السبت، يونيو 07، 2014

تحقيقات

مشاهد بؤس وخراب في المدينة القديمة بطرابلس

أين هو المسئول عن معاناة السكان؟




تحقيق  : صابر الفيتوري / محمد القذافي مسعود



v    هل ستنهار المدينة القديمة علي رؤوس سأكنها من الليبيين والأفارقة؟
v    من هم هؤلاء الأفارقة الذين يعشون في جماعات وأفراد؟
v    هل قرر السكان ان يعيشوا في هذا الوضع البائس والغير صحي؟
v    هل حال مدينة طرابلس القديمة مثل غيرها من المدن المتوسطية؟


لا نظن أن من الضروري أن نتطرق  إلى الأهمية التاريخية للمدن القديمة او أنها ارث ثقافي حضارية وجب الحفاظ عليها ذلك شان مفروغ منه لكن لنتفقد حال المدينة القديمة بطرابلس اليوم  وما هي عليه ولنشاهد ونستمع إلى المعنيين كيف يقيمون الآمر ولنوضح أولا أننا ونحن نجري هذا التحقيق ونمر داخل أزقة المدينة القديمة ونحمل جهاز التسجيل وآلة التصور كنا نعرض أنفسنا للخطر فالمشاهد ومناظر الحوائط التي علي شفي الانهيار لا تغري القادم بالمجيء  والسكان الغرباء الذين يقطنون المدينة لو فطنوا لآمرنا ربما كنا سنواجه  مشاكل لا تعد ولا تحصي ولكن ولأننا مدفوعين بآمل ان يكون لعملنا الصحفي هذا اثر لصالح المدينة التي نحبها ونحب أهلها جازفنا نتلفت في كل ثانية حول أنفسنا ويتفقد كلانا الآخر خشية ان يحدث ما لا يحمد عقباه.

 سليمان مبروك بوزيد (37 عاماً):
الحقيقة، سكنت حديثا في هذا المكان، الغير صحي والغير ملائم. لكن أنا لم أتحصل علي أي مكان آخر.

عبد الرؤف قرفال (31 عاماً):
أقوم بإجراء صيانة لبيتي كل سنة، لأنه ملكي وورث من العائلة. ومشروع المدينة القديمة يخبروننا دائما بأن هناك صيانة ستجرى للبيوت وحتى الآن لم نرَ شيئا من هذا الكلام الذي يقال.
ليست لدي مشاكل مع أحد من الجيران وعلاقتي بهم عادية جدا (خير: خير) وأغلب الجيران من السكان الأصليين للمدينة رحلوا عنها.

بالنسبة للأسباب التي جعلت المدينة القديمة على هذا الحال السيئ التي هي عليه اليوم هو وجود الغرباء بها فهم يستأجرون البيوت لفترة ثم يرحلون تاركين خلفهم الإهمال الذي تسببوا به لهذه البيوت وخاصة الأجانب منهم، فلا يهمهم أمر البيوت ولا يحافظوا عليها أو يقومون بصيانتها وهم موجودين بها .

أنا أتمنى الحصول على منزل جديد والخروج من هنا في أسرع وقت ممكن ولكني لا أستطيع شراء منزل بديل لأنه لا قدرة مالية لدي لأستطيع شراء منزل والخروج من المدينة القديمة، أطفالي يكبرون والظروف هنا غير ملائمة للعيش ولتربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، لذلك أرسل أطفالي إلى أخوالهم ليعيشوا ويقضون أغلب الوقت هناك بعيدا عن هذه البيئة الغير صحية والمناسبة لهم وحتى أكون مطمئن عليهم أكثر قمت بتسجيلهم في مدارس قريبة من إقامة أخوالهم في زواية الدهماني  .

وقد حاولنا اكثر من مرة أن نحاور احد الأفارقة الموجودين بالقرب لكنهم كانوا  ينظرون إلينا بنظرة ريبة وامتنعوا عن الحديث وذلك أمر مفسر بالنسبة لنا قد يكون سببها أنهم لا يملكون أي تصاريح للإقامة وأن إقامتهم في حد ذاتها أحد المشاكل التي أصابت المدينة القديمة.


خالد مصطفى ( 40 عاما ): 
أعيش في بيتي في المدينة القديمة منذ سنوات والبيت غير صحي لأنه يحتاج إلى الصيانة والترميم ونفس الشيء  بالنسبة للشارع من ناحية النظافة فالقمامة مهملة وتتراكم بشكل واضح  ونحن نخاف من أن تسبب لنا الأمراض ولأطفالنا الذين لا يجدون مكانا يلعبون فيه نتمنى من الجهات المسؤولة النظر بجدية لما نعيشه داخل المدينة القديمة والاهتمام بالمدينة القديمة لأنها جزء من تاريخ وتراث هذه  البلاد .

أحد المحلات التي يظهر عليها آثار الزمن وتبدو آيلة للسقوط  جعلنا نتمهل في حركتنا متأملينا المعمار بجماليته وتفاصيله ،سألنا صاحبه الذي كان منهمكا في تصفيف بضاعته على الأرفف عن المحل عما إذا كان ملكه أم يعمل به أو مستأجرا له فرد:

عبدالسلام محمد عبدالله ( 34 عاما ) : المحل ملكي وأنا من يعمل به  كما ترون.
وعن الصيانة أخبرنا: كان من المفروض على الجهات المسؤولة أن تبادر بصيانة البيوت والمحلات داخل المدينة القديمة ولكن الصيانة بالمجهود الذاتي ولا يأتون إلينا إلا لحصر السكان فقط، هناك خدمة جديدة لشبكة المياه تجري الآن أما الصيانة فالجميع هنا من الجيران يقومون بأعمال الصيانة كل بمجهوده الفردي، وعن السكان فانه يقول: " أغلب من يسكنون هنا هم من الأجانب وبعضهم من الليبيون العائدون من دول أفريقية وأخرى أجنبية ..( طلب عدم  تصويره أو تصوير محله) .

حسين سالم أخريف (80 عاماً):
عند مرورنا وسط أحد الأزقة لفت انتباهنا شيخا كان يعمل في تصليح الدراجات داخل محل صغير بالكاد يتسع لوجود شخصين اتجهنا إليه لعلنا نجد لديه ما يشفي بحثنا عن حقيقة تعبنا ونحن نجر الخطى خلفها رحب بنا ودعانا للجلوس على صندوق كان موضوع بزواية داخل محله الضيق العتيق، بدأ حديثه بالعودة سنوات مضت  فقال : نحن أصل عائلتنا من زواية الدهماني لكنني نشأت وعشت طفولتي هنا في المدينة القديمة إلى أن كبرت وكونت عائلتي المتكونة من اثنا عشر فردا في هذا البيت الذي ترونه أمامكم ولم أخرج منه رغم حاجته للصيانة ، سألناه عمن يقوم بصيانة بيته ؟ فأجاب : ( بفلوسي عندي تفتوفة ) قمت بصيانة بيتي بمجهودي ودائما أجري صيانة كاملة للبيت كلما توفرت الإمكانيات لذلك،  وأستمر يحكي لنا عن اختلاف الوضع والناس في المدينة القديمة بين الماضي والحاضر حيث قال : أنا منذ 1952 هنا الليبيين الأصليين هنا رحلوا عن المدينة والحنية والمحبة بين الناس اختلفت ولم تعد هناك حنية بينهم مثل أيام زمان ، ما زلت هناك بعض الألفة والتواصل ولكن كما قلت ليست كأيام زمان من هو حالته المادية جيدة رحل عن المدينة ومن حالته المادية لا تسمح بذلك مثلنا فقد بقي على حاله ، وأغلب الذين يعملون بالتجارة هنا مصريين وأفارقه ، وبالنسبة لي فصنعتي هي إصلاح الدراجات من الأصل أي من زمان وعملت في الميناء في المخازن " مخزنجي " وبعد ذلك تقاعدت ولكن دخلي ضعيف وأبنائي الآن ( 11 ) إحدى عشر عدا ابني الذي تزوج وخرج من البيت وحتى في برنامج الثروة لم يتم قبولي .

علي ضوء الغزاوي:
عمي علي أو هكذا ينادونه السكان ألتقيناه وهو يستعد لدخول المسجد لأداء صلاة العصر فطلب منا أن نرجئ الحديث إلى ما بعد الانتهاء من الصلاة  وتجدد لقاءنا به  بعد الصلاة  أمام المسجد بدأ حديثه عن الناس في المدينة القديمة والعائلات ممن كانوا يعيشون هنا في شوارع وأزقة المدينة من قبل فقال : منهم من توفاه الله ومنهم من رحل إلى مكان آخر ومن بقي هنا من العائلات عددهم قليل ولا زلنا نعيش مع بعضنا متجاورين ومتحابين كما كنا من قبل نقف مع بعضنا البعض في الأفراح والأتراح ، أنا أعيش هنا مع أبنائي الخمسة وأغلبهم تزوجوا وخرجوا إلا أبن واحد تزوج وظل يعيش معي في نفس البيت ولي أبن آخر يعيش في بيت لوحده في المدينة القديمة ولكن البيت يكاد يسقط عليه لأنه يحتاج إلى صيانة وترميم

وهنا سألته عن الصيانة والترميم فأجاب: نحن من نقوم بصيانة بيوتنا بأنفسنا والمشروع لم يقد لنا شيئا أخبرونا ثلاث مرات بأنهم سيقومون بصيانة البيوت ولم نرى شيئا من كلامهم يتحقق حتى ولو تجولتم داخل المدينة ستشاهدون المباني والبيوت التي تحولت إلى خراب بسبب الإهمال وعدم الاهتمام ، لا أحد يهتم لأمرنا هنا ، اللجنة الشعبية يخدمون أنفسهم ، والجهاز حيثما وجد شئ جيد أخذه وقام ببيعه البعض منهم دخل حافيا وخرج " يلبس حذاء "  لا أحد منهم يهتم والكثير من الليبيين يسكنون هنا داخل بيوت مهددة بالسقوط في أية لحظة والمشروع يقوم بإيواء الأجانب في البيوت الجيدة المفروض عليهم أن يطرقوا أبوابنا ويسألونا عن أحوال بيوتنا وما إذا كانت تحتاج للصيانة والترميم أم لا ..؟ لا أن يتجاهلونا ويتجاهلوا وجودنا ، وأنا وأتمنى لو لم ينشؤوا هذا الجهاز " الأغبر " ( يقصد جهاز إدارة المدينة القديمة ) لأن الجهاز " خدم على نفسه " يسمسرون في المدينة القديمة وأنا مستعد لقول هذا الكلام في أي مكان .


       ومن اجل ان نحيط الموضوع برأي احد المهندسين المعماريين والذين كانوا يعون ما يحدث للمدينة القديمة قابلنا مع:

الأستاذ/ جمال اللافي- مهندس معماري:
بالنسبة لي لن أتحدث فقط عن مدينة طرابلس القديمة ولكن سأتحدث من خلالها، وتعليقي على سؤالك يشمل في طياته كل المدن القديمة في ليبيا، وذلك لأنني أرفض جملة وتفصيلا اختزال تاريخ وثقافة ليبيا العمرانية والمعمارية في مدينة واحدة، تسلط الأضواء عليها، وتترك باقي المدن في ركن مظلم يهددها الدمار الناتج عن إهمالها من قبل سكانها والمؤسسات المخولة بحمايتها. خصوصا بعد أن تأسس جهاز لإدارة المدن التاريخية... والذي استلم مسؤولياته من تركة سلفه مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس، وضم إليه أيضا مشروعي تنظيم وإدارة مدينة بنغازي القديمة ومدينة غدامس.

الإشكالية التي وقع فيها من تولى إصدار تأسيس هذا الجهاز، وجعل من مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس منطلقة، واعتبار أن القائمين على ذلك المشروع مخولين بحكم الخبرة لتولي مسؤوليات وأعباء أكبر، هي في كونه لم يقم بإعادة تقييم جادة لهذه المؤسسة ولا للقائمين عليها بدءا من أصغر موظف إلى أعلى مسئول. كما لم يقم بمراجعة وإعادة تقييم لجميع الفترات والمراحل التي مر بها هذا المشروع،

وعن سؤالنا إلى أين وصل وما الذي أنجز خلال السنوات الممتدة من 1985 حتى 2005 م. ؟

       أجاب المهندس جمال، لاشك أن مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس قد مر في بداياته بمرحلة التأسيس والتي تولى مسئوليتها أناس غير متخصصين في مجالات الترميم والصيانة ولا بمجالات العمران والعمارة ولا حتى بمجالات تنظيم وإدارة المدن القديمة، ولكن ما يحسب لهم هو تلك الغيرية والعشق لشئ اسمه مدينتهم القديمة.... ولكن هذا لا يغفر لمن حمّلهم هذه المسئولية، أنه لم يضع في حسبانه أن التعاطي مع المدن القديمة وتاريخها ليس مسألة عاطفية وأنه لن تحل المشكلة بالعشق وحده، بل لابد للخبرة والتخصص من وجود، ووجود قوي.... وما يعاب على تلك الفترة أن القائمين على المشروع لم يقوموا بأبسط القواعد وهي/

·        توسيع دائرة المهتمين بالمشروع والمتعاونين معه لتشمل الجامعات والمكاتب الهندسية الاستشارية والاستفادة من خبرتهم وتخصصاتهم المهنية المرتبطة مباشرة ببرامج ونشاطات المشروع. بل اكتفوا بمجموعة مختارة لم يؤخذ فيها مدى أهلية أغلبها لهذه المهمة، مما أدى إلى صدامات في الآراء والتوجهات، ترتب عليها انسحاب من كانوا أهلا لهذه المسئولية.

·        عدم تنظيم دورات متخصصة في مجالات إدارة وتنظيم المدن القديمة للعاملين به لتقليص الفجوة بين تخصصاتهم البعيدة وهذا المجال الجديد.

·        لم تعمق اتصالاتها مع المؤسسات الدولية ذات الخبرة والاستفادة من تجاربهم،

·        وأخيرا لم توجه أي إعلان في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة للخريجين أو المتخصصين للعمل بهذا المشروع.

والذي حصل أنه تم الاستعانة بعناصر عربية غير مؤهلة علميا ومهنيا للتعاطي مع هذا المجال. حيث استغلت عدم دراية المسئولين على إدارة المشروع بالمجال، فصالت وجالت وأرعدت وأزبدت، وكانت النتيجة وبال على هذه المدينة.

وبالتالي كانت النتيجة، ضياع خمس سنوات من عمر هذا المشروع، في تجارب عشوائية وارتجالية فيما يتعلق بموضوع ترميم المباني وكيفية التعاطي مع هذا الموضوع من الناحية المهنية. وتجارب ناجحة فيما يتعلق بأعمال التوثيق وتجميع الوثائق والمخطوطات، وفي مجال النشاط الثقافي للمشروع خلال شهر رمضان المبارك لعدة سنوات، والتي كانت امتدادا لبرنامج نظمته شعبة الثقافة بأمانة الإعلام والثقافة بداية من عام 1983 م.

وهي حقيقة لا تسفه الجهود التي بذلت ولا تنتقص من قدر القائمين عليه في تلك المرحلة، ولكنها توضح بعض جوانب القصور التي يجب الاستفادة منها في التجربة الجديدة لجهاز إدارة المدن التاريخية.

مع بداية 1990 م. انظم للمشروع مجموعة من خريجي قسم العمارة الجدد والذين كان لبعضهم ارتباط وثيق بفكرة التعاطي مع المدن القديمة من خلال المنهج الدراسي ومن خلال ارتباطهم كمجموعة طلابية تهتم بالتراث العمراني والمعماري المحلي بالأستاذ المرحوم علي سعيد قانه، الذي كانت له خبرة ودراية بهذا المجال، وقد استفادت المجموعة قبل التحاقها بالمشروع من رؤيته وخبرته، فكانت الانطلاقة الجديدة للمشروع، اجتمعت فيها الخبرة والحماسة والعشق الذي جمع إدارة المشروع مع هؤلاء المعماريين. ومن هناك بدأ مسار المشروع يأخذ منحى علمي جاد، لم تبخل فيه أمينة اللجنة التنفيذية عليهم بالدعم والتشجيع، ولم يبخلوا هم بالعطاء والتوجيه.

وما يعيب هذه المرحلة هذه الجوانب من القصور/

·        استمرار التعاطي مع موضوع الترميم والصيانة من خلال التجارب العشوائية، واستخدام مادة الإسمنت في الترميم وهي محظورة لعدم تفاعلها مع المواد الطبيعية التي بنيت بها المدن القديمة. وحجتهم أنه ليس هناك إمكانية للتعاطي مع المواد التقليدية.

·        في حين أن هناك مؤسسات ومصانع في ألمانيا تصنع الطوب الرملي وفي فرنسا تصنع الطوب الطيني بمختلف الأحجام. وبالنسبة للطوب الطيني فقد كانت أدوات التصنيع رخيصة وسهلة الاستعمال. ناهيك عن الطرق اليدوية والبدائية التي كانت تصنع منها قوالب الطوب الطيني سائدة في أقرب مدينة إلى طرابلس وهي غدامس.

·        لم يتم الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، ولم يتم تأهيل العاملين بالمشروع في هذا المجال.... وللحقيقة وللتاريخ، فقد أعدت أمينة اللجنة التنفيذية للمشروع برنامجا متكاملا بهذا الخصوص، ولكن اللجنة الشعبية لشعبية طرابلس التي تؤول إليها تبعية المشروع في تلك الفترة، أعاقت الكثير من البرامج بهذا الخصوص، وأسهمت في تحجيم دور المشروع ونشاطه العلمي.

·        تولى مسئولية إدارة الإدارات الهندسية في تلك الفترة مهندسين غير متخصصين في مجالات التخطيط والعمارة، وكانوا جميعهم من خريجي الهندسة المدنية وتحديدا في مجالات المياه والصرف الصحي... والذين كان لهم دور كبير في إفشال الكثير من البرامج وتعطيلها، لولا وجود فسحة في إدارة التوثيق والدراسات الإنسانية ممثلة في مديرها، والذي من خلاله كانت تمرر أغلب المقترحات والأفكار الجديدة إلى أمينة اللجنة التنفيذية والتي كانت دائما حريصة على اعتماد كل تلك المقترحات وتفعيلها.


·        نقطة مهمة جدا ظلت غائبة عن المسئولين بالمشروع ولا زالت غائبة، وهي إشراك سكان المدينة القديمة في القرارات والبرامج، حيث لم يتم إقحامهم في أي مشروع أو استطلاع آرائهم أو حتى تحسيسهم أن هذا المشروع يستهدفهم ويسعى إلى الارتقاء بمحيطهم. وظلوا حتى هذه اللحظة، مجرد متفرجين بين راض وناقد وساخط جدا.

لهذا عاش مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة تلك المرحلة 1990 إلى 2000 بين شد وجدب، بين من يشعرون بمسئوليتهم تجاه هذه المدينة وبين من لا يستوعبون الأهداف التي على أساسها أنشئ المشروع، نتيجة لغياب الاختصاص والاهتمام، وخلالها تم افتتاح خمسة مواقع تم ترميمها وإعادة توظيفها كفضاءات ثقافية.

وبعد ذلك حصلت عدة تغييرات في تركيبة جميع إدارات المشروع وتتابع عدة مسئولين عليه، وانحرف المشروع عن مساره كليا، وتولت الإدارات الهندسية مجموعة غير مؤهلة إداريا وعلميا، حرصت على التضييق على مجموعة المهندسين المعماريين والإنشائيين الذين اكتسبوا خبرة طويلة خلال السنوات التي مضت من عمر المشروع.

وقد ظل لفترة طويلة يتولى مسئولية إدارة العمليات والتنفيذ التي مهمتها الأساسية ترميم المباني، خريج من قسم المكتبات، ومديره التنفيذي متخصص في المياه ومديره العام عامل ميناء مسئول عن دخول وخروج السفن. والأسوأ من ذلك أن مديرة التخطيط والدراسات الهندسية لعدة سنوات، كانت معمارية، ولكن دورها كان يتركز فقط على إفشال أي برنامج هندسي يستهدف تطوير آليات المشروع، وحرصت خلال فترة تحملها لمسئولية إدارة التخطيط والدراسات الهندسية على منع تعيين أي مهندسين جدد ومحاربة العاملين معها والتضييق عليهم وسرقة أعمالهم وجهودهم ونسبتها إلى نفسها.

وفي هذه المرحلة ارتبكت جميع إدارات المشروع وتوقفت جميع برامجه ونشاطاته العلمية والمنهجية ما عدا إدارة التوثيق والدراسات الإنسانية التي ظلت حريصة على استمرارية برامجه، وأصدرت عدة دراسات تاريخية في شكل مطبوعات. وأصبح التركيز الوحيد على استثمار العقارات داخل المدينة القديمة في غير المشاريع التي تستهدف النهوض بالمستوى الثقافي للمدينة.

وبالرغم من أن بعض الجهات الرقابية حاولت التحري عما تسمعه من تجاوزات تحصل بالمشروع. ولكن بالنظر لعدم دراية القائمين على تلك الجهات بما حدث ويحدث فإنهم يعودون إلى مكاتبهم مبهورين بما شاهدوه من إنجازات تمت خلال السنوات السابقة لوجود هؤلاء أو لمساهمتهم في تحقيق هذه الإنجازات، ويطوى ملف المتابعة.

وأخيرا وبعد أن تم إنشاء جهاز إدارة المدن التاريخية والذي تؤول تبعيته إلى الهيئة العامة للسياحة، كان ذلك إيذانا رسميا بموت الرؤية الثقافية للمدن القديمة في ليبيا وبعث ثقافة السياحة.

وبتعيين أمين للجنة الإدارية للجهاز، تكررت نفس الأخطاء، ووجدت إدارة هذا الجهاز نفسها تعيش في دوامة لا مخرج منها إلاّ أن قدم أول أمين رسالة استقالته لرئيسه الأعلى وهو أمين الهيئة العامة للسياحة، وفصل الثاني لأنه لم يتوافق في توجهاته مع أمينه وعين مهندسا معماريا يعمل بأمانة السياحة، ليكون المسئول عن المرحلة الجديدة في عمر هذه المدينة، التي لم تستطع حتى هذه اللحظة لملمة جراحها وانكساراتها، وتم إحالة مدينة طرابلس القديمة أخيرا وبجرة قلم على عقد يخول لشركة إيطالية، لا ندري تخصصها ولا برنامجها، مسئولية التعامل مع هذا الموروث، وبالتالي أصبحت الرقابة على هذه الشركة بيد من ليس لديهم أية دراية ولا علاقة بكيفية التعاطي مع المدن القديمة ولا أساليب الترميم والصيانة ولا منهجية التخطيط ولا منهجية التفكير،. والتي ليس عندها حسابات للمدينة ولا لسكانها ولا لقيمتها التاريخية ولا لقيمتها الثقافية ولا حتى لقيمتها الاقتصادية.... فقط الرؤية السياحة للمدينة وهمّ السياحة والسياح هو الذي يشغلهم.  وتحول المشروع من مشروع ثقافي حضاري يستهدف نهضة البلاد وتأصيلها. إلى مشروع سياحي ، ليصبح بعدها تاريخنا وثقافتنا مجرد فلكلور نستعرضه ليتسول الليبيون من خلاله مرضاة السائح بتلبية رغباته والسهر على حماه. وماذا سنجني من وراء السياح والسياحة، غير خراب المدن القديمة وما ورثناه من قيم وأخلاقيات.

عشت مع مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة تجربة امتدت لأحد عشر عاماً، بداية من 1990 وحتى 2001 م، ولكني لم أنقطع بعدها عن التواصل مع مجريات الأحداث داخل هذه المؤسسة، ولا الجهاز الجديد..... وحالهما يبكي العدو قبل الصديق. ولكن لا حياة لمن تنادي.


ختاما:
أن نفتح ملف المدينة القديمة والفساد الذي جعلها أسوأ المدن المتوسطية من حيث المحافظة عليها وحمايتها، في محاولة لتصويب الأنظار إلى ما تعانيه المدينة القديمة بطرابلس لعله يدعو إلى الاهتمام والرعاية بها وتنبه إلى ضرورة عدم إهمالها لان إهمالها هو إهمال للتاريخ والتراث ومن يهمل هذا الجانب لا يستحق ان تغمض العين عليه ويجب ان يعرض للمسالة والمحاكمة ربما فالإهمال جسيم والضرر لا يطاولنا بشكل مباشر لا كنه يؤثر علي غدنا الذي نريد له ان يكون مشرقا وعلي الجهات المسؤولة التي غفلت علي الأغراب وهم يملؤون المكان حتي صار السكان  يعيشون تحت ظلال الخوف من الأعداد الكبيرة من الأفارقة والعرب، الذين يتزايدون باستمرار. وسنواصل متابعة هذا الملف حتي يستفيق المسئول من سباته .





نشر في جريدة أويا

الأربعاء، مايو 28، 2014

محاضرات


برعاية مصلحة الآثار والمعهد الثقافي الإيطالي، ستقوم المهندسة المعمارية الايطالية/ لاورا باراتين، بتقديم كتاب بعنوان (السرايا الحمراء تجربة بحث للمحافظة عليها).

وذلك بقاعة المحاضرات بالمتحف الوطني/ قلعة السرايا الحمراء- طرابلس، عند الساعة الخامسة والنصف مساء الخميس الموافق 2014.05.29  م.

الجمعة، مايو 16، 2014

إشكالية الأصالة والمعاصرة



جمال اللافي


إشكالية الأصالة والمعاصرة. هي وليدة فكر الحداثة. الذي ظهرت تجلياته كفكر مهيمن على الساحة العالمية وتحديداً على جميع مجالات الفنون والآداب، فيما بين القرنين التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين.

وهي لم تكن قائمة قبل هذا العصر. حيث كانت الأصالة والمعاصرة في حالة تماهي معاً. فكانت المعاصرة وليدة الأصالة وكانت الأصالة ضمن إطار المعاصرة. وبالتالي لم تكن هناك أزمة هوية ولا مؤامرة تغريب. فقط كانت هناك عمارة تعبر عن بيئتها ومحيطها أصدق تعبير.

وهذا لم يكن يعني أن الانتاج المعماري والفني كان منعزلاً برمته عن حركة التواصل بين الشعوب والأمم والثقافات، بقدر ما كان يخضع لعملية تقييم ذاتي مستمر، وإعادة توظيف وفق شروط وظروف ومعطيات تتعلق بالبيئة والثقافة والحاجة والتقنية.

ولا أدلَّ على ذلك من عمارة البحر الأبيض المتوسط، مهد الحضارات القديمة والجديدة، التي ولدت وترعرعت على ضفافه، فهي عمارة لها ركائزها العامة مثلما لها خصوصيتها بين الدول المتجاورة. بحيث يمكننا القول بوجود عمارة متوسطية، مثلما يمكننا القول بوجود عمارة محلية.

وهذه الإشكالية، هي محصلة أو نتاج طبيعي لمناهج أغرقت بها مؤسساتنا التعليمية، على مختلف مستوياتها ومجالاتها، أغفلت عن عمد وتجاهل لهذه الخصوصية المحلية وهذه العلاقة المترابطة بين ما يجب أن نقبل به كامتداد طبيعي، وبين ما يستحق إعادة النظر والتقييم والمراجعة ومن تمًّ التجديد وفق شروط ومعطيات البيئة والثقافة والحاجة والتقنية.

وبالتالي عندما نتكلم عن عمارة لها جذور، فهذا يعني بالضرورة أنها منسجمة مع روح العصر وحاجات المجتمع والأفراد. وعندما نتكلم عن الهوية المحلية، فنحن نتكلم عن مطلب فطري يبدأ من الإنسان كفرد ليمتد ليشكل حالة اجتماعية تتفق فيها القرية مع المدينة مع الدولة. وهذه الهوية هي وليدة بيئتها وثقافتها وهي أيضاً تتحقق من خلالها متطلبات وحاجات المجتمع. ودائما ما تواكب تطور التقنيات، التي تستطيع تلبية هذه الاحتياجات المستجدة.

أقول: عيني على الماضي وقلبي في الحاضر وفكري يرنو إلى المستقبل. فلو تجاهلت الماضي فأنا أغلق عيني عن رصيد هائل من التجارب والخبرات المتراكمة عبر أجيال موغلة في القدم. ولو تجاهلت واقعي، فسأجعل عجلت الحياة تتوقف عن المسير. ولو منعت عقلي عن التفكير في المستقبل، عندها ستفقد الحياة برمتها معنى وجودي كإنسان على هذه الأرض.

هي معادلة يسيرة على الأفهام، ولا تحتمل الاختلاف حولها أو أي جدل عقيم.

السبت، مايو 10، 2014

محاضرات




بدعوة من المركز الثقافي الإيطالي وبرعاية جهاز إدارة المدن التاريخية بطرابلس سيلقي المعماري لودوفيكو ميكارا ( Ludovico Micara ) محاضرته عن "مدينة طرابلس المتوسطية".

وذلك عند الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم السبت الموافق 17 مايو 2014م. بدار حسن الفقيه حسن للفنون بالمدينة القديمة – طرابلس.  


و الدعوة عامة ..

الثلاثاء، أبريل 29، 2014

حانت الساعة





جمال اللافي


عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة سؤال جبريل عليه السلام عن الإيمان والإسلام والإحسان، وفي آخره قول جبريل عليه السلام: فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ما المسؤولُ عنها بأعلمَ من السائل " قال: فأخبرني عن أمارتها ؟ قال: " أن تلد الأمةُ ربَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراةَ، العالةَ رِعاء الشاء، يتطاولون في البنيان"[1].



بداية،

      هذه المقالة ليست محاولة لتفسير نص شرعي. ولكنها قراءة لهذا الحديث الشريف من منظور واقع المجتمع الإسلامي اليوم. وتأمل لظاهرة معمارية تنتشر في عالمنا الإسلامي، لا يرتجى من ورائها خير.


الموضوع،

لماذا أخبرنا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن من علامات الساعة، أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ولماذا وصفهم بهذا الوصف تحديداً (الحفاة العراة العالة رعاء الشاء)؟

ما يجب أن نعرفه أولاً، أن حالة التطاول (على وزن التفاعل)، نفهم منها أنها تعني التنافس في الارتفاع بالمباني إلى أقصى حد ممكن والتفاخر بذلك، وكلما وصل مبنى إلى حد معين نافسه الآخر بالزيادة عليه ولا تتوقف العملية عند حد، بل هي في استمرار لا يتوقف إلاّ بوجود رادع أو مانع قوي.

وهذا التطاول في البنيان (أي الارتفاع به في السماء) ليس مذموما لذاته، عندما يأتي ذلك تعبيراً عما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من تقدم علمي وتطور تقني ولضرورة تستدعيها الحاجة لذلك ومنفعة لعموم الناس. فالإسلام لا يتعارض، لا مع العلم ولا مع التقدم التقني ولا مع عمارة الأرض ولا مع المصلحة العامة، في غير إسراف ولا تبذير.

·        إذاً، أين تكمن المشكلة في هذا الموضوع؟
·        وهل هناك مشكلة أصلاً؟
·        ولماذا لا نعتبر الأمر مجرد إقرار بمرحلة من التقدم العلمي والتقني ستصل إليها الحضارة البشرية. وتكون تلك المرحلة علامة على استيفاء الدنيا عمرها الزمني. فقط ليس إلاّ؟

كان يمكن أن يأتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بغير تلك الصيغة، إذا كانت الغاية من الموضوع هي الإقرار بنهاية الدنيا عندما تصل الحضارة الإنسانية إلى هذه المرحلة من التقدم العلمي والتقني. ولكنه الذي قال فيه المولى عز وجل في محكم كتابه الكريم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[2] ، وبالتالي لا يمكن أن تأتي هذه الجملة عبثاً.

إذاً، هي إلى جانب كونها إقراراً بمرحلة ستأتي، فهي ذم في معرض مدح. ذم لحالة أقوام (الحفاة العراة رعاء الشاء) في معرض مدح لمرحلة من التقدم العلمي والتقني (التطاول في البنيان) ستصلها البشرية في يوم ما.

·        ولكن، من هم هؤلاء الحفاة العراة- وسنتجاوز قليلا عن مسألة الخوض في معنى "رعاء الشاء"؟
·        ولماذا وصفوا بهذا الوصف المشين تحديداً؟

لا أعتقد جازماً كغيري، أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: " ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء" [3]. يصدر عنه كلمات تستهزئ بقومه أو يستهين بهم أو ينتقص من قدرهم. وهو في معرض تعليمهم أمور دينهم ويأمرهم بحسن الخلق. فيخاطبهم بوصفه لهم بالحفاة العراة رعاء الشاء وبأن الدنيا ستنتهي عندما يتطاولون في البنيان.

عندما يوصف الإنسان بأنه حافي القدمين عاري الجسد، فهذا يعني أنه وصل في مرحلة الفقر إلى درجة شديدة من العوز بحيث لا يمتلك ما يستر به جسده أو يحمي به قدميه عند المشي على الأرض.


وعليه نفهم من هذا الحديث الشريف، أنه يقرُّ بوجود حالة من التمايز الطبقي ستكون بين المسلمين تصل إلى ذروتها القصوى من السفه وانعدام الضمير، أن يطلع حكام المسلمين وأثرياهم على سوء أحوال عموم المسلمين في أوطانهم أو في كثير من دول العالم نتيجة استشراء الظلم والعدوان الواقع عليهم وانعدام فرص العيش الكريم لديهم، فيكتفون بمجرد النظر ولا يبالون بنجدتهم ولا بتحسين أحوالهم ولا بتوفير مصادر العيش الكريم لهم ولا بالدفاع عنهم ولا بتأمين حاجاتهم الضرورة من كساء وغطاء ومأكل ومشرب. وربما يشاركون في تأزيم هذه الحالة لغاية في نفوسهم. وهي في بعض منها استغلال لحاجة هؤلاء البؤساء وتسخيرهم في خدمتهم وتلبية رغباتهم وإشباع شهواتهم. وصرف أموالهم في بناء ناطحات السحاب التي تتنافس في الطول والزيادة، لمجرد التفاخر بهذا الأمر بينهم وإشباع نزعة الغرور عندهم. وهذا واقع تقره الكثير من المصادر الإعلامية والحقائق المرصودة اليوم.


وهذا الحديث الشريف في صيغته هذه، هو إقرار أيضا  بحجم الانحدار الحضاري والتخلف القيمي والاجتماعي، الذي ستعايشه الأمة الإسلامية على وجه التحديد في يوم ما، يقابله مظاهر فارهة من العمران في نطاق الخواص من حكامها ومترفيها، ولا يصب في مصلحة وفائدة ومنفعة عموم المسلمين، الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ولا يجدون مأوي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء. يقابلها مظاهر استهلاكية، لا تعرف طريقها للإنتاج. ولهذا جاء الإقرار بكونهم عالة رعاء الشاء، لتدل على أن كل هذه المظاهر العمرانية لا تقابلها أي مظاهر حقيقية للمدنية في واقع حال المسلمين. بل هي مدنية مستجلبة بفعل كثرة الأموال من دول أخرى متقدمة علميا وتقنيا وصناعيا لتوضع في بلاد المسلمين فقط من باب التطاول والتفاخر والمباهاة. أما الواقع فيقول أنهم قد انحدروا في سلم الحضارة الإنسانية إلى مرحلة بدائية هي مرحلة الرعي (رعي الشياء).


      ولهذا جمع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المترفين مع عامة الناس تحت مصطلح أو معرف (الحفاة العراة رعاء الشاء)، للإقرار بحالة عامة ستكون منتشرة في آخر الزمان يغلب عليها هذه الصفات. بغض النظر عن وضع المترفين وهم قلة، ترتدي أفخم الملابس وتنتعل أجود أنواع الأحدية، لأن القاعدة تأخذ بالغلبة وليس بالاستثناء.

     وكيف تستقيم الأمور في مجتمعات غالبتها العظمى من الحفاة العراة المتخلفين في السلم الحضاري عن الشعوب والأمم التي تجاورهم، أن يصرفوا أموالهم في التطاول في البنيان بدلاً من تحسين أحوالهم وظروفهم المعيشية ودفع ضرر العوز عنهم؟! وبالتالي فهذا الحديث جاء في معرض ذم لهذه المرحلة، التي يتفشى فيها الظلم الشديد والفساد، إلى هذه الدرجة من التباين الطبقي بين مجموعة من المترفين ومجتمعات من المعوزين. رغم توفر الأموال والثروات الطائلة التي تكفي الجميع وزيادة. 



      وكان من الطبيعي والمفترض، أن يتداعى الجسد الإسلامي لبعضه البعض في أحلك الظروف، فإن اشتكى عضو فيه تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. وإن لم تتداعَ سائر الأعضاء لشكوى عضو، فهذا يعني أن الخلل أو المرض أو ضعف المناعة قد أصابها كلها بحيث أعجزها عن نجدة بعضها البعض.

     ولهذا اعتبر المترفون وهم قلة يعيشون في مجتمعات غلب عليها الفقر المدقع وغياب فرص العمل والعيش الكريم لعامة المسلمين، في حالة ميؤوس منها لا تمكنهم من نجدة إخوانهم المسلمين المحتاجين إلى عونهم، لأنهم هم أيضا يعانون. ولكن ليس من الفقر، بل من حالة نفسية مرضية مستعصية هي قسوة القلوب وانعدام الرحمة فيها وانتفاء العدل عنها .

      وقسوة القلوب مجلبة لغضب الرب. وهو إقرار في حقيقته بما ستصل إليه البشرية في عمومها والمجتمع الإسلامي على وجه التحديد من انحطاط أخلاقي في مقابل التقدم العلمي. ولأن الأخلاق هي المقوم الأساسي لوجود البشر بعد توحيد العبودية لله على وجه الأرض. فقد انتفى بغيابها هذا المبرر لاستمرار الحياة البشرية.

وحيث أن هذا الحديث الشريف يقر بعلامة من علامات آخر الزمن، إلاّ أنه لا يعني بالضرورة نهاية العالم. بل ربما هي إقرار بوضع غير طبيعي، لا يفترض أن يكون عليه حال الأمة الإسلامية في يوم ما. حال وجب تغييره عندما يقع. ولأنه واقع اليوم، فلا نجد ما نقوله غير:


حانت الساعة... ساعة التغيير للأفضل.




[1] الحديث بطوله رواه مسلم 

[2] - الآية (4) - سورة النجم.

[3] - رواه البخاري في الأدب وأحمد وابن حبان والحاكم.


الخميس، أبريل 24، 2014

الوطن




دكتور/ العارف عكعك

هناك من يسكن الوطن. وهناك من يسكنه الوطن.

الوطن، ليس غنيمة نبحث عنها إن وجدناها أحببناه وإن تعذّرت كرهناه .

الوطن،  ليس بيتاً فارهاً إن اقتنيناه قدسناه وإن سكنّا في فلاةٍ نظل نلعنه كلّ حين.

الوطن،  ليس حياة رغيدة تخلو من المشاكل والمنغصات.

هو، ليس فقط خدمات مجانية... وتوظيف حكومي من أجل مرتب بدون عمل.

هو ليس شعاراً يرفع وليس جنسية تحمل على جواز السفر وليس مجرد أوراق ثبوتية. وفوق كل ذلك هو ليس الحكومة، ولا موظف الدولة، ولا نائب البرلمان وبالتأكيد هو ليس المؤتمر الوطني.

فما الوطن ؟!
هو جغرافية المكان الممزوجة بروح تاريخ الأجداد و جهادهم.
هو تضحيات الآخرين من أجل أن تنعم بالحياة أنت وأنا.
هو التراب المخلوط برميم عظام الأسلاف، نمشي عليه وتتعفر به ثيابنا ووجوهنا. هو عبقهم.
هو الأزقة الضيقة والشوارع الواسعة وهو طوابي الهندي وأشجار النخيل والزيتون.

هو شط البحر. هو، الجبال الشامخة والصحارى والواحات والسهول والوديان. هو، الجنوب بمُرزقهِ الجميلة و كُفرتهِ الشامخة وأوباريه الهادئة. هو، جغبوب السنوسية في شرقه وغدامس العراقة في غربه. هو، الساحل بكافة مدنه وقراه. هو، كل حبة رمل فيه. هو، كل شيئٍ فينا وفيه.

هو ذكريات الصبا و لعبة تنقيز الحبل والنقيزة والزربوط والبتش بتيره الضخم. هو، أصدقاء الدراسة وقصصهم. هو، ذكريات لمات الزرادي والسمر. هو لحظات الفرح ولحظات الحزن.

هو دعوات الوالدين لك وأنت تغادر بيتك لتتعلم حرفا أو تكسب رزقا. هو، تجمع أسرتك في الظهيرة و بعد مغيب الشمس أمام التلفاز وحول أكواب الشاي .

هو جلسات مع الأصدقاء على ركابات البيوت وفي المقاهي على فناجين القهوة ورائحتها المميزة. هو، ضحكات وقفشات الأهل والأحباب .

هو الجار الذي يبتسم لك كلما قابلك ويزورك في فرحك وحزنك .

هو أولاد شارعنا القديم .... هو محطات قطار العمر بحلوها و مرها.

هو الحنين .. الدفء .. الحب .. العشق ..

هو والدتك .. ووالدك .. و جدتك و جدك ..

هو كل ذلك وأكثر ..

هو انتماؤك لكل ما سبق ، وإيمانك بهويّتك، بأنك جزء من كل ذلك، تؤثر وتتأثر .

باختصار،

الوطن، هو أنت بسحنتك وملامحك وثقافتك وإرثك  .

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...