الاثنين، سبتمبر 08، 2025

هل يكفي المعماري أن يكون مصممًا؟


في الحاجة إلى المعماري المثقف، الناقد، والمؤرخ

جمال الهمالي اللافي


في السياق الليبي، حيث العمارة لا تزال تُعامل كمنتج بصري أو وظيفة إنشائية، يبرز سؤال جوهري: هل يكفي للمعماري أن يكون مصممًا؟ أن يتقن أدوات الرسم، ويجيد برامج النمذجة، ويُخرج مشروعًا متماسكًا شكليًا؟ أم أن العمارة، في جوهرها، تتطلب ما هو أبعد من التصميم: وعيًا ثقافيًا، حسًا نقديًا، وذاكرة تاريخية؟

المعماري الذي يكتفي بالتصميم، دون أن يُدرك السياق الذي يصمم فيه، يتحول إلى منفذ تقني، لا إلى فاعل ثقافي. وهذا ما نراه في كثير من المشاريع الليبية المعاصرة: مبانٍ أنيقة الشكل، لكنها مشوشة الهوية، غريبة عن بيئتها، عاجزة عن التعبير عن ساكنيها. إنها عمارة بلا ذاكرة، بلا موقف، بلا خطاب.

في المقابل، المعماري المثقف لا يكتفي بالسؤال "كيف؟"، بل يسأل "لماذا؟" و"لمن؟" و"في أي سياق؟". هو ناقد قبل أن يكون مصممًا، ومؤرخ قبل أن يكون منفذًا. يقرأ المكان، ويصغي إلى الزمن، ويعيد بناء العلاقة بين الإنسان والمأوى، بين الوظيفة والكرامة، بين الشكل والمعنى.

في ليبيا، حيث العمارة تعاني من الاستلاب البصري والوظيفي، يصبح هذا الدور أكثر إلحاحًا. لا نحتاج إلى المزيد من المصممين، بل إلى معماريين يعيدون الاعتبار للبساطة، للصدق، للانتماء. إلى من يرفضون الاستنساخ، ويقاومون التغريب، ويؤمنون أن كل بيت هو موقف، لا مجرد منتج.

فهل يكفي أن يكون المعماري مصممًا؟

في زمن الانهيار، لا يكفي. في زمن المقاومة، لا يُكتفى إلا بمن يحمل الوعي، ويصمم به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...