جمال الهمالي اللافي
في ظل
التحديات المتزايدة التي تواجه الهوية الثقافية والمعمارية الليبية، تبرز الحاجة
إلى مشروع جماعي ينهض بمسؤولية الحفاظ على الموروث المحلي، لا بوصفه ترفًا
تراثيًا، بل كضرورة وجودية تعيد الاعتبار للبساطة والصدق في التعبير، وتقاوم
الاستلاب البصري والوظيفي. هذا المشروع ينبغي أن يُبنى على رؤية تأسيسية واضحة،
تُفعّل دور المجتمع المحلي والجهات المعنية في صياغة فعل ثقافي مستدام، لا مؤقت
ولا استعراضي."
1.
التشريعات
الحامية للتراث
يتطلب الأمر إرساء منظومة قانونية واضحة تحمي
المعمار التقليدي وتمنع تشويهه، عبر:
- سنّ
قوانين تحظر الهدم العشوائي للمباني التاريخية وتلزم بترميمها وفق معايير
تحفظ طابعها الأصلي.
- اعتماد
لوائح تُشجع إعادة توظيف المباني القديمة في وظائف ثقافية أو مجتمعية، دون
تفريغها من معناها.
- ربط
هذه التشريعات بالهوية البصرية للمدينة، من خلال توجيه التصميمات الجديدة نحو
استخدام المواد المحلية والألوان ذات الدلالة الثقافية، كالأخضر والأبيض في
بعض السياقات الليبية.
2.
المعارض
والمسابقات المعمارية
لا يكفي الحفاظ، بل يجب تجديد العلاقة مع التراث
عبر الفعل الإبداعي، وذلك من خلال:
- تنظيم
مسابقات تصميم تستلهم من العمارة التقليدية وتعيد توظيف عناصرها بأساليب
معاصرة دون استعراض.
- إقامة
معارض تعرض نماذج ناجحة من ترميم المباني القديمة، وتبرز دور الحرفيين
المحليين في استعادة التفاصيل المنسية.
3.
دعم
الحرف التقليدية
الحرف اليدوية ليست ترفًا زخرفيًا، بل امتدادٌ
للهوية في تفاصيل الحياة اليومية. لذا يُقترح:
- تنظيم
ورش عمل لتعليم الأجيال الجديدة الحرف التقليدية، وربطها بالتصميم المعماري
كعنصر تعبيري.
- دعم
الصناعات الصغيرة التي توظف هذه الحرف في منتجات معمارية أو ثقافية، دون
تحويلها إلى سلعة مبتذلة.
4.
المهرجانات
الثقافية
المهرجانات ليست مجرد احتفال، بل فعل جمعي يعيد
وصل ما انقطع. ومن هنا:
- إقامة
مهرجانات سنوية تحتفي بالثقافة الليبية، بمشاركة السكان المحليين والزوار،
وتعرض نماذج من اللباس، الموسيقى، الطعام، والحرف التقليدية.
- توظيف
هذه المناسبات لتعزيز الانتماء الثقافي، لا لتكريس الصورة النمطية.
5.
تحفيز
الاستثمار الثقافي
التراث لا يُصان بالنوستالجيا وحدها، بل يحتاج
إلى دعم ملموس، عبر:
- تشجيع
رجال الأعمال المحليين على الاستثمار في مشاريع ثقافية ومعمارية تُعيد
الاعتبار للتراث.
- تقديم
مزايا ضريبية أو تسهيلات إدارية للمبادرات التي تلتزم بالمعايير الثقافية
الأصيلة.
- إبراز
قصص نجاح لمبادرات محلية ساهمت في إحياء الأسواق القديمة أو إعادة توظيف
المباني التاريخية دون تشويه.
6.
حملات
التوعية والترويج
الوعي هو فعل مقاومة في ذاته، حتى لو عجز عن
التغيير الفوري. لذا يُقترح:
- إطلاق
حملات إعلامية مستمرة تبرز أهمية الحفاظ على التراث، وتشرك الأفراد في
مسؤولية الحماية.
- إدراج
مفاهيم التراث في المناهج الدراسية، وربطها بالهوية الوطنية بعيدًا عن الخطاب
العاطفي.
- إشراك
الشباب في أنشطة ميدانية توثق وتحتفي بالموروث المحلي، وتعيد ربطهم بجذورهم
دون ادعاء.
إن هذا
المشروع لا يدّعي امتلاك الحلول الجاهزة، بل يفتح بابًا للحوار حول ما يستحق
البقاء، وما يمكن أن يُعاد بناؤه بصدق. فالموروث الثقافي ليس ما نحتفظ به في
الأدراج، بل ما يُنتفع به الناس، ويُعاد توظيفه في حياتهم اليومية دون أن يفقد
روحه. والمدن الليبية، بما تحمله من تنوع وتجارب، قادرة على أن تكون مرجعًا حيًّا
لهذا الفعل، إذا ما توفرت الإرادة وتكاملت الجهود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق