جمال الهمالي اللافي
يتردد في الذهن سؤالٌ
ملحّ: من هم "عبيد الوهم"؟
هم
أولئك الذين يكتبون أو يقرأون لا طلبًا للمعرفة، بل لتأكيد ما يعتقدونه مسبقًا،
ولإثبات قناعاتهم مهما كانت هشاشتها. لا يقرؤون ليتحرروا، بل ليزدادوا قيدًا.
يتعاملون مع النصوص كمرآة لأنفسهم، لا كنافذة على العالم. يرفضون مساءلة الفكرة،
ويخشون أن تهتزّ الصورة التي رسموها لأنفسهم.
هذا
النص وُلد من مساءلة هذا النمط، لا من الرغبة في مهاجمته. جاء ليعيد الاعتبار لفعل
القراءة بوصفه بحثًا عن الحقيقة، لا إثباتًا للهوى. وليؤكد أن المرجعية القرآنية،
حين تُستعاد سلطتها، تُعيد ترتيب المفاهيم، وتمنح الإنسان ميزانًا لا يختل، مهما
تبدّلت النظريات أو تعاقبت الأهواء.
في
زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتقلّ فيه البصائر، يظلّ الرجوع إلى المصدر فعلًا مقاومًا
لا ترفًا فكريًا. فالقرآن الكريم، المرجعية التي لا يعتريها الخلل، لا يُستدعى
لتأكيد القناعات، بل لتفكيكها، ومساءلتها، وإعادة ترتيب الواقع حولها لا العكس.
الذين
يكتبون ليؤكدوا ما آمنوا به مسبقًا، لا ليختبروا صدقه، هم عبيدٌ لوهمٍ يتزيّاً
بثوب المعرفة. أما من يقرأ ليقارن، ويفهم، ويزن الأمور بميزان لا يختل، فهو شاهدٌ
على الطريق، ولو كان وحده.
الواقع
المفروض لا يعفي من مسؤولية الكلمة. والبلاغ لا يُقاس بمدى الاستجابة، بل بصدق
النية، ووضوح الاتجاه. فحين يُعاد الاعتبار للنص القرآني، لا بوصفه أداة جدل، بل
مرجعية جامعة، يحدث التغيير في الاتجاه الصحيح، الذي يخدم البشرية جمعاء.
ليس
في القرآن تصادم، بل تحذير من الزلل، ودعوة للتعارف، وتكريم للتقوى. وما جلب الشر
على الناس إلا حين تخلّوا عن هذا الميزان، واستبدلوه بنظريات تهدم بعضها بعضًا،
وتُفصّل الحق حسب الأهواء.
القرآن
الكريم رسم الطريق، وبيّن الثوابت، وترك للإنسان مساحة الاجتهاد في المتغيرات، دون
أن يخلط بينهما. من هنا، لا خوف من الزلل، ولا تقوقع على حال، ما دام الميزان
حاضرًا، والنية صادقة، والمرجعية محفوظة.
ما علينا إلا البلاغ.
والبلاغ، حين يُفهم
بوصفه مسؤولية لا تنفصل عن الفعل، يمتد أثره إلى كل حقل من حقول التعبير، بما في
ذلك التصميم المعماري.
بين البلاغ والتصميم:
بيان المسار
هذا
النص ليس معزولًا عن اشتغالي المعماري، بل هو امتداد له في الجوهر والمنهج. فكما
أن البلاغ لا يُؤجل، فإن التصميم أيضًا لا يُفصل عن الوعي. ما أكتبه في نقد
العمارة المحلية، وما أصممه من مشاريع غير استعراضية، ينطلق من المرجعية ذاتها:
القرآن الكريم، بوصفه ميزانًا لا يختل، ومن الفهم النقدي الذي يفرّق بين الثابت
والمتغير، ويعيد الاعتبار للبساطة والصدق في التعبير.
الخط
الذي أسير عليه في صياغة منشوراتي المعمارية ليس تقنيًا فقط، بل فكري أيضًا. أرفض
فيه الانبهار، وأقاوم فيه الاستلاب البصري، وأعيد فيه بناء المفاهيم على أساسٍ من
التواضع المعرفي والوعي بالبيئة والهوية.
كل تصميم عندي هو بلاغ، وكل بلاغ هو مسؤولية. وهذا النص، بما يحمله من
مساءلة وتوضيح، هو بيانٌ لما قبل التصميم، وما بعده؛ هو مرآة للنية التي تسبق كل
مشروع، ولكلمة الحق التي تسبق كل شكل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق