جمال الهمالي اللافي
لم
يكن انقلاب سبتمبر مجرد حدث سياسي، بل كان نقطة تحول في بنية المجتمع الليبي،
امتدت آثارها إلى الحرفة والكرامة والمهنة. قبل هذا التاريخ، كانت شركات المقاولات
الليبية تملأ السوق، والعمالة الوطنية تقود الورش بكفاءة وانضباط، والمعماري
الليبي يربط بين الفكرة والتنفيذ، لا يكتفي بالرسم ولا يُقصى عن الموقع.
لكن
ما تلا الانقلاب كان تفكيكًا ممنهجًا لمنظومة العمل الوطني: أُغلقت الشركات،
وأُقصيت العمالة الليبية، وجرى تحويل الحرفيين إلى موظفين في مؤسسات بيروقراطية،
تحت شعارات التدريب العسكري والانضباط الثوري. فُرغت المهنة من معناها، وأُهينت
كرامة المواطن، وتحوّل المعماري إلى متفرج على تنفيذ مشوّه، تقوده عمالة مستوردة
لا تملك وعيًا تصميميًا ولا التزامًا مهنيًا.
اليوم،
تسيطر العمالة المصرية على سوق البناء في ليبيا، لا من باب الكفاءة، بل بفعل
سياسات التسهيل والاحتكار التي همّشت كل بديل. والنتيجة: غش في المواصفات، تلاعب
في التنفيذ، أعمال معلقة، ومباني بلا روح.
إن
استعادة الحرفة بأيدي الليبيين ليست مطلبًا مهنيًا فحسب، بل هي فعل مقاومة،
واستعادة للكرامة، وبُعد من أبعاد الأمن القومي. فحين يُبنى الوطن بأيدي أبنائه،
تُستعاد السيادة من بوابة الإنتاج، لا من بوابة الشعارات.
المعماري
ليس مجرد مصمم، بل قائد ميداني، ومثقف بصري، وضامن للجودة. وإقصاؤه عن الموقع هو
إقصاء للوعي، وتشويه للعمارة، وتفريط في الهوية.
فلنعد
بناء الورشة الليبية، لا فقط بالمباني، بل بالكرامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق