جمال الهمالي اللافي
منذ أن انتقلت العمارة من مرحلة ما بعد الحداثة إلى التفكيكية، بدأ حضورها يتراجع أمام سطوة الرؤية التشكيلية التي باتت تتحكم في ملامح المشاريع. لم تعد الوظيفة، ولا استجابة المبنى للبيئة، هي ما يشغل كبار المعماريين، بل أصبح التلاعب بالألوان والنحت البصري للكتل هو ما يستحوذ على اهتمامهم. الكتلة الخارجية تُصمم لتُبهر، بينما يُترك الفراغ الداخلي يتأقلم معها قسرًا، يُرصّ أو يُمطّط ليخدم الشكل، لا الإنسان.
أما المواد، من اللدائن
إلى الشرائح المعدنية وقطع الفسيفساء، فلم تعد تُختار لمقاومة الزمن أو الظروف
المناخية، بل لجاذبيتها البصرية. المكيفات تعمل بلا توقف، والترميم والصيانة باتا
جزءًا من دورة حياة هذه المباني، فقط كي يستمر حضور الفن التشكيلي ويُفرض على
المخططات الحضرية.
حتى هذه المخططات لم
تسلم، إذ تُعاد صياغتها لتُبرز الكتل المعمارية من جميع الجهات، وتُمنح مساحات
تُظهرها كمعالم سياحية، لا كمرافق وظيفية. المدينة تُعاد تشكيلها لتُصبح خلفية
لكتلة، لا بيئة حية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق