الثلاثاء، مايو 26، 2020

جدل المصطلحات والسؤال المطروح: هل هي عمارة إسلامية أم عمارة المسلمين؟

 


جمال اللافي


يمكن تقسيم العمارة في مجملها إلى نمطين متمايزين وهما:

العمارة غير الإسلامية، وهي عمارة غير المسلمين من الشرائع والديانات والملل المنحرفة عن شريعة الإسلام (اليهودية/ المسيحية/ الماجوسية/ الهندوسية/ البودية/ الوثنية... وكل ما في حكمها). ويمكن للمتخصص والباحث الإبحار في هذه العمارة من خلال الاطلاع على مصادرهم. فهذا الجانب لن يكون ضمن سياق هذه المقالة الموجزة. 

العمارة الإسلامية، وهي عمارة المسلمين أينما كانوا فرادى أو جماعات، داخل المجتمع الإسلامي أو في غيره من المجتمعات، صممت لهم إنطلاقاً من قواعد وتشريعات وأحكام مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية، لتوفر للمسلمين بيئة عمرانية صالحة تساعدهم على العيش وفق شرع الله. 

تتنوع العمارة الإسلامية في طرازها المعماري وتوزيعها الفراغي تبعاً لفهم المسلمين في كل بيئة إسلامية لهذه الأحكام والتشريعات وآلية تطبيقها على أرض الواقع. كما أن للبيئة الجغرافية والطقس والمناخ السائد فيها دوره في وفرة هذا التنوع، إلى جانب ثراء كل بيئة بمواد البناء، وطرق الإنشاء المتاحة، والحالة الاقتصادية، وتطور الفكر المعماري وثراء الأفكار المطروحة بالحلول والتفاصيل والمفردات المعمارية بين بيئة وأخرى في معالجة الإشكاليات القائمة والمستجدة. وهذا ما أوجد حالة ثراء وتنوع بين عمائر المسلمين وأفرز لكل بيئة إسلامية هويتها المتفردة. 

لهذا من المعيب جدا والمخل بالمنطق السوي أن يتم استنساخ عمارة إسلامية وليدة بيئتها وإعادة نقلها إلى بيئة أخرى غير إسلامية بقضّها وقضيضها (بشكلها المعماري ومواد بنائها)، يعيش فيها مسلمون تختلف عنها في كل المعطيات المذكورة سالفا إلى جانب الفوارق الحضارية بين البيئة المستنسخ منها تلك العمارة والبيئة المنقولة إليها، بحجة أن هذه البيئة غير إسلامية والمطلوب أن تتوفر للمسلمين فيها بيئة تخصهم. 

مثلما حدث في مشروع نيومكسيكو، عندما استدعى المعماري الأمريكي المسلم نورالدين دوركي المعماري المصري حسن فتحي ليبني للمجتمع الإسلامي هناك عمارته الطينية بشكلها المعروف. متجاهلا بذلك الفارق الحضاري والتقني بين دولتين إحداهما موغلة في التخلف والأخرى في قمة التقدم العلمي والتقني، إلى جانب اختلاف العادات والتقاليد.

     وكان من باب أولى بهذا المعماري الأمريكي أن يستحضر قيم وتشريعات وأحكام البنيان في العمارة الإسلامية ليصيغ منها عمارة إسلامية في البيئة الأمريكية تستوعب معطيات تلك البيئة وزخمها العلمي والتقني. أو كان أولى بهما أن يجلسا معا على طاولة الحوار لصياغة هذه العمارة، بدلاً من هذا المسخ الممجوج (الذي يشبه الجمل الأجرب وسط قطيع البقر). 

قد تتفق في بلاد المسلمين العمارة الإسلامية مع العمارة غير الإسلامية في المناطق والمدن التي تتعايش فيها عدة شرائع وأديان وملل تحت نفس الظروف والمعطيات البيئية والاقتصادية، فتأتي هذه العمارة متشابهة في شكلها العام إلى حد ما. ولكنها تأخذ خصوصيتها وفقاً لهذا التنوع العقائدي وتحديداً في التوزيع الفراغي وفي المفردات المعمارية والزخرفية وأيضا في الألوان. بالإضافة إلى اختلاف الشكل العام لمساجد المسلمين عن معابد ودور عبادة غير المسلمين.

    يمكن هنا الاستدلال بعمارة مدينة طرابلس القديمة كمثال على كل ما ذكر، حيث كانت تتعايش فيها ثلاث شرائع سماوية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، فنجد أن الشكل العام لنسيج مدينة طرابلس القديمة واحد لا يمكن التمييز في مخططها المتضام ومبانيها التي تفتح إلى الداخل على الأفنية بين هذه الشرائع الثلاث. ولكن عندما نقترب من عمارة مباني هذه المدينة سنجد في مفردات واجهاتها الخارجية والداخلية اختلافا في التفاصيل والمفردات المعمارية والزخرفية وأيضا في ألوان أبوابها ونوافذها وجدرانها وزخارفها. 

حيث نجد أن بيوت المسلمين تطلى جدرانها من الخارج والداخل باللون الأبيض، وتطلى أبوابها ونوافذها وعناصر تأثيثها الخشبية باللون الأخضر (تفاؤلاً بالجنّة ولباس أهلها). بينما تطلى جدران بيوت المسيحيين من الخارج والداخل باللون الأصفر (رمز علم البابا) أما أبوابها ونوافذها فتطلي باللون البني، كذلك عناصر تأثيثهم(وبعض بيوتهم تطلى الجدران باللون الوردي من الخارج). بينما تطلى بيوت اليهود من الخارج باللون الأبيض ومن الداخل باللون السماوي (كناية عن حلم اليهود بدولة من الفرات إلى النيل)، وتطلى أبوابها ونوافذها وعناصر تأثيثها وزخارف القيشاني باللون الأزرق.

إلى جانب الاختلاف في التوزيع الفراغي، فنجد أن الخصوصية البصرية والسمعية في بيوت المسلمين تأخذ الجانب الأكبر في هذا التوزيع الفراغي، فالداخل إلى بيوت المسلمين يجد أن أبوابها تفتح على سقيفة منكسر تمنع الضيوف من النظر إلى الفناء وداخل البيت، بينما نجد الأبواب في بيوت المسيحيين تفتح على أحد أروقة الفناء. وفي المقابل نجد أبواب بيوت اليهود تفتح مباشرة على الفناء. 

من هنا يمكننا التأكيد على أن الجدل القائم بين مصطلحي العمارة الإسلامية وعمارة المسلمين لا يستند على مبرر منطقي في طرحه، أكثر من كونه يخوض في بحر الشتات والإلهاء وتفريغ المصطلحين من المعنى الذي يعطيهما قوة حضور واستمرارية تواصل في إنتاج عمارة لها مقوماتها ومنطلقاتها وأهدافها وغاياتها.  ويمكن تقديم تعريف مبسّط لهذين المصطلحين على النحو التالي: 

    العمارة الإسلامية، هي الإطار العام النظري المتعلق بفهم المسلمين لمقتضيات الشرع من مسألة العمران، من خلال استنباط التشريعات واللوائح وأحكام البنيان من القرآن الكريم والسنّة النبوية، التي تحدد ما يجب أن تكون عليه عمارة المسلمين باختلاف المعطيات المرتبطة بالظروف البيئية والحالة الاقتصادية والعادات والتقاليد المتوارثة لكل مجتمع إسلامي. 

    عمارة المسلمين، تتمثل في الجانب التطبيقي من العمارة الإسلامية المتعلق بالمنتوج المادي لهذه الأحكام بتنوع طرزها المعمارية وتوزيعها الفراغي وتفاصيلها ومفرداتها وعناصر تأثيثها وزخرفتها المستمدة من أحكام البنيان، الذي يحقق التطبيق العملي لشرع الله في أرضه وفي أماكن معيشة المسلمين وأماكن عملهم وعبادتهم أينما كانوا.

الأربعاء، مايو 13، 2020

بيوت الضواحي والأرياف



 تمهيد/

          هي محاولة دراسية لتصور ماهية البيت الليبي المعاصر في مناطق الضواحي والأرياف بالشريط الساحلي، وهي تستهدف معالجة إشكالية اختفاء ملامح الأرياف من مدن وضواحي الشريط الساحلي، سعياً للوصول إلى النموذج المثالي المتكامل للبيت الليبي المعاصر، الذي من أهم مقوماته:
         تلبية متطلبات الأسرة الليبية واحتياجاتها الضرورية من الفراغات المعمارية.
         بناؤه بمواد تتلاءم مع البيئة الساحلية والريفية.
         يأخذ مصادر الكهرباء من الطاقة الشمسية.
         يتوفر فيه بئر لمياه الشرب والغسيل. 
         استعمال الآبار البيضاء بدلاً من الآبار السوداء في تصريف المخلفات (وهذا يعني تدويرها).

محـــــــــــــــــــــاولة لتأصيل المسكن الريفي المعاصر/
يعتمد تصميم هذا المسكن في فكرته الأساسية على أمرين أساسيين وهما:
    العودة إلى نظام الفناء، دون الحاجة إلى الانتقال بين الحجرات عبره، حيث يتم الأمر عبر رواق مغلق وتفتح من خلاله نوافذ على هذا الفناء وباباً للخروج إليه. 
    إضافة مساحة خضراء كبيرة في الجهة الخلفية للبيت، بحيث تكون المساحة الإجمالية للبيت 800 متر مربع، بأبعاد 20 × 40 متر مربع (كحد أدنى)، تخصص مساحة 400 متر مربع الأمامية المطلة على الشارع لبناء البيت، وما يتبقى منها يضاف إلى 400 متر مربع الخلفية لتكون حديقة البيت المزروعة بالخضروات والأشجار المثمرة وحضيرة للدواجن وبعض الماشية.
وتأتي أهمية هذه المساحة الخضراء كدرس مستفاد من الظروف التي مرت بها البلاد وأدت إلى انقطاع أسباب توفير حاجات المواطن الضرورية، نتيجة اندلاع الحرب بين المدن وظهور الوباء الذي سبب حالة الحجر الصحي وما ترتب عنهما من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وصعوبة الحصول عليها وتدني جودتها.

التوزيع الفراغي للمسكن الريفي المعاصر/
يتكون هذا المسكن من دورين، تتوفر فيه متطلبات واحتياجات الأسرة الليبية من الفراغات المعمارية الموزعة على طابقين: 
الدور الأرضي يحتوي على:
         حجرة استقبال للضيوف الرجال+ حمام+ حجرة نوم للضيوف الرجال من العائلة والأقارب.
         المطبخ+ مخزن تحت السلالم.
         حجرة معيشة وضيافة نساء+ سدة لنوم الضيفات من النساء الأقارب+ حمام.
         الفناء ويحتوي على جلسة صيفية.
         المساحة الخضراء + بئر الماء + حضيرة المواشي والدواجن + فرن.
         جراج السيارات.

الدور الأول يحتوي على:
         حجرة نوم رئيسية+ حمام+ شرفة تطل على الفناء والحديقة.
         حجرتين للأبناء + حمام مشترك.
         سلالم يؤدي إلى السطح.















المسكن الغدامسي المعاصر




تمهيد/
          في مايو 1991 م. تعرفت على ملامح العمارة الغدامسية التقليدية، من خلال زيارة ميدانية لمدة 10 أيام.

لمحة عن خصائص المسكن الغدامسي التقليدي/
الطراز المعماري:
         نظام تخطيطي متضام وشوارع مسقوفة.
         تداخل كتل المباني مع البساتين المحيطة بالمدينة.
         ثراء في المفردات المعمارية والزخرفية.
         مواد بناء وحلول إنشائية من طين الأرض وجدوع النخيل.
         كفاءة عالية في معالجات البيئية الصحراوية.






التوزيع الفراغي:
         ارتفاع رأسي ضمن مساحة محدودة.
         تقسيم البيت إلى طوابق متفاوتة الارتفاع، تشكّل في مجملها ثلاث مستويات، وهي:
الطابق الأرضي:
         مدخل وسقيفة البيت.
         مخزن الغلال ومعدات الزراعة.
         سلالم إلى الطابق الأول.
         بستان وحضيرة مواشي.

الطابق الأول:
         فراغ المعيشة يتوسط غرفتي النوم، يستقبل إضاءته من فتحة مربعة في السقف، أبعادها 60 سم.× 60 سم.
    منسوبين: من 7-5 درجات، يتوزعان على جانبي فراغ المعيشة، أحدهما يضم غرفة النوم الرئيسية والآخر غرفة نوم الأبناء.

الطابق الأخير:
         مكان المطبخ في جميع البيوت الغدامسية في سطح البيت.
    يتم الوصول إليه عبر غرفة المعيشة من خلال سلالم مقسمة على مرحلتين، الأولى تقود إلى إحدى غرفتي النوم، لتتواصل بعدها  درجاته حتى تصل إلى السطح.

غدامس الجديدة

المتغيرات والإشكاليات/
         انتقال المجتمع الغدامسي المعاصر للعيش في أحياء خارج المدينة القديمة.
         مخططات جديدة لمشاريع سكنية بشوارع واسعة مكشوفة، تسيطر عليها حركة السيارات.
         نماذج سكنية متكررة، لا تختلف في شيء عن مثيلاتها في المدن الأخرى.
         قطيعة تامة مع النموذج التقليدي في الطراز المعماري والتوزيع الفراغي.
         انعدام الخصوصية السمعية والبصرية على مستوى البيت والشارع.
         مواد بناء غير ملائمة للظروف البيئية الصحراوية.
         غياب المعالجات البيئية الصحيحة على المستويين السكني والتصميم الحضري.
    تغير في النسيج الاجتماعي الغدامسي في بعض جوانبه، منها خروج المرأة الغدامسية إلى التعليم والعمل وبالتالي إلى شوارع المدينة المعاصرة.

محاولة لتأصيل المسكن الغدامسي المعاصر/
سنفهم العمارة المحلية عندما نحسن قراءتها. وعندما نفهمها سنحسن التعبير عنها بأدواتها ومفرداتها.
         
فهم العمارة المحلية، يتأتّى من استيعاب منظومة القيم التي شكلتها، فبها تتحقّق معادلة المواءمة بين:
         الشكل والمضمون.
         الجمال والمنفعة.
         المتانة والاقتصاد.
         الأنا والمجتمع.

في 1993م. كانت المحاولة الأولى- بمشاركة من الزميل المعماري عزت خيري- لتلمس ملامح المسكن الغدامسي المعاصر، على قطعة أرض بمدينة غدامس، بطلب من أحد ابنائها. تلتها محاولات فردية متكررة لإعادة النظر في التصميم الأول ومعالجة المآخذ عليه. ومحاولات أخرى مستقلة عن التصميم الأول جذرياً- خلال  السنوات اللاحقة- لم تسفر جميعها عن نتائج مرضية.

في مارس 2020 م. اقتربت أكثر من مرحلة التأصيل للبيت الغدامسي المعاصر، اعتمدت فيها على:
         تفهّم المتغيرات الاجتماعية والمتطلبات المستجدة.
         معالجة الإشكاليات في المسكن التقليدي.
         التعاطي مع التطور التقني والكمي في مواد البناء وطرق الإنشاء والمعالجات البيئية.

حيث اتجه نمط التفكير في التصميم إلى منحى جديد، آخذاً في اعتباره التوفيق بين:
الشكل، المتمثل في الطراز المعماري المميز لمدينة غدامس.
المضمون، الذي يعكسه نمط التوزيع الفراغي للبيت الغدامسي التقليدي.


التوزيع الفراغي للمسكن الغدامسي المعاصر/
الطابق الأرضي:
         مدخل وبهو البيت.
         صالة استقبال الرجال+ حمّام+ ميضأة.
         صالة استقبال النساء+ حمّام.
         سلالم إلى الطابق الأول.
         بستان بمساحة مناسبة.
         مخزن تحت فراغ السلالم.
         جراج للسيارات. 


الطابق الأول:
         المستوى الأول:
§        فراغ المعيشة.
         المستوى الثاني:
§        حجرة النوم الرئيسية + حمام.
§        حجرتي نوم الأبناء + حمام مشترك.
         المستوى الثالث:
§        يمثل امتدادا للسلالم بفارق درجتين ويضم المطبخ + شرفة.
§        يستمر السلالم في الصعود إلى السطح.






 
أخيراً/
          سيتم في مرحلة قادمة- بعون الله وتوفيقه- النظر في المسكن الغدامسي على المستوى الحضري، بما يحقق التوافق البيئي والمطلب الاجتماعي.

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...