أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، مارس 07، 2025

مزايا ومآخذ الاستثمار العقاري في ليبيا


يمثل الاستثمار العقاري في ليبيا فرصة حقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه يتطلب نهجاً يتجاوز مجرد السعي لتحقيق أرباح سريعة. إن بناء المشاريع المعمارية والعمرانية لا ينبغي أن يكون نشاطاً تجارياً فقط، بل عملاً يعكس انتماء المستثمرين لوطنهم، وحرصهم على عمارة الأرض وتوفير ملاذ آمن للأسر من خلال المساكن والخدمات المجتمعية. وبينما يواجه القطاع العقاري في ليبيا العديد من التحديات، مثل التسرع وغياب الجودة وافتقار الرؤية الشاملة، يبقى الاستثمار الواعي والمستدام هو المفتاح نحو تحقيق مستقبل مشرق، حيث يجمع بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية.

الإيجابيات:

  1. دعم الاقتصاد المحلي: يسهم الاستثمار العقاري في تحفيز الاقتصاد من خلال توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة. فعلى سبيل المثال، المشاريع العقارية تحتاج إلى أيادٍ عاملة في مجالات متعددة، من البناء والتصميم إلى التسويق والإدارة.
  2. تحسين البنية التحتية: عندما تُنفذ المشاريع العقارية بشكل جيد، فإنها تعزز من البنية التحتية وتوفر المرافق الأساسية مثل الطرق والمدارس والخدمات الصحية.
  3. زيادة المساكن والخدمات: يساعد الاستثمار العقاري في تلبية الاحتياجات المتزايدة للإسكان والخدمات العامة، ما يعزز من استقرار الحياة اليومية للمجتمعات.

المآخذ:

  1. التركيز على الأرباح السريعة: يعاني القطاع العقاري في ليبيا من غياب رؤية طويلة المدى، حيث يسعى العديد من المستثمرين إلى تحقيق الكسب السريع على حساب الجودة والاستدامة.
  2. ضعف التخطيط الحضري: كثيراً ما تُنفذ المشاريع دون مراعاة للتصميم الحضري، مما يؤدي إلى نقص المرافق المتكاملة والخدمات الضرورية للسكان.
  3. إهمال الهوية الثقافية والبيئية: لا تأخذ العديد من المشاريع العقارية في ليبيا بالاعتبار الهوية المعمارية المحلية ولا توفر حلولاً بيئية مستدامة، ما يخلق فجوة بين التصميم الحديث والاحتياجات البيئية والثقافية.

المقارنة مع تجارب أخرى:

يمكن لليبيا الاستفادة من تجارب دول أخرى استطاعت تجاوز تحديات مشابهة. على سبيل المثال، هناك بلدان اعتمدت معايير صارمة في التصميم الحضري والاستدامة البيئية مما أضاف قيمة أكبر للمجتمع والاقتصاد معاً.

الحلول والاقتراحات:

  • تعزيز التخطيط الحضري: يجب تنفيذ المشاريع العقارية ضمن رؤية حضرية شاملة تحقق توازناً بين المرافق السكنية والخدمات والحدائق العامة.
  • استخدام تقنيات ومواد مستدامة: اعتماد مواد بناء وتقنيات صديقة للبيئة يمكن أن يعزز من كفاءة المشاريع ويقلل من أثرها السلبي على البيئة.
  • إعادة تأكيد الهوية المحلية: تطوير المشاريع العقارية بما يراعي التراث الثقافي والهوية المعمارية الليبية.

الخاتمة:

في الختام، يحتاج الاستثمار العقاري في ليبيا إلى نهج أكثر شمولية واستدامة، يحقق التوازن بين تحقيق الأرباح وتعزيز رفاه المجتمع. من خلال التخطيط الجيد واعتماد المعايير المستدامة، يمكن لهذا القطاع أن يصبح محركاً للنمو والتنمية يضمن مستقبل أفضل للجميع.

الأربعاء، مارس 05، 2025

ليست أكثر من ورقة

مجمع لوحدتين سكنيتين وصالة استقبال رجال- تمً تنفيذه دون إشرافي على التشطيبات


جمال الهمالي اللافي

    في يومٍ ما، ظنوا أن أخذ ورقة مني سيقيد طموحاتي، يمنعني من السعي وراء أحلامي، ويعرقل مسيرتي نحو تحقيق واقعي. اعتقدوا أنني سأكون أسيرًا لقطيعٍ يتبع توجهات فكرية ومشاريع معمارية لا تنتمي إلى بيئتنا، بل تتعارض مع قيمنا. لكنهم كانوا مخطئين، بقدر الخطأ الفادح الذي ارتكبوه بحقي وحق كل طالب التحق بقسم العمارة، سواء تخرج بامتياز أو تمّت إعاقة مسيرته مثلي.

    الورقة ليست سوى وهم، فالتاريخ حافل بإبداعات المبدعين الذين لم يحتاجوا إلى ورقة لإثبات وجودهم وتحقيق إنجازاتهم. ما احتاجوا إليه كان إرادة قوية، إيمانًا عميقًا، وقدرة على التغلب على التحديات. لم أدخل مجال العمارة من أجل ورقة، بل كانت وسيلتي لترجمة أفكاري إلى تصاميم واقعية.

    في عالم العمارة، أدواتي الفعلية هي القلم، المسطرة، ثم الفأرة وجهاز الكمبيوتر. بوجود الورقة أو غيابها، سأظل أنا بقوتي وعزيمتي قادرًا على إحداث الفارق وترسيخ رؤيتي وإيصال رسالتي في عالم العمارة والعمران.

    الورقة التي يتحدثون عنها، مجرد شهادة تُمنح من هيئة تدريس تعتمد في منهجها الدراسي على مراجع غربية. هل يمتلكون الفهم العميق لهذه المراجع؟ هل يستطيعون تحليلها، نقدها، وإعادة تقييمها؟ أم أنهم يكتفون بنقل ما هو موجود دون إجهاد عقولهم بالتفكير في ترسيخ قيمنا وتحقيق رؤية واضحة المعالم لعمارة تعبر عن هويتنا، عمارة تنتمي إلينا؟

    لهذا، لا تتوقف رحلة الإبداع عند حدود الورق، بل تتجاوزها إلى عالم الأفكار، عالم الإصرار، وعالم التميز. سأستمر في السعي لتحقيق رؤيتي، ملتزمًا بقيمي وبمبادئي، واضعًا بصمتي في كل مشروع معماري، مهما كان حجمه أو مساحته.

الثلاثاء، مارس 04، 2025

العمارة المحلية في ليبيا: رحلة عبر التاريخ

 

العمارة المحلية- المساكن الطرابلسية

جمال الهمالي اللافي

مقدمة

     العمارة المحلية في ليبيا هي وليدة تراكم خبرات الأجداد في التعاطي مع المؤثرات الاجتماعية والبيئية. من هذا المنطلق، دعونا نستعرض تقييم جمال الهمالي اللافي للعمارة المحلية وتأثير الحقبتين العثمانية والإيطالية عليها.

التأثيرات الاجتماعية والبيئية

     العمارة المحلية في ليبيا هي نتاج تفاعل الإنسان مع الظروف البيئية والاجتماعية المحيطة به. هذه المؤثرات البيئية تشمل الظروف المناخية، العوامل الجغرافية، ومواد البناء المحلية التي توفرها الطبيعة المحيطة بالمكان. الظروف الاقتصادية، بدورها، تؤثر بشكل متفاوت على الأفراد داخل نفس المحيط الاجتماعي حسب القدرة المالية.

ليبيا: تاريخ عريق في الحضارة الإنسانية

     ليبيا ليست جديدة في الحضارة الإنسانية. تاريخها يمتد إلى بدايات المستوطنات البشرية الأولى التي عمّرت المكان بالبنيان والزراعة والصناعات. أثرت الثقافات المتباينة تباين تضاريس كل رقعة من ليبيا، وأدت إلى تكون هوية ثقافية فريدة تجسد فهم وإدراك السكان لاحتياجاتهم الجمعية.

حقبة العثمانيين

سوق المشير وبرج الساعة أحد منجزات الحكم العثماني على الطراز المحلي

     العثمانيون لم يأتوا إلى دولة خالية من العمران أو سقيمة الثقافات. جاءوا فاتحين وبعضهم غازين، ليحكموا في رقعة غنية بثقافتها وشواهدها العمرانية والمادية. لم يكن هناك تأثير مباشر للعمارة العثمانية كما هي في بيئتها الأصلية على العمارة المحلية. ولكن، رأينا إسهامات ومنجزات متأثرة بالمؤثرات المحلية في مجالات العمران والفنون والعادات والتقاليد. العقيدة الواحدة التي جمعتنا بهم كانت القاسم المشترك، مما جعل العمران في حقبتهم محليًا بالتأثر والتأثير.

الحقبة الإيطالية

العمارة الإيطالية- نموذج من مساكن المستوطنين

     الغزو الإيطالي لم يكن له تأثير إيجابي على العمارة المحلية. كانت منجزاتهم موجهة للمستوطنين ولم تستهدف أصحاب المكان، مما جعل عمرانهم وثقافتهم دخيلة ولم تتشربها الثقافة المحلية. تأثيرهم على المجتمع الليبي كان ضارًا، مما أدى إلى اختفاء السمات المحلية وعمّت الفوضى بعد خروجهم. لهذا لا تعتبر مرحلتهم ضمن السياق الطبيعي لتطور العمارة المحلية.

خاتمة

     شواهد الحقبتين العثمانية والإيطالية في ليبيا تدل على وجودهما في فترة معينة ولكنها ليست دالة على تطور العمارة الليبية. العمارة المحلية في ليبيا تعكس تراكم خبرات الأجداد وتفاعلهم مع المؤثرات البيئية والاجتماعية، مما يجعلها فريدة ومتأصلة في تاريخ وحضارة هذا البلد.

الأربعاء، يناير 22، 2025

أهمية الحفاظ على الدقة في عرض الموروث الثقافي في المتاحف والمقاهي


جمال الهمالي اللافي

مقدمة

بدأت ظاهرة أراها من وجهة نظري طيبة وتبشر بمستقبل واعد في العودة لموروثنا الثقافي بشقه المعماري وجوانبه المكملة له. وذلك في قيام بعض المواطنين بإنشاء متاحف ومقاهي تلامس في ملامحها العامة روح الموروث الثقافي.

أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي

ما يعيبها ويفسد قيمتها التوثيقية أنها لا تتحرى الدقة في التعاطي مع عناصر وتفاصيل هذا الموروث. فترى البعض يخلط بين التفاصيل المعمارية للعمارة المحلية وعمارة جارتها التونسية والمغربية. ويخلط بين المقتنيات الشعبية وغيرها من المقتنيات لثقافات عربية وأوروبية، ورثها أو اقتناها أو أُهديت إليه.

الأخطاء الشائعة في عرض الموروث

في هذه الجزئية يفترض به التمييز بينها في العرض بالإشارة كتابياً إلى مصدر هذه المقتنيات والعناصر والمفردات ما بين ما هو منتمي للموروث الثقافي وما هو مستجلب من مصادر أخرى. وخصوصاً عندما تستضيف هذه المتاحف والمقاهي الملحقة بها زواراً متنوعي الاهتمامات والمشارب، كطلبة المدارس مثلاً.

نصائح لتحسين عرض الموروث

نصيحة مخلصة مشفوعة بتقديرنا لجهودهم نقول، فقط تعاملوا مع الموروث بحرص ودراية. ولا تُدخلوا عليه أشياء ليست منه ولا تشوهوه بعدم المبالاة في التعاطي معه.

خاتمة

التفاصيل الدقيقة في العمارة والمقتنيات الثقافية تلعب دوراً كبيراً في نقل الصورة الحقيقية للتراث. عندما يتم خلط العناصر المحلية مع عناصر من ثقافات أخرى دون توضيح، يمكن أن يؤدي ذلك إلى فهم خاطئ للتراث الثقافي. لذلك، من المهم التمييز بين ما هو أصيل وما هو مستجلب، وتوضيح مصادر هذه العناصر للزوار.

الأحد، ديسمبر 29، 2024

بين المظاهر والواقع: طرابلس كمرآة لمدننا وأحلامنا

 

صورة لأحد شوارع مدينة طرابلس في يوم ماطر

جمال الهمالي اللافي

الدخول في التفاصيل يكشف لنا ما خفي من الأشياء التي تبدو لنا من بعيد رائعة وجميلة. المناظر العامة لمدينة طرابلس التي يلتقطها المصورون المبدعون، علمتني أن لا أنخدع وانبهر بمظاهر الأشياء. فهذه مدينة أعلم جيداً كم هي بائسة ومثقلة بالقبح المعماري لمبانيها وفوضى العمران وتهالك البنية التحتية وتدني الخدمات والمرافق في كل تفاصيلها، ومع ذلك تظهر جميلة جداً في تلك الصور. فما بالكم بمدن وأشخاص وأشياء لا نعلم عنها شيئاً غير ما نراه في الصور الفوتوغرافية لمصورين يحترفون انتقاء الزوايا الجميلة."

صورة لآحد مناطق العاصمة في يوم ماطر

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى ظاهرة مشابهة تُعرف بـ "متلازمة باريس[1]". تصيب هذه الحالة غالب السياح اليابانيين الذين يزورون باريس، حيث يشعرون بصدمة نفسية وخيبة أمل كبيرة عندما يجدون أن المدينة تختلف كثيراً عن الصورة الرومانسية المثالية التي كانوا يحملونها عنها. يشمل الواقع ازدحام الشوارع، التصرفات غير المتوقعة من بعض السكان، والتوترات اليومية في المدينة.

علينا أن نتذكر أن الجمال الحقيقي يكمن في التفاصيل، في الروح الحية للأماكن والناس في رقي الخدمات وسلامة البنية التحية للمدن. الصور الفوتوغرافية قد تعكس جمالًاً ظاهرياً، ولكنها نادراً ما تستطيع نقل الحقيقة الكاملة. لذلك، دعونا نتعلم أن نقرأ بين السطور، ونبحث عن العمق والجمال الحقيقي فيما نراه ونعيشه، لا في أوهام الصور.



[1]- "متلازمة باريس" تعكس بوضوح التناقض بين المظاهر والواقع، وتعزز الفكرة أن الصور المثالية التي نراها قد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة. كذلك يمكن أن تكون تصوراتنا عن الأماكن مبنية على الصور والأفلام والروايات المثالية، بينما يكشف الواقع تفاصيل أخرى مختلفة.  

السبت، ديسمبر 28، 2024

المعماري المسلم: بين الشغف والمسؤولية

 

مشروع إسكاني إستثماري لذوي الدخل المحدود- تم تطبيق معايير العمارة البيئية عليه


جمال الهمالي اللافي

ليس كافياً أن تكون شغوفاً بمجال العمارة منذ حداثة سنك. فالأهم من ذلك أن تعرف كيف تسير في دربها الصحيح مهما صعبت عليك مشاقه. وألاّ تنحرف عنه إلى تلك الدروب التي بداياتها تشع بالأضواء المبهرة، لتجد نفسك في نهاياتها تسير في دروب كالحة السواد، نهاياتها جرفٌ هارٍ. العمارة مسؤولية شرعية وأخلاقية تجاه مجتمعنا المسلم. فكر دائماً فيما تصممه، لماذا ولمن؟

الفرق بين القدرة والقناعة

هناك فرق كبير بين أن تُعجزك قدرتك على فعل الشيء، وبين أن تُعجزْ قناعاتك قدرتك على فعل الشيء نفسه. التماهي في التصميم المعماري مع العمارة الغربية ليس بالأمر الصعب على من يمتلك القدرة يقيناً. ولكن عندما تقف القناعات والمبدأ أمام هذه القدرة، لتصنع لها مساراً يلتزم بالمسؤولية في الحفاظ على قيم المجتمع من التحلل والتفسخ بفعل تأثيرات عمارة دخيلة تناقض في منطلقاتها الفكرية وأشكالها المعمارية، معتقدات المجتمع الدينية والأخلاقية، بالإضافة لمعطيات البيئة الحلية، فتلك هي القدرة بعينها.

المسؤولية تجاه المجتمع

القدرة الحقيقية لا تسقط أمام إغراءات المادة ومتطلبات الشهرة ولا انحراف المجتمع عن قيمه ومعتقداته الدينية تحت تأثير تعليم فاسد وإعلام مُضلل. إعادة قيادة المجتمع لتصحيح مفاهيمه الخاطئة، وإنقاذه من الانحراف عن جادة الصواب، هو الثمن الغالي الذي يدفعه المعماري المسلم، ولا يقبضه إلاّ رضاً عن كونه ينتمي لهذه العقيدة السمحاء وهذه الأمة العظيمة.

نحو عمارة مستدامة وقيمية

المعماري المسلم يجب أن يكون دائم التفكير في تصاميمه، وألا ينحرف عن المبادئ الأساسية التي تحافظ على قيم المجتمع وأخلاقياته. العمارة ليست مجرد أشكال وتصاميم، بل هي رسالة وقيم يجب أن تعكس هوية المجتمع وانتماءه الديني والثقافي.

استخدام المواد المستدامة والتصاميم البيئية يقلل من الأثر البيئي ويضمن التناغم مع الطبيعة. كما أن توظيف التكنولوجيا الحديثة يساهم في تعزيز القيم الإسلامية في التصاميم، من خلال استخدام البرامج الحاسوبية وتقنيات البناء المبتكرة، يمكن للمعماري المسلم إنشاء تصاميم مستدامة وجميلة تعكس هوية المجتمع.

الجمعة، ديسمبر 27، 2024

الملامح المعمارية للمساجد فى ليبيا[1]

 

زاوية عمورة بمدينة جنزور

اعداد/ م صالح بشير المزوغى

مكتب فسيفساء مهندسون استشاريون

 

مقدمة

كان للظروف الجغرافية و المناخية  و الاقتصادية و السياسية تاثيرا واضحا على التكوين المعمارى  للمبانى القليلة و المحدودة العدد و المتناثرة بين المنطقة الساحلية أو الجبلية أو فى عمق الصحراء فى ليبيا  معظم هذه المبانى هى المساجد و الزوايا و بعض القلاع و الحصون القديمة و القلة القليلة من البيوتالسكنية  ...فليبيا بطبيعتها الجغرافية و التاريخية  كانت ولازالت حلقة الوصل المفرغة  بين المشرق العربى والمغرب اللذين ازدهرت فيهما العمارة على مر القرون نتيجة التفوق المادى الناتج من تمركز الحكم و السلطة فيهما  ولقد كانت  ليبيا و لازالت الفاصل بين المشرق و المغرب كما أنها الواصل بينهما و بين العمق الافريقى الذى كان له اثره فى عمارة مبانى الواحات الصحراوية مثل غدامس و غات فى الجنوب الغربى من ليبيا و هون و وودان و الجفرة فى منطقة الوسط الصحراوى من  ليبيا  و نتيجة لهذه المؤثرات الجغرافية و المناخية والاقتصادية ظهرت أشكال  المبانى وتكويناتها المعمارية بسيطة فى كل مناطق ليبيا الساحلية و الجبلية والصحراوية، تتحقق الوظيفة المطلوبة فيها  بالدرجة الاولى وتشكلت تكويناتها المعمارية معتمدة  على الكتلة و جمالياتها الكامنة فى جوفها بتوفير الراحة المناخية لمستخدميها من قسوة الطبيعة المحيطة بالدرجة الاولى ثم لتزين بزينة الطبيعة المتواضعة و المتوفرة من غير تكلف اما بشجيرات النخيل  المحيطة بها أو بأشجار الزيتون أو التوت التى توفر ظلا داخل أفنيتها المحمية وأما  التزين بنقوش بسيطة  بارزة عند مداخل القلاع  أو المساجد أو على المحاريب. 

 

زاوية عمورة بمدينة جنزور

بهذه البساطة حافظت المساجد الليبية على المفاهيم الاولى لبناء المسجد الاسلامى الخال من الزخارف التى كثرت فى المشرق و المغرب الاسلامى تقليدا للطرز الكنائسية أو مجارة لها أو نتيجة للأزدهار المادى فى تلك البلاد و نتيجة  لهذا  التوفق المادى الذى طال بلادنا فى العقدين الماضيين تشوهت صورة المسجد الاصلية و المتميزة  فى ليبيا  من الداخل و الخارج وفقد هويته  الخاصة و المتميزة منذ قرون فأفرزت مبانى لاتحمل أى قيمة تصميمية لامشرقية و لامغربية بل لاتتبع أى مدرسة معمارية بل  انها مجرد بناءات مشوهة ناتجة من آراء وقرارات المتبرعين بالبناء و  تدخلات المقاولين التنفيذية الذين لاعلاقة لهم ببيئتنا  المعمارية المحلية...ومن المعروف أن  المفردات المعمارية   هى مجموعة  من العناصر التى تكون لغة  الانسان للتعبير عن لغة التصميم المعمارى الذى يقدمه لبيئته المعيشية فان كانت هذه المفردات مركبة بطريقة متناسقة  كانت هويته المعمارية واضحة وستظهر مبانيه جميلة وسط المحيط العمرانى الذى يعيش فيه و ان كانت غير  متناسقة كان محيطه  المعمارى و العمرانى مختلا   وبيئته غير واضحة الهوية.

 

الزاوية السنوسية بمدينة الجغبوب

بالنظر مجددا  الى  حركة بناء المساجد  فى بلادنا نجد ضياعا  واضحا فى الهوية المعمارية و العمرانية  على حد سواء فى جميع مكونات البيئة العمرانية باعتبار أن المساجد هى من أهم معالم بيئتنا العمرانية، فقد تكون  تارة حدودا لأحيائنا العمرانية   وقد تكون أحيانا أخرى عنوانا  لشوارعها فهى المعالم الاكثر تميزا  فيها و عادة ماتتشكل الميادين و الساحات و المناطق الخضراء حولها  فهى   نواة مدينتنا  القديمة والجديدة  وهى المبانى والعمارة  الاكثر عمرا فيها ولأننا لانريدها  انشاءات  و أكوام من الخرسانة بلا حس معمارى كان لابد من تبيين ملامحها المعمارية عبر هذا البحث المتواضع الذى نرجوا أن يكون البداية لدراسة كاملة لعمارة المساجد فى بلادنا.     

 

الاهداف:-

1-- الرجوع الى الهوية المفقودة فى التصميم المعمارى المحلى للمسجد فى ليبيا. 2- تقديم بعض  المفردات التى  تمثل مدخلا للتصميم المعمارى للمساجد فى بلادنا.

3- توفير تشريعات ترتبط بالتصميم المعمارى للمساجد و الطرز المعمارية لكل منطقة

 

فكرة التقرير

تعتمد فكرة  هذا التقرير  على على ابراز  المفردات المعمارية المحلية  من المساجد القديمة الناتجة هندستها المعمارية  الناتجة من مطاوعة الانسان لبيئته المعيشية على حالتها آنذاك وتبيين الممارسات الخاطئة لتصميم وتنفيذ المساجد فى وقتنا الحاضر.

 


فمن المعروف جغرافيا أن ليبيا بلاد شاسعة المساحة وممتدة الاطراف شمالا و جنوبا  شرقا و غربا...لدرجة أن طرفها الشرقى قد ينسب أحيانا الى المشرق...و لأن مركزها السكانى و السياسى  والاقتصادى و أرتباطها التاريخى كان ولا زال متواصلا عبر التاريخ مع المغرب الاسلامى فانها تعد من الدول المغاربية التصنيف بالرغم من ان عمقها الصحراوى يمتد الى جوف افريقيا تفصله المنطقة الجبلية التى تتميز بعمارتها الخاصة تاريخيا...لهذه الاسباب كلها فان ليبيا تصنف دائما الى ثلاث مناطق أساسية هى المنطقة الساحلية الممتدة على الساحل البحرى من أقصى مشرقها الى أقصى مغربها و المنطقة الجبلية التى تبدأ من  مدينة الخمس عند جبل المرقب شرقا الى وازن غربا على الحدود مع تونس...وثالثا هى المنطقة الصحراوية التى  تمثل كل المناطق الواقعة جنوب واحة الجغبوب شرق ليبيا  الى واحة غدامس  جنوب غرب البلاد.

 

سيتم البحث عن  المفردات المعمارية لكل منطقة من هذه المناطق الجغرافية الثلاث من خلال استعراض مبانى المساجد التاريخية التى بنيت فيها على مر الفترات التاريخية الماضية الى حين ظهور الخلل فى هندستها المعمارية نتيجة لظروف و مؤثرات ذكرنا أهمها فى مقدمة هذا التقرير  و الغرض من هذا كله هو الرجوع الى الهوية المفقودة فى التصميمات الجديدة و صياغة التشريعات الخاصة بها و متابعة تنفيذها و الزام الجهات المنفذة لمشروعات المساجد باتباعها.

 

المنطقة الساحلية:-

يقصد بالمنطقة الساحلية  المدن و القرى الواقعة فى  الشريط الساحلى الممتد من رأس اجدير غربا الى امساعد شرقا و التى يتركز فيها أكثر من ثلثى سكان ليبيا

 



المنطقة الجبلية:-

يقصد بها مجموعة المدن و القرى المتوزعة على الجبل الغربى أكثر من المدن والقرى المحدودة الموجودة  حاليا فى الجبل الاخضر نظرا للتميز الواضح لها عن مدن وقرى الساحل.

  

مسجد بمدينة يفرن

المنطقة الصحراوية:-

يقصد بها مجموعة المدن و القرى و الواحات المتوزعة فى صحرائنا الشاسعة التى تمثل جزءا كبيرا  جدا من الصحراء الكبرى.     

مسجد بمدينة غدامس


الخصائص ا لاجتماعية و الحضارية

توثر الخصائص الاجتماعية فى  ظهور مفردات العمارة المحلية وتتكون  منها  مفردات العمارة المحلية  و نذكر منها على سبيل المثال:-

الدين و العادات و التقاليد

من خلاله ظهرت الخصوصية و تعدد الفراغات و الفصل بينها والميادين وتواجد الساحات والاسواق لاحتواء الانشطة الاجتماعية المتنوعة كصلوات العيدين ومناسبات الافراح و البيع و ماشابهها و الفصل بين المستعملين من الجنسين.

الانتماء العرقى

منها ظهرت فنون الزخارف و الخط و الكتابة و النقوش و الاشكال الهندسية وماشابهها.

ليبيا الشمال الافريقى

منها ظهر التمايز الواضح عن  مفردات العمارة فى ليبيا و تونس و المغرب بالالوان  و بساطة الزخارف و النقوش  و التعدد  الواضح لمناطق الخصوصية فى الفراغات المعمارية و اختلافها عن تلك المماثلة لها فى المشرق و أفريقيا .

البيئة المحلية

يظهر تأثيرها فى مواد البناء و نوعيتها  و النباتات و الاشجار و تأثير المناخ و عناصره المتنوعة فى التكوين المعمارى للكتلة و الانغلاق على الطبيعة القاسية

 

المعايير المعمارية و العمرانية:-

تتوفر المعاييرالتخطيطية فى المدن والقرى القديمة فى ليبيا بما يتلائم  مع قوانين المبانى المعروفة فى نظريات تخطيط المدن الحديثة فعلى سبيل المثال نجد الاتى :-

·         الطرز المعمارية لكل منطقة متميزة جدا بحيث  لايوجد بها تقليد من منطقة لاخرى.

·         مطاوعة المناخ مبدأ اساسى فى التخطيط و التصميم لكل المبانى.

·         موقع المبانى  يكون وثيق العلاقة مع شبكات الطرق و الحركةالمجاورة له.

·         تشيد المبانى بارتفاعات لاتحجب الضوء و الرياح عن المبانى المجاورة.

·         مو اقع المبانى توضع تلقائيا بحيث تسهل عملية التنقل والحركةلوسائل النقل والمشاة.

·         تكون مجموعة المبانى اجمالا مرتبة بشكل ملائم  جدا عمرانيا .

·         المبانى معدة للتعامل مع المياه و الامطار و الصرف الصحى بما يتوافق مع العصر .

·         التوجيه محددا اساسيا لاماكن الفتحات و أشكالها و عددها و طرق ومواد بنائها.

·         تصميم واجهات المبانى يعتمد على أن الشكل  يتبع الوظيفة دون أدنى  تكلف  .

·         الفراغات العمرانية تصمم على اعتماد التدرج فى الخصوصية (عام/ شبه عام/ خاص)

 

الاتجاهات التصميمية للمساجد تاريخيا:-

كان للمؤثرات البيئة فى المجتمعات الاسلامية مع الظروف و العوامل المختلفة واختلاف المناطق  و المناخ و تنوع الثقافات تأثير واضح  فى عمارة المساجد وظهرت تبعا لهذه المؤثرات عدة اتجاهات فى تصميم المساجد

1-                  الاتجاهات التاريخية

•           الاتجاه النبوى  الأصيل الذى تطور فى عهد  الامويين و العباسيين

•           الاتجاه المغاربى الاندلسى(وهو محل دراستنا فى ليبيا خاصة)

•           الاتجاه  الفارسى

•           الاتجاه العثمانى

•           الاتجاه الحديث

2-         الاتجهات المعاصرة

•           الاتجاه التقليدى المحلى

•           الاتجاه التقليدى المحسن

•           الاتجاه الكلاسيكى

•           الاتجاه نحو المعاصرة و التجديد

 

الضوابط الشرعية لعمارة المساجد فى الاسلام:-

لاشك ان المساجد هى خير بقاع الارض و أن بناءها من أعظم القربات الى الله تعالى الا أن بناءها  محتاج الى ضوابط شرعية مينية على أساس صحيح من فقه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فى عمارتها بل ان الاخلال بمنهجية بنائها يفترض أن يبنى على فقه السنة النبوية الصحيحة كما  هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد المنحرف بمنهجية بنائه  وهو مسجد( الضرار) الوارد ذكره فى سورة التوبة...حيث كانت النية  فى بنائه هو الحاق الضرر بالمسلمين و السعى للتفريق بينهم  فقد كان قريبا جدا  من مسجد قباء بالرغم مما انفق فيه من مال لبنائه بقصد التفاخر فيه عن مسجد قباء المتواضع آنذاك.

وقد وردت النصوص الفقهية الواردة فى الاحاديث الصحيحة التى تبين منهج بناء المسجد فى الاسلام وتبيين عناصره الاساسية و الاشارة الى موقع و النهى عن زخرفته وتزيينه بالشكل الذى يلهى عن القصد من بنائه وهو أقامة الصلاة و اجتماع المسلمين فى الحى  العمرانى الواحد.

 

إن بناء مسجد  بحجم ومساحة صغيرة فى منطقة ذات كثافة سكانية عالية سيؤدى حتما الى ظهور مساجد أخرى مع الوقت الأمر  الذى يفرق الناس و يزيد من التكاليف المتعلقة بالبناء و التجهيزات و غيرها كزيادة الخطباء والمؤذننين  وتشتت المصلين و ظهور مناطق ذات مركزية عمرانية منافسة فى المحيط العمرانى وعليه فقد رتبت جملة من النقاط الأساسية تبين بعض الضوابط الشرعية لبناء المسجد فى المحيط العمرانى الاسلامى منها:-

1-         موقع  وحجم  المسجد

المسجد نواة العمران الاسلامى و أول مابنى عند وصول النبى صلى الله عليه وسلم المدينة...وفى حديث عائشة ( امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد فى الدور ( أى فى العمران وليس بعيدا عنه) و أن لايكون مكان مرور للناس  حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقفل الابواب عن مسجده الا باب أبى بكر و أن يجنب المساجد دخول الصبيان و المجانين و البيع و الشراء

و البث فى الخصومات ورفع الاصوات و اقامة الحدود وسل السيوف...و أمر باتخاذ المطاهر فيه و تطييبها..(سنن ابن ماجه و المعجم الكبير للطبرانى)

2-         منهج بناء المسجد

الاصل الذى بنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن( الطين) و السقف من الجريد و الأعمدة من جذوع النخل و بقى هكذا فى زمن أبى بكر وعمر الى أن زاد عثمان رضى الله عنهم زيادات كثيرة فبنى الحوائط بالحجارة المنقوشة  والاعمدة من حجارة منقوشة و السقف من خشب الساج الذى كان يؤتى به من الهند آنذاك...وكان كل هذا نتيجة لوفرة المال فى عهد عثمان بعد الفتوحات...ولم تدخل الزخرفة الى المسجد الا فى عهد الوليد بن عبد الملك وقد أنكر العلماء على الزخرفة لورود الاحاديث الصحيحة الناهية عليها فى المساجد.



[1] مصلحة التخطيط العمرانى

الهيئة العامة للأوقاف و شؤون الزكاة

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...