جمال الهمالي اللافي
في الذكرى
المئوية لتأسيس مدرسة الباوهاوس الألمانية (1919–2019)، استوقفتني إشارة في منشور
للدكتور عبدالمجيد عبد الرحمن، أحد خريجي هذه المدرسة العريقة والمقيم في ألمانيا،
إلى هذه المناسبة. وإن جاءت مقالته متأخرة عن الذكرى بعدة أعوام، إلا أنها أعادت
فتح باب التأمل في أثر الباوهاوس العميق على العمارة الحديثة، وفي المفارقة بين
انتشارها العالمي، وبين مشاريع العمارة المحلية التي كثيرًا ما تُنتكس في بيئتها
الأصلية رغم صدقها.
هذا
التمهيد يفتح باب المقارنة بين تجربة الباوهاوس، التي انتشرت لأنها أرادت أن تكون
عالمية، وتجارب محلية مثل مشروع حسن فتحي، الذي انتكس في موطنه ثم تبنّاه الآخرون
كتحفة لا كفعل اجتماعي حيّ.
بين الباوهاوس وفتحي: حين
يُنتزع المعنى من جذره
في
العمارة، لا يُقاس النجاح بمدى الانتشار، بل بمدى الانسجام بين الفكرة وسياقها. مدرسة الباوهاوس الألمانية نشأت برؤية حداثية
تسعى لتوحيد الفنون والصناعة، وانتقلت إلى أمريكا وأوروبا حيث وجدت بيئة صناعية
حديثة تتبناها وتعيد إنتاجها. لم تُعامل كتحفة، بل كمنهج تصميمي يُمارس ويُطوّر.
انتصرت لأنها أرادت أن تكون عالمية، فكان انتشارها خارج حدودها تأكيدًا لغايتها.
أما
مشاريع العمارة المحلية، حين تكون غايتها تحسين الواقع الاجتماعي والبيئي في
موطنها، فإن عدم تبنيها محليًا يُعد انتكاسة لا يمكن تجميلها. تجربة حسن فتحي مثال صارخ: رؤيته كانت موجهة للفلاح المصري، لبناء بيئة
عمرانية متسقة مع احتياجاته وموروثه. لكنها لم تجد دعمًا في بيئتها الأصلية،
فانتقلت إلى الخليج، حيث تبناها الأثرياء لا كفعل اجتماعي، بل كرمز زخرفي. تحولت
"عمارة الفقراء" إلى قصور فارهة، فاُنتزعت من معناها، وعلّقت كتحفة في
بيتٍ غريب، لا لتُمارس كفعلٍ حيّ.
الفرق هنا
ليس في جودة الفكرة، بل في طبيعة الغاية. فحين تكون الرؤية محلية، فإن انتشارها خارج حدودها لا يُعد انتصارًا،
بل قد يكون تشويهًا. العمارة
ليست شكلًا، بل خطاب اجتماعي وثقافي، لا يكتمل إلا بانسجامه مع بيئته. وما يُنتزع من بيئته ليُعرض كتحفة، يفقد روحه،
حتى لو حاز الإعجاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق