات والغرض من السور هو تحديد الزمان والمكان والشعور بالأمان داخل المدينة وهو طبيعة سياسية للمدن وقد يكون السور عبارة عن حزام أخضر لغرض الحماية من الرياح وهذا ما كان لمدينة غدامس حيث أنها محاطة بغابات من النخيل ثم يأتي السور الذي يحيط بها من جميع الجهات بما في ذلك المزارع وقد أزيل السور ولم يبق منه سوى جزء من شارع أولاد بالليل وفي أواخر عهد الأستعمار الإيطالي أزيل جانب من هذا السور من الجهة الشمالية من قبل ( الكولونيل زاني ) وهو آخر حكام إيطاليا بغدامس.
أما البوابات الرئيسية للمدينة فهي سبعة أبواب وهي باب جرسان الذي يؤدي إلى شوارع بني وازيت ويقع جنوب المدينة وباب الظهرة كذلك في الجنوب وعلى بعد 200 متر من باب جرسان ويؤدي إلى شوارع بني وليد وهناك أبواب أخرى لايعرف مكانها وهي باب أبو شاتة ، باب شيده ن باب ستثار ، باب النادر وباب زواغة بالإضافة إلى مجموعة من الأبواب الثانوية تقع داخل المدينة ذكر منها باب البرج وباب اندعلاد وباب تنقزين وغيرها. وكل الأبواب كانت في الماضي تغلق ولا تفتح إلا في الصباح عدا باب الظهرة الذي كان حارساً يفتحه ليلاً لسكان المدينة الذي يتعرف عليهم فقط. ومن هنا ننظر إلى الناحية الدفاعية في المدينة حيث الطرق الملتوية تجعل استيعاب مخطط المدينة بالنسبة للغريب غير واضح بالإضافة إلى الظلمة التي تتسم بها هذه الشوارع أضف إلى ذلك أن الفتحات العليا تغلق لزيادة الظلمة في حالة وجود معتدي فيضيع العدو ويسهل السيطرة على الموقف من سكان غدامس عن مدينتهم أمام هجوم الترك بقيادة رمضان بأي صاحب عسكر تونس ( كان يقيمون نهارهم بالبنيان وتهريس البارود ويقيمون ليلهم بالعسه ، فأهل شارع تغرفرة وشارع تصك فزعه وتوقزين وبني درار قسم وجرسان وبن مازيع قسم هذا الاستعداد والتنظيم يعطي فكرة عن تماسك أهل غدامس ودفاعهم في سبيل بلادهم ، تنظيم الشوارع والمحلات وتصيد الأخبار وبعضا منهم جعلوه لرفع الروح المعنوية كما وزعوا الشيوخ على الأحياء والمناطق ).

التقسيم الاجتماعي والعائلي في غدامس/
تنقسم غدامس إلى محلتين هما بنو وليد وبنو وازيت ( بن زيد ) وتنقسم كل محلة إلى مجموعة من الشوارع والشارع في غدامس هو مجموعة من الناس انحدروا من أب واحد ويسكنون بالقرب من بعضهم البعض وهناك آخرون وفدوا بعدهم وسكنوا معهم وتسموا بأسمائهم.
أما محلة بني وليد والتي تقع شمال المدينة فتنقسم إلى ثلاث شوارع هي شارع مازيغ ويميز هذا الشارع عدم التصاقه بأي شارع آخر غير أنه قريب من شارعي المحلة الآخرين ولا يفصله عنهما سوى ساحة التوتة الشهيرة وبهذا الشارع يقع جامع تندرين (( جامع الخطبة )) ثم يأتي بعده شارع درار من جهة ساحة التوتة ويتصل جنوباً بشارع تصكو وهو الشارع الثالث بالمحلة ويعتبر الدعامة الاقتصادية الأولى بالمدينة ويرتبط هذا الشارع كذلك بمدخل إلى ساحة التوتة من جهة الشمال وجنوباً يفتح على ساحة السوق والجامع العتيق أدم مساجد غدامس.
أما محلة بنو وازيت فتنقسم إلى ثلاث شوارع هي شارع تغرفرة وجنوبه شارع تنقزين الذي يتصل كذلك بساحة السوق وبه جامع يونس أما آخر الشوارع بهذه المحلة فهو شارع جرسان وبه ساحة جرسان الشهيرة وجامع عمران.
وهناك شارع سابع بغدامس هو شارع أولاد بالليل واغلب سكانه من سيناون وجاءوا إلى غدامس من زمن بعيد وبنو عمارة تخالف الهندسة المعمارية المعتادة فقد بسطوا البناء واختصروا فيه وأنتجوا نماذج بعيدة عن غدامس التي ارتبطت بالأذهان.

وصف المدينة/

إذا أردنا أن نقدم الوصف الشامل لمدينة غدامس فعلينا بالقيام بجولة داخل المدينة فعند الدخول إلى الشوارع من أي مدخل نشر بتغير مفاجئ لدرجات الحرارة ونحس ما يعرف بالراحة المناخية من حيث برودة الهواء ورطوبته رغم المحيط الصحراوي الشديد الحرارة والجفاف وشوارع المدينة كما ذكر م. فوزي عزيز في محاضرته التي ألقاها في جمعية المهندسين العلمية حول مدينة غدامس بتاريخ 4/9/1989م ( الشوارع هي تلك الأنفاق السحرية من الضوء والظل حنى تسمعنا حديث متناغم بين الإنسان والطبيعة بين الشمس والظل بين الحر ونقضيه.


الشوارع الطويلة المسقوفة والملتوية أزقة ضيقة تفضي إلى أزقة ضيقة هكذا تبدوا للوهلة الأولى متاهة غرائبية من الطلاسم المعمارية في الغموض ) ونمر خلال تلك الشوارع المغطاة التي تعطينا الإحساس بإنسانيتنا حيث نتأكد بأن هذه المدينة خلقت لتكون ملجأ للإنسان من الطبيعة القاسية فالشعور بالأمان والمقياس الإنساني يعطينا الدفاع داخلها دون خوف رغم الظلمة التي قد تبدوا للوهلة الأولى والتي يبددها مرة بعد الأخرى ضوء يأتي من السماء يؤكد مرة أخرى ارتباط الإنسان بمحيطه وبالروح المتدفقة مع الضوء الإلهي لتعطي للمكان روجه الخاصة به. وتشاهد الأبواب الصغيرة المصنوعة من خشب السنور عن ذات اليمين وذات الشمال في إيقاع مستمر وترابط بين المواد العضوية المختلفة. ونمر إلى الساحات وهي مراكز للنشاطات الاجتماعية والاقتصادية تستعمل للجلوس خلال فترات العشية وفي المناسبات حيث يلتقي الجميع ويمارسون طقوس الاحتفالات معاً في كل هدوء والتزام بالإضافة للمجالس الموجودة بالشوارع وهي مجالس منتديات الشيوخ الملاصقة أما مجالس النساء فهي فوق الأسطح أما النوافذ المفتوحة على الخارج فهي صغيرة وأشكالها متنوعة فمنها النصف دائرية والمستطيل والمثلث وأغلبها بها حليات جبسية ذات مثلثات في الأعلى في حالة النوافذ المستطيلة ونرى في أعلى المباني تلك المثلثات التي تفكرنا بالعمارة الإفريقية وهذه المثلثات والتي تعرف بالتشرفت لا يعرف أحداً على وجه التحديد معناها فمنهم من يعتقد أنها من مخلفات عبادة الأوثان وترمز للقرن الذي يرتبط بعبادة الكبش آبيس وعلى كل حال فهي مرتبطة في ذاكرة أهل غدامس بطرد الجن والشيطان وقد يلبسونها قدراً قد استعمل لفترة طويلة حتى يكاد لا ير منه سوى سواده المتفحم وذلك لزيادة التأكيد على طرد الأرواح الشريرة.
وخلال مرورنا بالمدينة نمر على مجموعة من المساجد التي تؤكد التزام هذه المدينة بالإسلام فمن أهمها :-

1. الجامع العتيق
أسس سنة 45 هجرية وهو يتوسط محلتي بني وليد وبنو وازيت وله باب على السوق لا يفتح إلا في الأعياد وأيام الجمعة وبه جزء مخصص لاغتسال النساء وصلاتهم وقد تعرض لغارة جوية فرنسية سنة 1942م.

2. جامع يونس : مساحته أصغر من الجامع العتيق ويقابله ساحة السوق ويقال أنه عندما حدث خلاف بين بني وليد وبن وازيت وبابه الرئيسي يفتح على شارع تنفزين يختلف عن العتيق في أن سقفه مبنى من الأحجار الجيرية يعكس الجامع العتيق المبنى سقفه من السنور وقد أسس في القرن الثامن الهجري.

3. جامع تندرين :
ويقال له ايضا جامع الخطبة ويقع في شارع مازيغ.
وهناك أيضاً جامع عمران الفقيه ويقع بشارع جرسان بجوار ساحة جرسان وجميع المساجد تتوفر فيها مواصفات المساجد الإسلامية من حيث المغاسل وأماكن الوضوء بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المساجد نذكر منها جامع أولاد بالليل وجامع الظهرة وجامع عقبة.

البيت الغدامسي/
وبعد هذا الوصف الموجز للمدينة نصل إلى أهم عنصر بها وهو البيت الغدامسي الغريب التكوين ويستعان في هذا الموضوع بالخرائط المعمارية لفهم ذلك التكوين المعقد. فمتوسط ارتفاع المساكن الغدامسية حوالي 10 أمتار والجدران لونها لون التربة التي تنبت بها أي اللون الاشهب ونهاية المبنى تطلى بالجبس وتزين بالأشكال المثلثية والمنازل هناك متضامنة أي لا يمكن تمييز واجهة واضحة مثل واجهات المدن الحديثة وذلك تمشيا مع قواعد البناء البيئية بالمنطقة وغالبا ما يكون الدور العلوي أكبر من الدور السفلي وذلك حتى يمكن تغطية الشوارع والمباني لها حوائط مشتركة.
أما الفتحات فهي صغيرة تكفي لدخول الهواء والإضاءة وذلك نظراً لشدة الحرارة وشدة السطوع الشمسي بالمنطقة.

ندخل المسكن عن طريق الواجهة ( أ ) ثم إلى الطريق المار بالقرب من الواجهة (ب) لنصل إلى المدخل عند زاوية الواجهة ( ب ، ج ) وبعد أن نمر من عتبة الباب الرئيسي ( تافورت ) ندخل إلى ممر( أدجيرد ) ليس له أية فتحة سوى فتحة المدخل ومن ثم نجد إلى اليمين باب يؤدي إلى غرفة تسمى غرفة الممر ( تالي – آن – أدجيرد ) ليس لها أية فتحات على الخارج وهي ابرد الحجرات من حيث درجة الحرارة لذا تستعمل للنوم اثناء الحر الشديد وهي تستعمل أساسا لتخزين الغذاء أو خشب الطبخ والأدوات الزراعية إلى غيرها من لوازم المسكن وقبل أن نصعد السلم المؤدي للدور الأول على امتداد الواجهة ( د ) نلاحظ فراغا محصورا بين حجرة الممر والشارع الملاصق للواجهة ( أ ) على مستوى الدور الأرضي وهي البئر السوداء ( تدجيمي ) الموجودة تحت دورة المياه وهذا البئر يمكن تفريغه عن طريق ثقب الجدار الملاصق للشارع وتستعمل المواد العضوية كسماد عضوي وعندما نصعد على السلم الملاصق للحائط ( د ) ويحمل اسم السلم الكبير ( سلونين ماكوران ) وسقفه على شكل قبو مزين بقطع من الفخار والزجاج وعلى عتبة الدور الأول نجد كوة تستعمل لوضع الأدوات المخصصة للشرب أو ربما فتحة بئر ماء. وفي نهاية السلم نجد في المقابل دورة المياه ( الكنيف ) ولها فتحة على الواجهة ( أ ) وعندما ندور إلى اليمين في العتبة التي في أعلى السلم ندخل إلى قاعة وسط البيت المسماة ( تمانحت ) وتستعمل للمعيشة واستقبال الضيوف ونجد على يميننا سلما يؤدي إلى السطح وعلى يسارنا سلم يؤدي إلى حجرة ( تالى – آن . اسرير ) وتستعمل كحجرة نوم ولها فتحة على الواجهة (ب) وتحتها وعلى مستوى التمانحت توجد حجرة تسمى حجرة التعليق ( تالي أن اسادجل ) الاحتفاظ فيها بادوات الزينة عند الغياب الطويل لصاحب المنزل أو عند اعمال التنظيف والصيانة وعل الواجهة (جـ) نجد ما يعرف حجرة الزواج (القباه) وتستعمل في مناسبات الأعراس وتضع فيها المرأة أطفالها الصغار أثناء انشغالها بأعمال البيت وتقضي فيها فترة العدة في حالة وفاة زوجها وبجانب القباه توجد حجرة الوليدات أما السلم الذي على يميننا في التمانحت فيؤدي إلى حجرة ذات ثلاثة مستويات ( تالى – آن – تردجانيي ) نظرا لوقوعها بين السلم المؤدي من الدور الأرضي إلى الأول بين المستوى الأعلى من الأول إلى السطح ولها فتحة على الواجهة ( أ ) وتستعمل لنوم الأطفال أحيانا حتى يتم الفصل بينهم. وهذه الحجرة غير موجودة في مساكن حي جرسان وخاصة في مساكن الأعيان لأن محاولات بناء القبوة قد باءت بالفشل حيث تشاءموا منها وربطوها بمعتقدات الحسد والعين واستغنوا عن بنائها وعند الاستمرار في السلم المذكور نصل إلى فراغ يسمى حجرة السلم ( تالى – آن – سلومن ) أو ( داف ) وتستعمل لوضع الرحى أو النوم إذا كانت العائلة كبيرة وباستمرار في الصعود نصل إلى السطح( ايندج) أو أرض النساء وعلى السطح يوجد فراغ بدون سقف تسمى ( تالى أن أيندج ) أو ( ترفر ) وهو يستعمل للنوم أثناء الصيف وعلى امتداد الواجهة ( ج ) نجد المطبخ ( أدجورير ) وبجواره توجد حجرة تستعمل كمخزن ( تغارفت ) والمستخدم في تخزين وتجفيف خشب الطبخ ( أزغير ).

وتتم حركة النساء من فوق الأسطح وتقضي المرأة أغلب وقتها فوق الأسطح أو في الحجرة التي بها الرحى ويتم الاتصال بين النساء عن طريق السطح المرتبطة معا بكل رشاقة فتحدث الزيارات وتتم عمليات البيع والشراء (سطوح المدينة مدينة) على رأي الأستاذ فؤاد الكعبازي.

مواد البناء وطرق الإنشاء/المسكن الذي تم وصفه هو المنزل الموجود في الأحياء الستة الأصلية من غدامس أما حي أولاد بالليل فله عمارة تختلف ويعود تاريخ بناء المسكن المذكور سالفا إلى القرن 15 وطريقة بناؤه تكون كالآتي فالأحجار تستخدم في القواعد وحتى ارتفاع متر ونصف تقريباً وذلك رغم وفرة الأحجار في المناطق القريبة والطوب الطيني هو الأكثر شيوعاً ويرجع ذلك لعدم إمكانية ربط الأحجار معاً باستخدام الطين المحلي ويستخدم الطوب الطيني في بناء الجدران والمادة الأساسية لصناعة الطوب هي الطين التي تخلط مع الماء وبعض المواد العضوية (التبن أو روث البهائم) وتوضع داخل قوالب طولية تتكون من أربع قطع من الخشب ويستخدم الطين في ربط قوالب الطوب معاً ، وعند خلط الطين مع بعض الكسار يستعمل في عمل الأقبية والقباب والسلالم أما خشب النخيل فتستخدم الأجزاء العريضة منه في الأسقف والأبواب والخزائن الحائطية ويتم إعداده للاستعمال بأن يخلط بالملح والجير ويدفن في الأرض إلى أن يمر عليه فصل الصيف وهذه الطريقة تستعمل لغرض عزله ضد التسوس المستقبلي. ويستعمل سعف النخيل للأرضيات وبعض الأبواب أما الأوراق فتستخدم لمنع تسرب الطين والجبس إلى الطوابق السفلى من المبنى.
· ويستخرج الجبس من مناطق قريبة من المدينة ويستخدم في الأرضيات وتبييض الجدران وبناء القباه.
· أما الجير المنتج محلياً فيستعمل في تبييض الجدران ومن المواد المستوردة. يمكن ذكر الألواح الخشبية من الأشجار المتنوعة وتستعمل للأبواب السفلية والداخلية والحديد يستعمل لعمل المفاتيح والأقفال والمساند وقضبان الشبابيك.

العناصر الزخرفية الداخلية/
الكوات :- وهي فراغات تحفر في الجدران وتستعمل لوضع أدوات ذات منفعة ولها شكل المربع والنصف الدائري وغالبا ما تحاط بإطار من الجبس وغالباً ما يكون الغرض منها الزينة.
الأعمال الجبسية :- وهي بروزات جبسية الغرض منها الزينة فمنها ماهو إطار مربع أو ماهو مشقوق بالسكين وطريقة تنفيذها إحدى الأسلوبين أما عن طريق تجهيزه بعيداً عن الحائط ثم توضع على الجدار وأخرى تصنع مباشرة على الجدران.
تزيين القبو :- عند صب القبو على التراب يتم الرسم على التراب أولا ومن ثم تظهر النتوءات على القبو وعليها الرسم الذي تم إعداده سابقاً وهي عبارة على أشكال هندسية وأيضاً كتابات وقد تزين بقطع من الزجاج والفخار.
الرسومات الحائطية :- ويتم استعمال صبغات على شكل دقيق يأتي من الشمال وتذاب في مادة لاصقة مصنعة محليا من الصمغ العربي الذي يضاف إليه صفار البيض ويسمى الخليط (زند جافور) والألوان المستعملة هي الأحمر والأصفر والأخضر ويستعمل ريشة الدجاج أوالغراب وأحيانا شر الحصان ووبر الجمل كفرشة للطلاء. والرسومات عبارة عن خطوط هندسية مائلة متقاطعة وتقوم بها النساء بعد أن يبني الرجال البيت. وأماكن هذه الرسومات حول الكوات والأعمال الجبسية والدواليب ومنها ما هي منفردة وهي قليلة وهذه الرسومات يعتقد ان لها مؤثرات من الوثنية والفنون البيزنطية كما يتم أحيانا رسم خاتم سليمان والأوان المستعملة تعبير عن الفراغ اللوني الذي يعيش فيه الغدامسي في الصحراء المحيطة.
الأبواب :- يتم تزيين الأبواب الداخلية فقط وهذه الأبواب مصنوعة عادة من خشب السنور أو خشب بعض الأشجار الأخرى كشجرة الزيتون وكذلك أبواب الدواليب والخزائن مصنوعة من خشب الزيتون وهي متصلة بالإطار بواسطة مفصلات حديدية ومن الجهة الخارجية يتم تزيين الباب بواسطة رسومات نباتية بألوان زاهية.



أدوات الزينة والمفروشات/
1- المرايا :- وهي تستعمل بكثرة لأن الفراغات صغيرة ومظلمة فتعطي الإحساس بالاتساع وعكس الإضاءة مما يزيد من شدتها داخل الفراغ والمرايا منها ما هو موجود مباشرة بالحائط ومنها ماهو معلق.
2- الطور الحائطية :- والتي تمثل معتقدات دينية إسلامية أو روايات شعبية وتستجلب من الخارج.
3- الأطباق النحاسية :- وهي متنوعة وكلما كان عددها كبير في الفراغ كان ذلك دليلاً عل الحالة المادية الحسنة لصاحب البيت وهذه الأطباق ليس لها أي استعمال وتستعمل للزينة فقط ومنها ماهو عمقه 20سم ويزن حوالي (1كجم) والنوع الصغير عمقه 12سم ويزن حوالي (250جم).
4- المشيربات :- وهي مواد من الخشب المزين وتستعمل أساساً للزينة وشكلها مخروطي ومنها الأسطواني لوضع العطور والروائح.
5- الصحون النحاسية :- وهي متعددة الأحجام فمنها الكبير والصغير والمتوسط.
الأطباق:- وهي مصنوعة من سعف النخيل ولها أحجام كبيرة وكذلك أعماق كبيرة في كثير من الأحيان وبعضها نجده مزيناً بأصداف ملونة بألوان زاهية ومواد أخرى ، ويمكن تسميتها بالأطباق الغدامسية نظراً لأن هذه الطريقة غير معروفة في المناطق المحيطة.

يأتي بعد ذلك المفروشات مثل الحصائر التي تستجلب من المدن المجاورة نظراً لرداءة الأنواع الغدامسية الخشنة وتستعمل للفرش ووضعها على الجزء الأسفل من حائط التمانحت كذلك البسط المحلية وهي تصنع في حي بني وازويت وهي غير متقنة ويفضل الأثرياء في حي بني وليد بسط القيروان أو بلاد فارس. ثم تأتي المساند المصنعة من النسيج والنسيج مستورد من الشمال والمساند الجلدية الدائرية ورسوماتها نباتية بألوان مختلفة ثم المساند المستطيلة وتزين بأشكال مربعة وأشكال ثمانية الحواف وتصنع في بلاد السودان ومن المواد المستعملة في التأثيث المراوح المزينة بألوان زاهية من الصوف.

ويجب ألا ننسى الفخار بأشكاله وأنواعه المختلفة ويستعمل في الشرب او لإيقاد النار أو كمصباح زيتي.
وأغلب ما ذكر من عناصر للزينة وأدوات الزينة توضع في صدر البيت وهي حجرة التمانحت فتصبح كالمعرض ليري الزائر جمال البيت من خلال زيارته للتمانحت.

غدامس وموقعها الجغرافي والبيئي/
تقع على خط عرض 8 30 شمالا ويتراوح ارتفاعها 340-370م فوق سطح البحر ويحيط بها حمادة صحراوية واسعة وفي منطقة المناخ الصحراوي ويبلغ المتوسط السنوي للأمطار (3.30 ملم).
ويمتد الفصل الجاف من شهر هانيبال إلى شهر الفاتح وتسقط الأمطار بقية الأشهر بشكل غير منتظم وقد سجل أعلى معدل لسقوط الأمطار الشهري في شهر النوار 1976م فقد بلغ (59.2ملم) بينما سجل اقل معدل سنوي وهو (0.4 ملم) في سنة 1974م وتصل أعلى درجات حرارة الجو في شهر ناصر حيث يبلغ المتوسط الشهري للحرارة (39.94+مo) بينما يسجل شهر يناير أقل معدل لدرجات الحرارة وهو (+10.3مo) وتهب الرياح من الاتجاه الشمالي والشمالي.

ولما كانت " العمارة هي الفن العلمي لإقامة مبان تقنية تفي بالاحتياج المادي والنفسي والروحي للإنسان " د. حسن وهبي ن وجب الاستفادة من القصة الأولى لتستمر القصة وتصبح قصة غدامس بدلا من قصة مدينتين قديمة وجديدة وفي النهاية لا أتمنى لأهل غدامس سوى أن يحتفظوا بتراثهم الأصلي في العمارة وفنون الزينة.

كما يقول م. محمد الباهي ( هي ناتج للإنشاءات المعمارية المعبرة على مستوى ثقافي ونظام اجتماعي لمجتمع تواجد أثناء فترة زمنية من التاريخ).

وكما يقول كريستيان توربوغ– شولتز في مقالته المنشورة بمجلة العمارة والفن سنة 1986م تحت عنوان لغة العمارة المعاصرة ( أن العمارة لغة لأنها أداة مساعدة لحل مشاكل عملية لكن هدفها أن تساعد الإنسان أن يعيش بيئته كمعنى).

المراجع/
1- بشير قاسم يوشع – غدامس ملامح وصور بيروت : دار لبنان 1973.
2- كاتب ج أيمو البيت الغدامسي أعمال معهد الأبحاث الصحراوية باريس 1956.
3- علي مصطفى المصراتي مؤرخون من ليبيا جزء مصطفى خوجه ودفتر غدامس ص127-143.
4- منشورات مركز دراسات الطاقة الشمسية طرابلس.
5- اللجنة الشعبية العامة للإسكان. مشروع تنفيذ 616 وحدة سكنية بمدينة غدامس الحرث 1982.
6- الدليل التجاري لطرابلس الغرب – غرفة التجارة والصناعة بطرابلس الغرب (غدامس بلد السياحة) الصادر عام 1964.
7- مجلة شهرزاد الجديدة العدد الثاني ناصر 1988.
8- مجموعة دوريات ومحاضرات أشير إليها ضمن الدراسة.


هناك تعليقان (2):

  1. Wow, superb blog structure! How long have you been
    blogging for? you made blogging look easy. The overall glance of your site is fantastic,
    as well as the content material!

    Feel free to surf to my homepage cuisinart mixer

    ردحذف
  2. I read this article completely about the difference of most up-to-date and previous technologies, it's
    amazing article.

    my blog :: apple stock go up or down today

    ردحذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية