![]() |
الحوش السماوي بمدينة طرابلس القديمة- تصوير: كميلة الأسطى |
جمال الهمالي اللافي
في
المشهد المعماري الليبي المعاصر، تبرز ظاهرة مقلقة: استدعاء مفردات العمارة
التقليدية لا بوصفها استلهامًا واعيًا، بل كزينة تُلصق على واجهات حديثة، تُفرغ من
معناها وتُقدّم كدليل على "الانتماء"، بينما هي في جوهرها انفصال عنه.
العمارة
التقليدية لم تكن زخرفًا، بل كانت استجابة دقيقة للبيئة، للمناخ، للثقافة،
وللأعراف الاجتماعية. كانت تُبنى من الأرض، وتُصمم للناس، وتُعبّر عنهم. حين
تُستدعى اليوم عناصر مثل العقود، المشربيات، أو الزخارف، دون فهم وظيفتها أو
سياقها، تتحول إلى رموز مشوشة، تُنتج واجهات زائفة، لا تنتمي للماضي ولا للحاضر.
الزيف
لا يُقاس بالشكل، بل بالوظيفة والسياق. حين تُستخدم المشربية كعنصر زخرفي على
واجهة زجاجية، أو يُضاف الفناء في مشروع لا يحتاجه، أو تُستورد مواد لا تنتمي
للمكان، فثمة انفصال عن الروح. العمارة الزائفة تُعيد إنتاج الشكل، لكنها تُقصي
المعنى.
ولعل
أخطر ما في هذه الظاهرة أنها تُقدّم للناس بوصفها "عودة للتراث"، بينما
هي في الحقيقة تشويه له. تُربّي الذائقة على التزيين، لا على الفهم، وتُكرّس وهم
الانتماء عبر مفردات بلا وظيفة.
في
مواجهة هذا، لا بد من إعادة تعريف الاستلهام: أن يكون حوارًا مع الماضي، لا
اقتباسًا منه. أن يُبنى المشروع من سياقه، لا أن يُلصق عليه. أن تُعاد قراءة
العمارة التقليدية بوصفها خطابًا وظيفيًا واجتماعيًا، لا مجرد زخرفة.
العمارة بروحها تُبنى
لتُسكن، لا لتُعرض. تُعبّر، لا تُزيّن. تُحاور، لا تُقلّد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق