الأربعاء، ديسمبر 25، 2024

العمارة: التزام ومسؤولية

 


جمال الهمالي اللافي


مقدمة

خطابي المعماري لا يندرج تحت مسمى "عمارة الفقراء" التي دعا إليها حسن فتحي، ولا أتبع منهجه. إنما ألتزم بمنهجي الخاص، الذي دخلت لأجله إلى قسم العمارة، والذي يشمل جميع فئات المجتمع بغض النظر عن وضعهم المادي. هدفي هو تقديم حلول معمارية متكاملة تُخاطب الجميع، سواء كانوا من الطبقة القادرة على تحمل تكاليف البناء، المستثمرين، أو مشاريع الدولة.

أهمية احترام الذات والاعتزاز بالهوية

بالنسبة لقناعة المجتمع الليبي بالعمارة المحلية، أراها مسألة تتعلق باحترام الذات والاعتزاز بها عند أفراد المجتمع. عملية التدمير الممنهج التي تعرض لها المجتمع خلال الخمسين عامًا الماضية أوصلته إلى الشعور بالدونية في مقابل الآخر وما عند الآخر. زد على ذلك السلوك الغوغائي لأساليب التدريس ومنهج قسم العمارة المغترب والمعادي لأي محاولة لتأصيل العمارة المحلية والعمل على قهرها وعرقلة حراكها. لهذا، يقع المعماري في هذا الوحل وهذا التناقض بين الإعجاب بالعمارة التقليدية ورفض التعاطي معها في المشاريع المعاصرة.

قصص واقعية وأمثلة

عندما بدأت مشواري المهني في تصميم المباني، واجهت العديد من التحديات في إقناع العملاء بأهمية العمارة المحلية. على سبيل المثال، عملت على تصميم عدة مشاريع سكنية تجمع بين المعاصرة واللمسات المعمارية التقليدية. على الرغم من الصعوبات التي واجهتها، نجحت في إقناع العملاء بجدوى التصميم المحلي، وكانت النتيجة رائعة. أصبحت هذه المشاريع نموذجًا يحتذى به، حيث استعان بها طلبة الدراسات العليا الليبيين في رسائلهم كنماذج لتأصيل العمارة المحلية، مستدلين بها على أن العمارة المحلية يمكن أن تكون معاصرة وجذابة في نفس الوقت.

غياب التآزر بين المعماريين

غياب تظافر جهود المعماريين (حسب التربية التي تلقوها على مقاعد قسم العمارة) جعلهم يعيشون حالة من التصادم والتشرذم والتقوقع على ما يمكنهم تقديمه وليس ما يفترض بهم تقديمه. يدافعون عن ذلك دفاع المستميت من أجل قطعة عظم. هذا الاتجاه يعد أحد الأسباب التي ساهمت في عزوف المجتمع عن التعاطي مع عمارته المحلية المعاصرة والخوف منها، في غياب دعم التوجه إليها.

التوثيق والإحصاءات

وفقًا لتقرير منظمة اليونسكو لعام 2020، فإن نسبة الخريجين الذين يمتلكون مهارات تصميم معمارية تقليدية لا تتجاوز 20%. هذا الانخفاض يعكس الفجوة الكبيرة بين التعليم المعماري الحديث واحتياجات السوق المحلية. إضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن 70% من مشاريع البناء في ليبيا تتبع تصميمات مستوردة، مما يؤثر سلباً على الهوية المعمارية المحلية.

الإيمان بالنوايا

إنما الأعمال بالنوايا. فإما لدنيا يصيبها أو لآخرة. ولكل امرءٍ ما نوى. تذكر أيها المعماري أننا نحمل مسؤولية العمارة في بلادنا، وسنُسأل عنها يوم القيامة. تأثيرها في سلوك الناس وأخلاقهم عظيم، إما تقودهم إلى الخير أو إلى الشر. فمن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنّ سنة سيئة فله إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم الدين. العمارة ليست أكل عيش، بل هي مسؤولية في رقبة كل معماري.

خاتمة

العمارة هي انعكاس لهويتنا وقيمنا كمجتمع. من خلال التزامنا بالتصميم المعماري المحلي وتكريس الجهود لدعمه، يمكننا تعزيز الهوية الثقافية والإسلامية لبلادنا. دعم العمارة المحلية ليس مجرد خيار، بل هو واجب ومسؤولية نحملها جميعًا. لنكن رواد التغيير ونسعى لبناء مستقبل معماري يعكس قيمنا وهويتنا. وفقنا الله وإياكم لكل خير وأعاننا عليه. وجعل نياتنا فيه خالصة لوجهه الكريم.

 

العودة إلى البساطة: درس من حياة امرأة

 


جمال الهمالي اللافي

مقدمة

في عالم اليوم، نجد أنفسنا نتسابق لبناء القصور الكبيرة والفيلات الفارهة، متجاوزين احتياجاتنا الأساسية وغارقين في ملذات الحياة وبهرجتها. لكن هل حققت لنا هذه الحياة الفاخرة السعادة التي ننشدها؟

القصة الواقعية

بدلاً من ذلك، دعونا نتأمل في قصة امرأة تعيش حياة بسيطة ولكن مليئة بالاكتفاء. في أحد الفيديوهات القصيرة التي لا تتجاوز العشر دقائق، تظهر هذه المرأة وهي تحاول في برد الشتاء وعز المطر أن تضع فراشًا من النايلون على سطح حجرة لا تزيد أبعادها عن 3×3، وهي كل بيتها، لمنع تسرب قطرات المطر إلى الداخل. بعد أن فرشت النايلون وثبتته بمجموعة من الطوب الإسمنتي، قفزت من على سطح الحجرة برشاقة غريبة.

في داخل الحجرة، كانت بنتها البالغة من العمر ست سنوات ورضيع ينام في المهد، وبداخلها مدفأة. خرجت تحت رخات المطر وقطعت مجموعة من الأخشاب بالفأس وعادت لتضعها بالمدفأة، ثم بدأت في تحضير وجبة الغداء وعجنت الخبز وطهته على نار المدفأة.

التعلم من البساطة

هذا الفيديو، على الرغم من قصر مدته، يُخبرنا بالكثير من الحقائق التي أصبحنا نغفل عنها في خضم اللهاث على بناء القصور الكبيرة التي تخصص كل حجرة فيها لفرد من أفراد العائلة وتفيض عن الحاجة، إلى جانب مطبخ كبير للفرجة وآخر للطهي، وعشر حمامات وعشرون مكيفًا أو يزيد إلى جانب الأثاث الفخم وبلاط الجرانيت الغالي. ما الذي يجعلنا نعتقد أن الإسراف في الماديات سيجلب لنا السعادة؟ هل حقًا نحتاج إلى هذه الفيلات الفاخرة والمباني الشاهقة لنشعر بالرضا؟

حياة هذه المرأة مع بنتيها وزوجها، الذي يبدو أنه هو من يقوم بالتصوير، تلخص نقطة مهمة جداً. نحن انغمسنا في ملذات الحياة وبهرجتها والإسراف عليها بسخاء، مما جعلنا نصل إلى المرحلة التي افتقدنا فيها المعنى من وجودنا، إلى جانب متعة الحياة الحقيقية التي تعكسها بساطة العيش وليس تعقيداتها. كيف يمكن لحياة بسيطة في مساحة صغيرة أن تكون أكثر إشباعًا من القصور الكبيرة؟

التأمل في الفوائد

عندما نرى حالة الاكتفاء داخل هذا الفراغ الصغير، نستشعر مدى الإسراف المبالغ فيه في تشييد بيوتًا لم تحقق لنا السعادة التي ننشدها، بقدر ما أصابتنا بتخمة من الملل القاتل والعزلة بداخلها عن جمال الطبيعة بكل تنوعاتها. فقط جدران إسمنتية باردة كبرودة مشاعر ساكنيها، حتى فيما بينهم. هل فكرنا يومًا في تأثير هذه المنازل الكبيرة على علاقتنا مع الطبيعة ومع أنفسنا؟ هل نغفل عن جمال البساطة في سعينا وراء الكمال المادي؟

ربما يصادفكم هذا الفيديو أو غيره، الذي يحكي نفس القصة. وبالتأكيد ستخرجون منه بالكثير من العبر والدروس التي تنير بصيرتكم وتجلي بصائركم عن جمال موجود ولكننا لم نعد نستطيع رؤيته في ظل التهافت على تشييد الفلل الفارهة والعمائر الشاهقة. لماذا ننسى أن السعادة تكمن في اللحظات البسيطة والتفاصيل الصغيرة؟ كيف يمكننا إعادة اكتشاف قيمة البساطة والرضا في حياتنا اليومية؟

خاتمة

في النهاية، تذكروا أن سعادتنا ورضانا لا تأتي من الإسراف في الماديات، بل من البساطة والتقدير للأشياء الصغيرة التي تشكل حياتنا اليومية. لنعد التفكير في أولوياتنا، ولنستمد الإلهام من هذه القصص البسيطة كيف يمكن أن نجد السعادة في البساطة بعيدًا عن تعقيدات الحياة الحديثة. هل يجب علينا مراجعة أولوياتنا وإعادة التفكير في أسلوب حياتنا؟ لنكن رواد التغيير ونسعى لبناء مستقبل معماري يعكس قيمنا وهويتنا.

الخميس، ديسمبر 12، 2024

إستراتيجية تعليمية لتعزيز الهوية الثقافية في العمارة الليبية

 


جمال الهمالي اللافي

مقدمة:

في ظل التحولات السريعة التي تشهدها المجتمعات العربية عامة والمجتمع الليبي خاصة بعد الثورة الشعبية في 17 فبراير 2011، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في الهوية الثقافية والمحلية، لا سيما في مجال العمارة. فقد تأثرت البيئة المعمارية التقليدية بشدة جراء الانغلاق السياسي والاجتماعي خلال العقود السابقة، وأصبح المجتمع يواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على موروثه الثقافي المعماري في ظل التغيرات الحالية. إن المزج بين الموروث المعماري التقليدي والابتكار المعاصر يعد السبيل الأمثل لتعزيز الهوية الثقافية وتحقيق الاستدامة البيئية والاجتماعية، من خلال تصميمات معمارية تحترم الموروث وتلبي الاحتياجات المعاصرة.

الهدف:

يهدف هذا البرنامج إلى تقديم تجربة تعليمية شاملة ومتكاملة تركز على دراسة وتحليل البيئات المختلفة في ليبيا، بما يشمل البيئات الساحلية، الريفية، الجبلية، والصحراوية. سيتمكن الطلاب من تطبيق المعرفة المكتسبة في تصميم معماري يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مما يعزز من مهاراتهم الأكاديمية والعملية. سيتم تنفيذ هذا البرنامج كنشاط دراسي ضمن أحد الفصول الدراسية أو كنشاط صيفي مشترك بين كلية الفنون والتصميم وقسم العمارة والتخطيط العمراني بكلية الهندسة أو أي جامعة خاصة منضبطة بمعايير التعليم . من المتوقع أن يسهم البرنامج في تطوير جيل من المعماريين  وخريجي كلية الفنون والتصميم الذين يمتلكون فهمًا عميقًا للتراث المعماري المحلي وقدرة على الابتكار المستدام.

المنهج الدراسي:

المرحلة الأولى: البحث والتحليل (نصف الفصل الدراسي الأول(

اختيار أربع مدن، (كمقترح للسنة الدراسية الأولى وفي كل سنة دراسية بعدها يتم اختيار أربع مدن أخرى)

·         طرابلس كمثال للبيئة الساحلية.

·         ترهونة كمدينة ريفية.

·         غريان كمدينة جبلية.

·         غدامس كمدينة صحراوية.

إعداد بحث شامل عن كل بيئة يشمل:

·         التضاريس المناخية وتأثيرها على العمارة.

·         العادات والتقاليد الثقافية والاجتماعية.

·         أنماط العمارة التقليدية والتوزيع الفراغي.

·         مواد البناء والتشطيب المستخدمة.

·         طرق الإنشاء والتفاصيل المعمارية والزخرفية.

·         عناصر التأثيث والمفروشات والأواني التقليدية.

·     أعمال رفع لمسكن تقليدي يمثل نموذجاً متكاملاً للنمط المعماري لهذه المدن المقترحة، شاملاً كل التفاصيل المطلوبة ضمنه في شكل(مساقط أفقية موضحاً عليها الأبعاد ببرنامج الأوتوكاد، قطاعات توضح التفاصيل الداخلية والمناسيب، واجهات خارجية مع توضيح مناسيب الشارع، مجسم افتراضي ثلاثي الأبعاد ببرنامج اسكتش اب).

·         مجسم دراسي لهذا النموذج.

المناقشات الجماعية الأسبوعية:

·         تقديم ومناقشة نتائج الأبحاث بشكل جماعي لتعزيز التعاون وتبادل الأفكار.

خطوات عملية مطلوبة من كل طالب:

1.      الزيارات الميدانية: تشجيع الطلاب على القيام بزيارات ميدانية للمدن والقرى المختارة لجمع البيانات والمعلومات بشكل عملي.

2.   المقابلات الشخصية: تضمين المقابلات مع السكان المحليين والخبراء في مجال العمارة والتاريخ للحصول على رؤى أعمق عن البيئات الثقافية والاجتماعية.

3.      التوثيق الفوتوغرافي: تعزيز التوثيق البصري باستخدام الصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية لتسجيل التفاصيل المعمارية والزخرفية.

المرحلة الثانية: التصميم التطبيقي(نصف الفصل الدراسي الثاني)

اختيار المواقع وتصميم المشاريع:

·         عدد من القطع المتجاورة (متلاصقة أو متقابلة، بعدد طلبة كل مجموعة.(

·         إعداد دراسة تحليلية للموقع في كل مدينة.

·         تحديد الفكرة الأساسية للتصميم المعاصر استناداً إلى البحث وتحليل الموقع.

·         تطوير التصميم المعماري للمسكن وتفاصيله المعمارية والزخرفية.

·         اختيار مواد التشطيب وعناصر التصميم الداخلي والمواد المصنعة لها.

·         تنسيق الموقع واستخدام النباتات المحلية في التصميم الداخلي والحدائق.

خطوات عملية مطلوبة من كل طالب:

1.   البرمجيات الحديثة: استخدام برمجيات التصميم المعماري الحديثة مثل AutoCAD و Revit لتسهيل عملية التصميم وتوضيح الأفكار بشكل دقيق.

2.      النماذج المصغرة: تشجيع الطلاب على بناء نماذج مصغرة للمشاريع المقترحة باستخدام مواد مختلفة لإظهار التفاصيل المعمارية والزخرفية.

3.      التصميم المستدام: تضمين مبادئ التصميم المستدام والبيئي في المشاريع لتحفيز الطلاب على التفكير في الحلول البيئية والاقتصادية.

المحاضرات الدراسية:

·         محاضرة عن كل بيئة دراسية توضح خصائصها المعمارية والقيم التي انطلقت منها.

التقييم الدراسي:

1.      معايير التقييم المتعددة الأبعاد:

·     الابتكار والإبداع: تقييم قدرة الطلاب على تقديم حلول تصميمية مبتكرة تجمع بين الموروث والتكنولوجيا الحديثة. يمكن استخدام مقاييس لتقدير مدى التوافق مع المبادئ الابتكارية.

·     الاستدامة: تقييم مدى استدامة المشاريع من حيث استخدام المواد المحلية، تقنيات البناء المستدامة، وتأثيرها البيئي. يمكن تخصيص جزء من التقييم لمراجعة المبادرات التي تحسن الاستدامة البيئية.

·     دمج العناصر التقليدية: تقييم قدرة الطلاب على دمج العناصر المعمارية التقليدية مع المتطلبات المعاصرة. يمكن استخدام نماذج تقييم لقياس مدى نجاح الدمج بين الموروث والتصميم الحديث.

2.      التقييم الجماعي:

·     جلسات النقاش الجماعية: تنظيم جلسات نقاش جماعية حيث يعرض الطلاب مشاريعهم ويقدمون تغذية راجعة لبعضهم البعض. يمكن أن تشمل هذه الجلسات عروضًا تقديمية ونقاشات حول التحديات والابتكارات التي تضمنتها المشاريع.

·     المراجعة من قبل الخبراء: دعوة خبراء في مجالات العمارة والتصميم المستدام لتقديم تغذية راجعة وتقييم المشاريع الطلابية. يمكن أن يكون هذا التقييم جزءًا من العلامة النهائية.

·     التقييم متعدد الأبعاد: تضمين جوانب مختلفة في التقييم مثل جودة البحث، دقة التحليل، الابتكار في التصميم، والقدرة على دمج العناصر التقليدية مع المتطلبات المعاصرة. يمكن تطوير استمارات تقييم تغطي هذه الجوانب.

الفوائد المتوقعة:

1.      التطوير المهني:

الفوائد للطلاب:

  • تعزيز المهارات العملية: يوفر هذا البرنامج للطلاب فرصة لتطبيق المعرفة النظرية بشكل عملي من خلال الزيارات الميدانية والمشاريع التطبيقية، مما يطور مهاراتهم العملية ويزيد من كفاءتهم.
  • تطوير القدرة على البحث والتحليل: يشجع البرنامج الطلاب على إجراء أبحاث معمقة وتحليل البيانات، مما يعزز من قدراتهم البحثية والتحليلية، وهي مهارات قيمة في سوق العمل.
  • اكتساب خبرة في استخدام البرمجيات الحديثة: من خلال استخدام برمجيات التصميم مثل AutoCAD وRevit، يكتسب الطلاب مهارات تقنية متقدمة تساهم في زيادة قابليتهم للتوظيف.
  • العمل الجماعي والتعاون: يعزز البرنامج من مهارات العمل الجماعي والتعاون بين الطلاب، مما يعدهم بشكل أفضل للعمل في فرق متعددة التخصصات في المستقبل.

الفوائد لسوق العمل:

  • تحضير كفاءات مؤهلة: يخرج البرنامج طلاباً مؤهلين ومجهزين بمهارات عملية ونظرية عالية، مما يزيد من تنافسيتهم في سوق العمل.
  • تنوع المهارات: تطوير مهارات متعددة في البحث والتحليل، التصميم، واستخدام التكنولوجيا يعزز من فرص الطلاب في الحصول على وظائف متنوعة في مجالات الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي.
  • التوظيف السريع: يتمتع الخريجون بمهارات متقدمة تجعلهم مؤهلين للعمل مباشرة بعد التخرج، مما يقلل من فترة البحث عن العمل ويساعد في سد الفجوات في السوق.

2.      الابتكار والاستدامة:

الفوائد الأكاديمية والمجتمعية:

  • تعزيز الابتكار: يشجع البرنامج الطلاب على التفكير الإبداعي وابتكار حلول جديدة تجمع بين الموروث والمتطلبات المعاصرة، مما يعزز من قدرتهم على تقديم تصاميم مبتكرة.
  • تحقيق الاستدامة: تضمين مبادئ التصميم المستدام في المشاريع يدرب الطلاب على التفكير في الحلول البيئية والاقتصادية، مما يساهم في تعزيز ممارسات البناء المستدام في ليبيا.
  • الحفاظ على الموروث الثقافي: يعزز البرنامج من الوعي بأهمية الموروث الثقافي المعماري، ويشجع الطلاب على تبني تصاميم تحافظ على الهوية الثقافية المحلية.
  • تعزيز الوعي البيئي: من خلال التفاعل مع البيئات المختلفة، يكتسب الطلاب فهماً أعمق للتحديات البيئية وكيفية مواجهتها من خلال تصميمات مستدامة.

التأثير على المجتمع:

  • تحسين جودة الحياة: التصاميم المعمارية المستدامة والمبتكرة تسهم في تحسين جودة الحياة للأفراد من خلال تقديم بيئات معيشية أفضل وأكثر راحة.
  • تشجيع الاقتصاد المحلي: استخدام المواد المحلية في التصاميم المعمارية يعزز من الاقتصاد المحلي ويدعم الحرفيين المحليين.
  • التنمية المستدامة: يساهم البرنامج في تعزيز ممارسات التنمية المستدامة، مما يؤدي إلى تقليل الأثر البيئي للبناء ويحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

 

ختاماً:

في ضوء التحديات الكبيرة التي تواجهها العمارة المحلية في ليبيا، تأتي هذه الاستراتيجية الشاملة لتعزيز الهوية الثقافية كخطوة حاسمة نحو المستقبل. إن دمج التراث المعماري التقليدي بالابتكار المعاصر لا يسهم فقط في الحفاظ على الموروث الثقافي، بل يفتح أيضًا آفاقًا جديدة للإبداع والتميز المعماري.

من خلال هذا البرنامج المقترح، نوفر للطلاب في كلية الفنون والتصميم، بما في ذلك تخصصات التصميم الداخلي وتنسيق المواقع، فرصة فريدة لتعلم العمارة بطريقة تتجاوز الحدود النظرية، لتشمل التطبيق العملي والتفاعل المباشر مع المجتمع المحلي. هذا النهج التعليمي المتكامل لا يعزز فقط من مهارات الطلاب الأكاديمية والعملية، بل يساهم أيضًا في تحقيق تنمية مستدامة تسهم في تحسين جودة الحياة ودعم الاقتصاد المحلي.

إننا ندعوكم لتبني هذا المقترح وإطلاقه في كلية الفنون والتصميم وقسم العمارة والتخطيط العمراني بكلية الهندسة أو أي جامعة خاصة منضبطة بمعايير التعليم. دعمكم لهذا البرنامج ليس فقط استثماراً في تعليم الطلاب، بل هو أيضاً إسهام في بناء مستقبل أفضل لبلادنا من خلال الحفاظ على تراثنا المعماري وتعزيزه.

نؤمن بأن تنفيذ هذا البرنامج سيكون له تأثير عميق ومستدام على كل من الطلاب والمجتمع، وسيسهم في تكوين جيل من المعماريين والمصممين الذين يمتلكون القدرة على الابتكار والتجديد، ملتزمين بأصالة موروثهم الثقافي.

لنتكاتف جميعًا لتحقيق هذا الهدف النبيل، ونعمل معًا من أجل مستقبل معماري مشرق ومستدام لليبيا.

الخميس، نوفمبر 21، 2024

رسالة معمارية مبطنة بالزي الوطني

 

 



جمال الهمالي اللافي

هل تعلم أنك تعيش حياة ليست حياتك؟ نعم، هذه حقيقة لا غبار عليها ولا يعتريها غبش. ربما ستشعر بحضور ذاتك لحظات ارتدائك للزي الوطني. وكلما اكتمل لباسك له بكامل عناصره، ستشعر باكتمال حضور ذاتك ووعيك بوجودك كليبي في هذه الحياة.

ثم تلتفت مزهواً عن المرآة لتنظر إلى كل ما يحيط بك في بيتك وشارعك، عندها سيعتريك انقباض شديد وستشعر بغربة قاتلة في نفسك. لا شيء مما يحيط بك ينتمي إليك، لا البيت ولا عناصر تأثيثه ولا أي ملمح من ملامحه يخبرك أن بينك وبينه صلة رحم أو اتصال الفروع بجذورها. كذلك لا الشوارع شوارعك ولا المدينة بمبانيها وتفاصيلها المعمارية مدينتك. كلها تصدمك بوجهها القبيح حد البشاعة.

الآن اخلع عنك لباسك الوطني وارتدي لباس الجينز أو التوتة الرياضية أو أي هركة استقدمتها من العوالم الأخرى. بعد اكتمال لباسك الفرنجي أو الدشداشة الخليجية أو المغربية أو أي مما استوردته من ثقافات أخرى، ستغرق فجأة في غيبوبة وسيصبح كل شيء يحيط بك يعاود ألفته عندك وينسجم مع ما استوطن عقلك من أنواع الاغتراب. وستعاود عيش حياة ألفتها منذ مولدك في موطنك، فقد تكفل والديك بغسل دماغك حتى قبل أن تولد، كي لا تخرج متمرداً على الحياة التي سيغرقونك في أوحالها طيلة عمرك. وستغرق أنت أبناءك في مستنقعها الآسن وكذلك هم سيفعلون، إن لم يتداركهم لطف الله عز وجل.

أنت اليوم تمتلك القدرة على شراء لباسك الوطني، لهذا جعلته وسيلتي لإيصال رسالتي المعمارية إليك.

الثلاثاء، نوفمبر 19، 2024

إشكاليات الجمهور المستهدف في العمارة

 


جمال الهمالي اللافي

عندما قررت الالتحاق بقسم العمارة والتخطيط العمراني، كان هدفي الأساسي هو خدمة المجتمع الليبي دون سواه. لم أضع في حسباني المجتمعات الأخرى، سواء كانت عربية أو إسلامية أو عالمية، لأنني شعرت بأن مكان مولدي ومراتع طفولتي ومراحل عمري الأولى هو الأولى باهتمامي وترسيخ جهودي لتوفير بيئة عمرانية ملائمة للعيش الكريم.

بعد الدخول في عالم ممارسة المهنة، صدمت بأن جمهوري المستهدف يعيش حالة اغتراب عن واقعه، فاقداً لبوصلة التوجيه. يسير في حلقة مفرغة، يبحث عن جميع الأشياء ليقتنيها ولا يبحث عن ذاته ليرتقي بها. مجتمع يعيش على هامش الحياة، فاقد للأهلية العقلية والوجدانية والنفسية والروحية، تائه في صحراء الاغتراب. كلٌ يهيم على هواه، من المعماري صاحب المسؤولية إلى المسؤول عن توفير أسباب العيش الكريم، من القائد الأعلى للدولة إلى أصغر مسؤول عن أسرته وهو الوالد.

تحطم حلم بناء المجتمع الفاضل، لأنه فاقد للفضيلة. ربما يمكن القول إنه يعيش حياة مجتمع الغابة، حيث القوي يأكل الضعيف ولا يأمن على نفسه من مجتمع الأقوياء. مجتمع "كل من إيدو إلو"، أي العيش بمنطق كل ما طالته يدك فهو لك.

أخشى أن البحث عن الجمهور المستهدف سيصبح في وقت قريب من المستحيلات، فقد أضحت ملامح المجتمع الليبي أقرب لأن تتحول إلى شبح هلامي.

الخاتمة

توضح هذه التحديات مع الجمهور المستهدف في العمارة الليبية، والتي تنبع من حالة الاغتراب وفقدان البوصلة، أننا بحاجة إلى توجيه وقيادة رشيدة تساهم في استعادة الهوية المعمارية وتعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية.

إن إدراك هذه الإشكاليات والعمل على حلها يعتبر خطوة حاسمة نحو تحقيق مستقبل أفضل لمجتمعنا. إن التوجيه السليم والقيادة الحكيمة هما مفتاح التغيير الإيجابي، مما يمكننا من بناء مجتمع أكثر توازنًا وازدهارًا.

لذا، ينبغي علينا جميعًا، من المهندسين المعماريين إلى القادة وصناع القرار، أن نعمل معًا لتحقيق هذا الهدف النبيل. بتضافر جهودنا، يمكننا أن نعيد توجيه المجتمع نحو مسار النمو والابتكار، وأن نضمن لأجيالنا القادمة بيئة عمرانية تعكس تطلعاتنا وقيمنا.

الأربعاء، نوفمبر 06، 2024

من ماضي ذاكرتي المعمارية

 


في فترة التسعينيات، بدأت أُعبّر كتابةً عن الصراعات الفكرية التي كانت تدور في داخلي بشأن النهج والتوجه المعماري الذي ينبغي عليّ تبنيه في مسيرتي المهنية، خاصة في ظل حالة الاغتراب التي يعاني منها المجتمع. كانت هذه الأفكار تظهر في شكل سلسلة من الخواطر المعمارية، التي كنت أدوّنها على الورق نفسه الذي أصمم عليه اسكتشات أفكاري لخرائط أحد القاصدين لطلب خدماتي.

بعد أن بدأت أستخدم جهاز الكمبيوتر للكتابة مباشرة، قمت بطباعة هذه الخواطر وجمعتها في ملف أسميته "إبحار في متون الوعي"، حيث أدرجت مقدمة تعبر عن تلك السلسلة:

"إبحارٌ... في متون الوعي" هي محاولة لإيقاظ ذهني الغافي، والإبحار به على سفينة الوعي، لعلي أدرك حقيقة ذاتي واتفهم أدواري في هذه الحياة، وأحدد مكاني في هذا المحيط المجهول، الشاسع والمبهم، الذي أطلق عليه اسم الوجود. عساي أكون نقطة فاعلة ومؤثرة فيه، وأمنح لحياتي العابر معنى وقيمة.

جعلت لتلك الخواطر المعمارية تحديداً عنواناً فرعياً ضمنته فلسفتي الخاصة في العمارة تحت عنوان "قراءة في فلسفة العمارة"، ذلك أن فلسفة العمارة ليست مجرد مجموعة من القواعد والتقنيات، بل هي تأمل عميق في العلاقة بين الإنسان والمكان، وبين الشكل والوظيفة. العمارة، وهي تجسيد ينعكس فيه الإبداع البشري، تعكس ثقافات وحضارات متعددة، وتروي قصص المجتمعات التي أنشأتها.

عندما نتحدث عن فلسفة العمارة، يجب علينا أن نتطرق إلى مفهوم الجمال. هل الجمال هو مجرد تناغم في الأشكال والألوان، أم أنه يرتبط أيضًا بالراحة النفسية والوظيفية للمستخدمين؟ العمارة الجيدة تتجاوز الشكل الخارجي، لتشكل تجربة حياة متكاملة تعزز من جودة الحياة.

علاوة على ذلك، فلسفة العمارة تتعلق أيضًا بالاستدامة. في عالم يتصارع مع تحديات التغير المناخي والموارد المحدودة، يصبح واجب المعماريين تصميم مساحات تعكس الاحترام للبيئة وتؤكد على استخدام الموارد بشكل فعال. العمارة المستدامة ليست فقط واجهة خارجية، بل هي فلسفة تعيش وتنمو مع الزمن.

وأخيراً، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بعد الزمن في عملية التصميم. العمارة ليست ثابتة، بل هي كائن حي يتحول ويستجيب للتغيرات الاجتماعية والثقافية. كيف يمكن أن نتوقع أن تتفاعل المباني مع مستخدميها بعد عشرين أو ثلاثين عاماً؟ إن فهم هذا البعد الزمني يمنح المعماريين قدرة على الابتكار والتكيف مع احتياجات المجتمعات المتغيرة.

في النهاية، فلسفة العمارة ليست مجرد نظريات، بل هي استكشاف لروح الإنسانية وتجسيد لمفاهيم الحب، والصدق، والجمال، والاستدامة، مما يجعل العمارة إحدى أرقى الفنون التي تعبر عن وجودنا في هذا العالم.

سأعيد نشر بعض من تلك الخواطر المعمارية على فترات، وهذه واحدة منها:

قراءة في فلسفة العمارة

(إني خضت بحر العمران... فوجدته عميق الأغوار، تتقاذفني فيه تيارات شتى... فلم أر لنفسي النجاة، إلا بالتمسك بمرساة التاريخ والسباحة مع تيار الأصالة، حتى استطعت الوصول إلى شاطئ الأمان. ولو لم أفعل ذلك لرمتني إحدى التيارات الفكرية المتضاربة، على صخور التبعية والانقياد الأعمى، محولة فكري إلى أشلاء تنهشها حيتان الغربة الثقافية).

الأحد 24/4/1994 م.

تعقيب من هذا الزمن 6 نوفمبر 2024:

تاريخ العمارة هو مرشد لنا في هذه الرحلة؛ إنه هوية تنقلنا عبر الزمان والمكان، وتذكرنا بجذورنا الثقافية والمعرفية. عندما نتشبث بأصالتنا، نجد أن العمارة ليست مجرد بناء، بل هي تجسيد لروح المجتمعات وتاريخها. كل صرح معماري، كبر أو صغر في حجمه يعبر عن قصة، كل زاوية تحمل ذكريات وطرزًا تعكس رؤية كل جيل.

فقد علمتني هذه التجربة أن العمارة ليست زينةً أو مجرد تقنيات تُستخدم للبناء، بل هي منارة تنير الطريق أمام الأجيال المستقبلية، تعزز من شعور الانتماء والهوية. إن السباحة مع تيار الأصالة لا تعني التوقف عن التجديد، بل تعني دمج الفلسفات الفكرية والعصرية مع الجذور التاريخية والثقافية، ما يُمكّننا من خلق أماكن معاصرة تحمل في طياتها عبق القدم وتحديات الحاضر.

كان كل مقطع من هذه الخواطر يعكس عمق تفكيري وتفاعلي مع البيئة الاجتماعية والثقافية التي كنت أعيشها. كنت أسعى للبحث عن معاني جديدة للعمارة، تلك المعاني التي تعكس واقعَ المجتمع وتساعد في معالجة أغرب مشاكله من خلال التصميم المعماري. كنت أسأل نفسي: كيف يمكنني كمُصمم أن أعبّر عن الهوية الحقيقية لمكانٍ ما؟ كيف يمكنني أن أخلق فضاءاتً ليس فقط لتلبية الاحتياجات المادية، ولكن أيضًا لتعزيز الروابط الإنسانية وإعادة تشكيل نسيج المجتمع؟

كانت هذه التساؤلات تمثل دافعاً لي للبحث والتفحص، وكانت النتائج في كثير من الأحيان تشكل مصدر إلهام لأفكاري التصميمية. إن هذه الخواطر كانت رحلة داخلية للبحث عن الإجابات، وليست مجرد تعريفات نظرية بحتة.

 

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...