الجمعة، سبتمبر 19، 2025

العصرنة كغيبوبة جماعية: حين يُستبدل المعنى بالعرض


جمال الهمالي اللافي

هل تبحث عن تصاميم عصرية؟

لمساكن، مباني تجارية، إدارية، مطابخ، صالونات، نوم، معيشة؟

سؤال استغفالي، استدراجي... وفخ العصرنة!

وما أدراك ما العصرنة؟

استبدال السمين بالغث، والطيب بالخبيث، والصالح بالطالح.

استبدال المناسب بالمتعارض، والوعي بالغيبوبة.

والغائب عن وعيه، لا يُخاطَب بمنطق.

لن يسمع، لن يعقل

أيقِظه أولًا، ثم حدّثه بما تشاء.

قبل ذلك، أنت تخاطب أمواتًا يمشون.

هذا هو الواقع.

العصرنة كقناع لغوي

في الخطاب المعماري والإعلاني، تُستخدم مفردات مثل "حديث"، "راقي"، "مودرن" كأقنعة لغوية تُخفي وراءها تغييبًا للهوية، وتفريغًا للفضاء من روحه. لا تُقاس جودة التصميم بمدى صدقه أو ارتباطه بالبيئة، بل بمدى مطابقته لمعايير خارجية، مستوردة، لا تُراعي السياق المحلي ولا الذاكرة الجمعية.

الذوق الجماعي كمنتَج إعلامي

الذوق العام لم يعد نابعًا من التجربة أو الحاجة، بل من الصورة. الإعلام لا يعرض فقط، بل يُملي. يُكرّر النموذج حتى يتحول إلى معيار، ويُغرق المتلقي في رغبة لا يملكها أصلًا. وهنا، يصبح الذوق الجماعي غيبوبة جماعية، لا وعيًا مشتركًا.

العمارة كخطاب مفرغ من المعنى

في المدن العربية، تُبنى مساكن لا تُشبه أهلها، وتُصمم مبانٍ لا تُراعي وظيفتها، وتُستورد أنماط لا تُحاكي المناخ ولا الثقافة. يُستبدل الصدق بالزخرفة، والبساطة بالاستعراض، والوظيفة بالعرض. ويُهمّش المعماري الواعي لصالح المقاول السريع، ويُقصى النقد لصالح الترويج.

في الحاجة إلى يقظة قبل الحوار

حين يغيب الإدراك، لا يُجدي الخطاب. لا يمكن إقناع من لا يرى، ولا يمكن محاورة من لا يسمع. لذلك، فإن أول خطوة في مقاومة هذا الواقع ليست في تقديم البديل، بل في فضح الزيف، وفي استعادة القدرة على التمييز. الوعي، حتى لو كان عاجزًا عن التغيير، هو فعل مقاومة في ذاته.

في زمن العرض، يبقى الوعي هو الفعل الوحيد الممكن

ليست الأزمة في غياب التصاميم الصادقة، بل في غياب من يطلبها. ليست المشكلة في المعماري، بل في الذوق الذي أُعيد تشكيله خارج الوعي. وحين يتحول الذوق إلى غيبوبة، يصبح الخطاب عبثًا، والنقد ترفًا، والبديل غير مرئي. لكن حتى في هذا الزمن، يبقى الوعي فعلًا مقاومًا، ولو كان عاجزًا عن التغيير. يبقى التمييز بين الغث والسمين، بين الطيب والخبيث، هو أول خطوة نحو استعادة المعنى. والمعنى، حين يُستعاد، لا يحتاج إلى زخرفة. يكفيه الصدق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...