جمال الهمالي اللافي
يُطرح عليّ أحيانًا سؤالٌ يبدو في ظاهره استفهاميًا، لكنه يحمل
في طياته نبرة تشكيك:
"لماذا تصرّ على الدعوة للعودة إلى النهل من العمارة المحلية
التقليدية في عمارتك المعاصرة؟ هل هو عجز عن مواكبة مشاريع الحداثة، أم تقوقع على
فكرة راودتك وأردت إثباتها رغم رفض المجتمع الليبي لها؟"
ولأن السؤال لا يُجاب عليه بردٍّ دفاعي، بل بتأملٍ في جوهر
الفكرة، أجد أن العودة إلى العمارة المحلية ليست فعلًا رجعيًا ولا إثباتًا ذاتيًا،
بل هي مقاومة واعية للاستلاب البصري والوظيفي الذي فرضته نماذج حداثية مستوردة،
غالبًا ما جاءت منقطعة عن السياق المحلي، غريبة عن المكان، وعاجزة عن
احتضان الإنسان.
العمارة التقليدية الليبية ليست مجرد زخارف أو أنماط شكلية، بل
هي منظومة معيشية متكاملة، نمت من رحم البيئة، واستجابت للمناخ، واحترمت الخصوصية،
وعبّرت عن روح الجماعة. من غدامس إلى طرابلس، ومن الواحات إلى المدن الساحلية،
كانت العمارة المحلية قادرة على خلق فراغات تنتمي للناس، وتُشعرهم بالسكينة
والانتماء.
أما مشاريع الحداثة التي تُستنسخ بلا تمحيص، فغالبًا ما تُنتج
فراغات معزولة، لا تنتمي للناس ولا تنسجم مع المكان. هي حداثة بلا ذاكرة، وبلا
حسٍّ نقدي، تُراكم المواد دون أن تُراكم المعنى.
لذا، فإن دعوتي ليست تقوقعًا على فكرة شخصية، بل هي سعيٌ لإعادة
تعريف المعاصرة من داخل الذات، لا من خارجها. هي محاولة لتأسيس خطاب معماري نقدي
يعيد الاعتبار للبساطة والصدق، ويقاوم التكلّف والاستعراض، ويُعيد وصل ما انقطع
بين الإنسان والمكان.
الوعي، حتى لو كان عاجزًا عن التغيير، هو فعل مقاومة في ذاته.
والعودة إلى الجذور ليست نكوصًا، بل هي خطوة إلى الأمام حين تكون الجذور حيّة،
قادرة على الإنبات من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق