الاثنين، أغسطس 25، 2008

قراءة في مشوار...




جمال الهمالي اللافي


  1. الزيارة الأخيرة إلى طلميسة بمدينة جادو[1]، التي كانت بتاريخ 17/11/2006 م، هي امتداد طبيعي لسلسلة الرحلات إلى الداخل، التي بدأت انطلاقتها مع أول رحلة تمت إلى مدينة درنة وضواحيها" المخيلي والعزيات" وما على امتداد الطريق إليها من مدن وجبال وسهول ووديان، أعقبتها رحلة أخرى إلى مدن ودان وهون وسوكنة في نفس الفترة وذلك في شهر أكتوبر من صيف 1985م[2]. ضمن فريق" جماعة التراث" التي أسستها مجموعة من طلبة قسم العمارة والتخطيط العمراني بكلية الهندسة/ جامعة طرابلس" جامعة الفاتح في ذلك الوقت" سنة 1983 م. وكانوا حين ذاك خمسة طلبة، دافعهم إلى تنظيم هذه الرحلة، الرغبة في توقيع مصالحة مع الذات والبحث عن الجذور. ومحاولة جادة لإدارة الحوار مع النفس عبر بوابة العقل... وفي حوار العقل للنفس هذا، تكبر الدائرة لتتجاوز قوقعتها الضيقة، إلى طرح العلاقة بين المعماري كذات ومحيطه الاجتماعي والحضاري كموضوع يعتمل في النفس وتتحرك مع حراكه.

  1. في إحدى محاضراته[3] التي اعتدنا على أن نتفاعل معها بإنصات، اختزل أستاذنا الفاضل/ علي سعيد قانة[4]، رحمه الله"- بخبرة العارف، وهو يشير بيديه إلى الداخل- تشخيصه لحالة التخلف التي يعيشها المجتمع، في عبارة موجزة ولكنها أصابت مكمن الداء، قائلاً:" الإنسان عدو ما يجهله".

ولكن ما الذي جهلناه حتى تخلفنا عن الركب وتجاوزتنا قوافل المجتهدين ولحقت بنا ركبان الطامحين حتى سبقتنا، وبتنا نتخبط في ظلام، خيّل إلينا من امتداد سواده الحالك أنه سرمدي؟

  1. قرأنا في مدارسنا وجامعاتنا مقررات التاريخ وتعمقنا في سيرة الحضارة الإنسانية على مر العصور وتعرفنا على ثقافات الشعوب، لكن تاريخنا ظل غائبا أو مغيبا عنّا في زحمة ما قراناه... غائبا بإهمالنا إياه ومغيبا بتجاهلنا له.

  1. زرنا معه وبعد رحيله مدنا في الساحل والجبل والصحراء، فوجدنا أن بعض أركانها قد تصدعت وبعض أحجارها قد تكسرت وتناثرت تفاصيلها هنا وهناك. إلاّ أنها لا تزال باقية صامدة، شاهدة على صفحة ناصعة من حضارة الأجداد... تنفسنا الصعداء ونحن نلحق بأثر قبل أن يزول وبتاريخ قبل أن يعتريه النسيان أو تتخطفه يد المنون من بين أظهرنا ونحن عنه غافلون... فآثرنا أن ننهل من معينه العذب، على أن نسير في ركب المغتربين أو ننزوي في جحر المقلدين.


الثلاثاء 12/12/2006 م.


[1] - تمت هذه الرحلة بالتنسيق بين المدرسة الليبية للعمارة والفنون- مهندسون استشاريون و شركة بلخير للخدمات السياحية، بمشاركة جميع أعضاء المدرسة، إضافة إلى م. رشيد كعكول، م.عزت خيرى، م. عادل أبو قرين.
[2] - في هذه الرحلة الطلابية والتي جاءت بمبادرة فردية من المجموعة- وبدعم معنوي ومادي من أستاذ مادة الرسم الحر، المرحوم. علي سعيد قانة- شارك فيها كل من / جمال الهمالي اللافي، نوري سالم عويطي، عزت علي خيري، عبد المنعم عبد السلام السوكني وأنظم إليها في مدينة درنة مفتاح الزايدي.
[3] - كانت محاضرة في مادة تنسيق المواقع حول الحديقة في المدن الليبية التقليدية، ربيع 1984 م. وذلك بناء على دعوة وجهها له أستاذ المادة أ. مصطفى المزوغي.
[4] - نحات وفنان تشكيلي واقعي. وأستاذ مادة الرسم الحر بقسم العمارة والتخطيط العمراني.

الاثنين، أغسطس 04، 2008

ميراث المدن القديمة... إلى أين ؟!



جمال اللافي

مقدمة:
مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي وبعد عقود من القطيعة، بدأ الحديث في بلادنا حول مستقبل المدن القديمة وطرق المحافظة عليها يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المختصين والمهتمين وتعالت الأصوات التي تطالب بحمايتها من عوامل التشويه والاندثار باعتبارها إرث إنساني لا يجب الاستهانة به أو التعرض له وهو شاهد على عصره. وعلى هذا الأساس قامت مؤسسات ترعى هذه المدن من خلال إعادة الترميم والإحياء والارتقاء، وسنّت القوانين التي تنظم أساليب التعامل مع المباني الأثرية والتاريخية داخل وخارج هذه المدن، وأصبح المساس بمعالمها المعمارية جرم يعاقب عليه القانون!. ومصيرها المحتوم أضحى هاجسا يقّض المضاجع كلما لمسنا تقصيرا بحقها.

استدراك:إلاّ أن الملفت للنظر أن جلّ البحث والاهتمام تناول المدن القديمة كنسيج عمراني ومعماري في شكله الذي يرتبط بزمن مضي ويقف عنده ولا يتجاوزه، متجاهلا في الوقت نفسه البحث في إمكانيات إعادة توظيف المضمون الذي أفرز هذا الشكل من بين عدة مؤثرات، تشّكل البيئة المناخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية أهم عناصرها ويعيد طرحه في صيغ جديدة تتعامل مع المتطلبات الإنسانية المعاصرة.
لهذا ستركز هذه المقالة بشكل كبير على البحث في ميراث المدن القديمة و مصيره إلى أين؟ يدفع إلى ذلك ما نجده من تجاهل صريح لهذا الميراث في مدننا المعاصرة. حيث تحول ميراث المدن القديمة إلى متحف للآثار يزوره السواح ونأت المدينة المعاصرة بنفسها عن الأخذ بمقومات هذا الميراث وارتأت لنفسها طريقا آخر، طرح أمامنا جملة من الإشكاليات التي يدفع ثمنها كل يوم سكان هذه المدن.

إشكالية العمارة المحلية المعاصرة: إذا أمعنّا النظر إلى أحدى مدننا المحلية المعاصرة علّنا نجد رؤية تستفزالعقل للتدبر في القيم الفكرية والروحية والجمالية التي إنطلق منها مخططوا هذه المدن، تقف جميع حواسنا عاجزة عن تلمس ملامح واضحة المعالم لصورة هذه المدن التي تلفها المخططات العشوائية والعمارة الهجينة المشوهة. وبذلك أضحت العمارة المحلية المعاصرة تعاني بوضوح من حالة فصام في الشخصية وهي نتيجة طبيعية لعدم القدرة على التوفيق بين النماذج المستعارة من العمارة الغربية والقيم الثقافية والاجتماعية للمستعملين ومدى ملائمة الحلول الإنشائية والمعالجات المعمارية لظروف البيئة المناخية، فجاءت عمارتنا المحلية المعاصرة تفتقر للمضمون ويغيب عنها المعنى.
خصائص المدن القديمة:يمثل الجانب الروحي الأساس الأول الذي بني عليه مخطط المدن القديمة وهي إسلامية في صورتها العامة، كما يمثل المسجد مركز القوى الروحية الذي يتمتع به مخطط هذه المدينة، حيث يؤدي دوره كعنصر ضابط لأخلاقيات المجتمع، مثلما يساهم كفراغ معماري في استيعاب النشاطات الاجتماعية والثقافية. كما عكست هذه المدن مقدرة الاجداد على التعامل مع الظروف البيئية من خلال منهجية التخطيط وتطويع العمارة لخدمة المحيط الإنساني، حيث احترم مخططها الثوابت وتفاعل مع المتغيرات، مثلما عكست العمارة التقليدية بجلاء العلاقة المتوازنة بين الساكن أو المستعمل لكل مرافق المدينة والبيئة المحيطة. وتوافق المقصد الثقافي في العمارة التقليدية والمعالجات الإنشائية لمبانيها مع الرؤية الجمالية للمدينة.

ورغم تحفظ البعض حول صلاحية المخطط التقليدي لمتطلبات العصر- إلا أن غالبية المختصين بهذا المجال والمهتمين به اتفقوا على عجز المخططات الحديثة التي اعتمدت على استعارة النموذج الغربي وعمارة الحداثة عن التفاعل مع ظروف بيئتنا المناخية وتعارضه مع قيمنا الاجتماعية والدينية. وقد انحصرت جل الاتهامات الموجهة للمخطط التقليدي والتي لم تكن محددة في جوانبها بشكل واضح، في كونه لم يعد قادرا على التوائم مع متطلبات المجتمع الإسلامي المعاصر وهي الاتهامات نفسها التي بررت لرجال التخطيط لجوءهم عند إعادة تخطيط المدن المعاصرة إلى استعارة النموذج الغربي.

وهو ما يدفع إلى طرح سؤال ملّح، حول ماهية هذه المتطلبات التي عجز المخطط التقليدي عن استيعابها حتى تم إهماله كحل تخطيطي ينسجم- من منطلق الثوابت والمتغيرات- مع ظروف البيئة المناخية والمعتقدات الدينية والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز ثباتها إلا في حالات حدوث خلل ما في ظروف البيئة الطبيعية أو في معتقدات المجتمع مما يستدعي بطبيعة الحالة تغييرا صريحا في النسيج العمراني والمعماري يتوافق مع الظروف والمفاهيم المستجدة؟!. خصوصا إذا ما سلّمنا بقدرة المخطط التقليدي على استيعاب التطور الحاصل في وسائل التقنية المتعلقة بإمدادات الكهرباء والغاز والمياه وعناصر التأثيث ووسائل التبريد وحفظ المواد والمواصلات ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية، بل إن التقنية التي لا زالت تتجه بخطى حثيثة نحو الاستغناء عن إمدادات الخطوط السلكية إلى التعامل مع الأنظمة اللاسلكية والرقمية والتوصيلات الأرضية ساهمت في زيادة كفاءة المخطط التقليدي وحماية عناصره المعمارية والفنية من التشويه الذي تحدثه إمدادات الأسلاك الكهربائية وخطوط الهواتف.

وهذا بدوره يدفعنا إلى طرح تساؤل آخر أكثر إلحاحا وهو: لماذا لا تتجه الرؤية التخطيطية لتأخذ منحاها العلمي الجاد والمتمثل في منهج التطوير ليكون بديلا عن الرؤية التخطيطية السائدة والتي تعتمد مبدأ الهدم والإحلال لقيم ونظريات ومخططات مدن وقوانين مباني أثبت الزمن والتجربة أنها تتعارض مع الناموس الطبيعي للحياة المبني على التوازن الطبيعي في العلاقة بين المكان والإنسان والعمارة؟

نماذج وأمثلة للمعالجات والحلول التي تطرحها المدن القديمة:اعتمدت العمارة التقليدية على التعامل مع المنتوج المعماري من حيث الشكل والوظيفة:
فالشكل: كتعبير جمالي جاء كنتاج للمؤثرات البيئة المناخية على منطقتنا التي تتميز بدرجة سطوع عالية للشمس والارتفاع في درجات الحرارة، من حيث اعتماد النسيج المتضام في تخطيط المدن والاتجاه إلى الداخل والانفتاح على الأفنية لتلافي الارتفاع في درجات الحرارة والاستفادة من العلاقة الجمالية التي تتوالد بين الظل والضوء وانعكاساتهما المتبادلة على سطوح المباني.

والوظيفة: الناتجة عن حاجة المجتمع للتعبير عن قيمه الثقافية والدينية التي تحث على احترام خصوصية الفرد والأسرة وبالتالي جاءت الحلول التخطيطية والمعمارية واضحة وجلية في هذا الشأن من خلال الاتجاه إلى الداخل والانفتاح على فناء وتحقيق عوامل الخصوصية والترابط الاجتماعي في آن واحد، وتوظيف الحوائط المصمته السميكة والفتحات الصغيرة كمعالجات للواجهات لمنع أعين المتطفلين من النظر إلى حرمات البيت أو الاستماع إلى مايدور ورائها من أحاديث. كذلك اعتمد النظام الاجتماعي المترابط أيضا فكرة النسيج المتضام. وبذلك توحدت الوظيفة مع المطلب الاجتماعي والمناخي وأثمرت رؤية تخطيطية هي مزيج بين المنفعة والجمال.

توصيات:أن الواقع الراهن للمدينة المحلية المعاصرة يستوجب توحيد جهود المعماريين والمخططين والمنظّرين وكافة التخصصات ذات العلاقة لوضع رؤية جديدة ومعاصرة توّفق بيت الثوابت والمتغيرات فيما يتعلق بمسألة المدينة المعاصرة وتخرج بعمارتنا المحلية المعاصرة من قيود الشكل- الذي تفرضه علينا قوانين المباني المأخوذة عن الغرب دون مراجعة أو تمحيص- إلى حرية التعبير وفق منظور يحترم الخصوصية الإجتماعية والثقافية ويتعاطى مع المؤثرات البيئية من منطلق الإثراء والإغناء للمعنى الذي تحمله العمارة بين طياتها بإعتبارها نتاج للتعبير عن القيم الثقافية والعادات الاجتماعية السائدة في المجتمع.

ومن المنطلقات السابقة يمكن تحديد بعض الجوانب التي قد تسهم في وضع رؤية للمدينة الإسلامية المعاصرة وصورتها العمرانية والمعمارية، ممثلة في النواحي التالية/
1. احتفاظ المسجد الجامع والساحة العامة المحيطة به بمركزيته على مستوى مخططات مدننا المعاصرة.
2. إعادة ارتباط مؤسسات الدولة" أو المؤسسات الشعبية" بالمسجد الجامع على مستوى التصميم الحضري.
3. استمرارية انتشار الأسواق الرئيسية والتخصصية والمباني التجارية حول المسجد الجامع ومؤسسات الدولة والمرافق الخدمية مع الأخذ في الاعتبار نوعية الخدمات ومواقعها بالنسبة إلى موقع المسجد.
4. تقسيم أطراف المدينة إلى مناطق أو مجاورات سكنية، تصل بينها طرقات فرعية يخطط عرض شوارعها بما يسمح بمرور سيارتين متقابلتين
[1] يفصل بينها رصيف يصمم عرضه بما يسمح بغرس الأشجار و توزيع بعض الأكشاك التي توفر المطبوعات والخردوات وما شابهها على طرفيه. كما تتوفر بهذه المناطق المساجد المحلية التي تحتل مركزها في وسط هذه المجاورات، وترتبط بها المراكز الثقافية والاجتماعية والرياضية والمرافق الخدمية الفرعية كالمستوصفات ومراكز الأمن والمباني التجارية والمؤسسات التعليمية الأساسية والمتوسطة والحدائق العامة. على أن ترتبط جميع المناطق السكنية بطرق رئيسية متفرعة عن طرق سريعة تربط باقي المدن ببعضها البعض.
5. تطبيق نظام الكتل المتضامة والتي تحقق الاستغلال الأمثل للأراضي إلى جانب الحماية البيئية والتي يترتب عليها التقليل من استهلاك الطاقة الصناعية. كما يضمن أيضا فرصة تجميع مياه الأمطار الساقطة على سطوح المدينة وإحالتها إلى المواجن التي تنشأ بالخصوص بدلا من ضياعها هدرا عبر شوارع المدينة ذات المخطط غير المتضام.
6. مراعاة الاختلاف المناخي والتضاريسي والثقافي بين المدن الساحلية والصحراوية والجبلية والأرياف وما يترتب عنه من تنوع في الخصائص العمرانية والمعمارية، عند وضع المخططات الجديدة.
7. إحاطة المدينة بحزام أخضر من الحدائق والمنتزهات، تستغل كمتنفس لقاطني المدن و لتوفير تنقية طبيعية للهواء.
8. وضع المصانع والمطارات ومحطات الحافلات الرئيسية والقطارات خارج نطاق هذه المدن لحمايتها من التلوث والضجيج.



الخلاصة:وخلاصة القول أن مخططات وعمائر المدن القديمة لم تأتِ من فراغ، فبين ثناياها تنغرس قيم المجتمع وعقائده وفيها تتحقق متطلباته المادية وحاجاته الروحية وتتكشف معضلات البيئة بين أروقة مبانيها وألتواءات شورارعها وأزقتها عن تراكمات من الحلول المناخية والاقتصادية.

فهل أتت المدن المحلية المعاصرة وعمارة الحداثة وما بعدها من بين هذه الثنايا؟... قطعا ستكون الإجابة، بلا النافية


إذا لهذا السبب... ولهذا فقط نحن نخاف على إرث الماضي أن يبتلعه إنحدار الحاضر... فلا يجد أبنائنا في المستقبل ما يسترشدون به.

والمقارنة أكبر شاهد... وللحديث بقية



[1] - تجرى حاليا في أوربا دراسة تخطيطية لنقل حركة السيارات إلى أنفاق تحت الأرض أسوة بقطارات الأنفاق وتحويل سطح الأرض إلى ممرات للمشاة وذلك في إطار الجهود المبذولة لحماية البيئة.

الخميس، يوليو 24، 2008

حوش العيلة


حوش: حاش الصيد- جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة. وحاش الإبل: جمعها وساقها. واحتوش القوم الصيد: أنفره بعضه على بعض. واحتوشوا على فلان: جعلوه وسطهم. هذا بعض ما تحمله الكلمة من معاني في معجم اللغة العربية" مختار القاموس".
أما في المصطلح المعماري فهي تعني البيت العربي التقليدي" بيت فناءه مفتوح على السماء تحيط به حجرات متباينة في الحجم".

و"حوش العيلة": باللهجة الدارجة، هذا البيت الذي شهد تعاقب الأجيال وواكب تطلعاتها وضم كنوزها وإبداعاتها وحفظ قيمها ومعتقداتها وصمد في وجه أعداء الأمة حائلا دون تحقيق مراميهم في النيل من كيان هذه العائلة وهويتها وثقافتها. الذين لم يروا بداً من القضاء على هذا التنظيم الفراغي المترابط معماريا وعمرانيا منطلقين من المبدأ الذي يقول: " أن الفراغ المعماري يبدأ متأثرا في تصميمه بفكر صاحبه وينتهي مؤثرا فيه". وذلك حتى يتسنى لهم ما يريدونه من هذه الأمة الممثلة في نظامها العائلي المترابط والمتكاثف والمتكافل.

جندوا كل شياطينهم ليجدوا لهم الوسيلة إلى ذلك. فكانت الفكرة في شعارهم المعروف" فرق تسد" وكانت أداتهم أنظمة تخطيطية عمرانية ومعمارية جديدة متنوعة في أشكالها متفقة في فكرتها على أن لاتسع إلا أسرة واحدة، وسخّروا علومهم وإعلامهم، ابتدعوا النظريات التي تفصم العروة الوثقى للعائلة، فقالوا: "أن نواة المجتمع هي الأسرة" وتنادوا بضرورة توفير كل سبل الراحة لهذه الأسرة" المكونة من الأبوين والأبناء". ورسموا لها صورة قاتمة عن حياة العائلة التي يتحكم في مصيرها الجد، ينهى ويأمر دون رادع يردعه، والجدة تتحكم في مصير نساء البيت تأتي بمن تشاء وتطلّق من تشاء، وصوروا رجال العائلة وحوشا تنهش بعضها طمعا في الميراث والسيطرة بعد رحيل الجد، والنساء تحيك المؤامرات والدسائس ليتسنى لهن تحقيق مآربهن، كما صوروا الزوج خائنا والزوجة مهضوم حقها تبحث عن الدفء والحنان بين أحضان رجل آخر، ثم انطلقوا ليصورا الأبناء ضائعين بين هذا وذاك، صوروها طفولة معذبة، محرومة حتى من حقها في اللعب، طفولة مشردة تتلقف فتات الطعام من موائد الكبار وتنحشر جماعات في غرفة نوم، تتوسد العفونة وتلتحف بالرطوبة. جعلوها صورة قاتمة لمجتمع كئيب تسيطر على أجداده الخرافات ويتوارث أبناءه الجهل ويخلف لأحفاده الأمراض. فهل حقا كانت هذه صورة "حوش العائلة"؟

لا أظن أننا فارقنا الحياة جميعنا بعد، نحن من عشنا في رحاب هذا البيت. فهل حقا كنا كذلك؟ أم أننا صرنا نستعذب الكذب والافتراء بحقنا وبحق نظامنا الاجتماعي الذي كان يكفل لنا الحماية ويوفر عوامل الاستقرار في وجه جميع المتغيرات. ولا أظن ان عقولنا قصرت عن إدراك خطورة ما يحاق للنظام الاجتماعي السوي والمستهدف منه أولا مجتمعنا الإسلامي والعربي ومن تمّ المجتمع الإنساني برمته، من خلال هتك استار النظام العائلي كخطوة أولى تقود إلى تدمير البنية الأساسية للكيان الإنساني وهي الأسرة الطبيعية المبنية على العلاقة السوية، وذلك من خلال إباحة الفاحشة وتمريرها تحت غطاء الحرية الشخصية.

وهل حقا جادت علينا نظريات الغرب وقيمه ومعتقداته وفلسفاته بالخير العميم؟. ذلك الغرب الذي وصل فيه جيل فترة الستينيات من هذا القرن لقناعة تامة بقيمة العائلة وأهمية حضورها في التنشئة السوية لأبنائه " بعد رحلة فرقة طويلة بدأت مع ظهور نظرية- النشوء والارتقاء- لداروين التي ترجع أصل الإنسان إلى القرد/ ونظرية- التحليل النفسي- لفرويد الذي يرجع كل سلوك إنساني إلى الغريزة الجنسية". تجرعوا خلالها مرارة تجربة وجد الفرد فيها نفسه وحيدا في مجتمع سادته القيم المادية حتى صار معياره يقدر بما يملكه من رأس مال. ويدفع في كل خطوة يخطوها ثمنا باهظاً لبقائه على قيد الحياة ساعات إضافية. فرأى في الانتحار وإدمان صنوف المخدرات وسيلة للهروب من واقع تسيطر عليه الجريمة والفوضى وتغيب عنه ألفة العائلة الحميمة.

بيت العائلة هو لبنة وحدة هذه الأمة والقاعدة التي ترتكز عليها والمنطقة التي تنطلق منها. والله سبحانه وتعالى يدعونا للوحدة ونبذ الفرقة، في قوله سبحانه وتعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". وحبل الله المتين هو منهجه القويم كتابه القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو منهج مكتوب يحتاج منا لتفعيله أن نقوم بتطبيقه في حياتنا وسلوكنا اليومي. ولكي ننجح في ذلك لابد لنا من تمهيد السبل لذلك. ولهذا كانت تربية النشء ومجاهدة النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.... وقد حرص أسلافنا على توفير البيئة الصحية التي تنمو وتترعر فيها هذه النبتة المباركة من منظومة القيم والأخلاق والسلوكيات والمعاملات، فكان التعمير والعمران والعمارة الإسلامية هي البوتقة التي تتشكل منها وفيها منظومة القيم هذه، لأنه لا تنظير بدون تطبيق، ولا يحسب القول على قائله إلا بفعل يدعمه أو يدحضه.

لقد خسرت أمتنا الإسلامية عندما أخذت عن الغرب قيمه ومبادئه المنحلة تحت مسميات الحداثة، وفقدت العائلة تواصلها وترابطها الاجتماعي، واليوم تأخذ الأمة بتلابيب آخر ما تفتقت عنه العقلية الغربية من نظريات الهدم وهي ما تعرف بالنظرية التفتيتية والتي من أهم مبادئها التشكيك في كل القيم والمعتقدات السائدة وهدم أركانها تحت دعاوي الحرية الشخصية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل والشذوذ وحرية ممارسة الأديان وعدم التضييق على كل ما من شأنه أن يقف في وجه الحرية الشخصية حتى وإن تجاوزت حدود المنطق، لأنها لا تؤمن بأي منطق، فمنطقها الوحيد هو الهدم وإشاعة الفوضى الخلاقة.

الأمر الذي يستدعي تركيز الجهود على إيجاد السبل العملية الفاعلة لحماية الكيان الاجتماعي السوي، وإفشال محاولات تمرير وإشاعة النموذج الجديد لمفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة وبين الجنس الواحد المبني على التحلل من كل القيم الأخلاقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى عنوانا للعلاقة بين بني الإنسان.

لهذا يرتفع سقف المسؤولية علينا كمسلمين وعلى مفكريها وعلمائها بوجه الخصوص لوقف هذا التخريب والهدم وإعادة الأمور إلى نصابها. ولن يتم ذلك إلا بعد توحيد الصفوف ونشر الوعي، ولن يتم ذلك إلا بعودة العائلة إلى رحابها الواسع ألا وهو بيت العائلة وبركته. وما محاولات علماء الأمة المخلصين ومن مختلف المشارب والتخصصات المهنية إلا بداية تحتاج لمن يدعمها ويساندها ويحرص على تطبيقها بكل ما أوتي من جهد وقدرة.... والعمارة بإعتبارها المجال الذي يختص بإيجاد بيئة صالحة لمعيشة الإنسان، فعبء الجوانب التطبيقية لكل البحوث والدراسات النظرية التي تسعى لتصحيح مسيرة الإنسانية، يقع على عاتق المعماريين.

كل محاولة للخروج بالأمة الإسلامية من مأزقها وأزمتها، لا تبدأ من إعادة بناء المنظومة الإجتماعية ولم شتاتها المبعثر، فهي كمن يريد أن يحرث البحر ويدعي أنه سيزرعه قمحا وشعيرا ليطعم الناس.... لا نريد لدعاة وحدة الأمة أن يجهدوا حناجرهم في لم شتات مليار مسلم تحت راية واحدة، ولكن نريد من رؤس الأموال وأصحاب المشاريع الكبيرة والمخططين والمعماريين أن يبادروا لتنفيذ البيئة السكانية والإسكانية التي تساعد على لم شمل العائلة في بيوت توفر لهم الحماية وتسهل عليهم تطبيق شرع الله في خلقه.... البيئة الصحية بمفهومها الأخلاقي والبدني.

عليه أعيد طرح أقتراحي الذي تقدمت به في عدة محاضرات ومشاركات سابقة في هذا الموضوع والذي يوصي بفتح باب الحوار العام حول بيت العائلة المعاصر وكيفية تجاوز الصعاب والعقبات التي تحول دون إعادة طرحه كبديل للإسكان السائد الآن... وهو أمر لا يمثل ترفا فكريا أو همّا خاصا بشخصي كمعماري، بقدر ما هو إحساس عام يسيطر على تفكير جميع أفراد المجتمعات الإسلامية بمختلف شرائحها وطبقاتها، نتيجة تردي المستوى الأخلاقي والمعيشي وما صاحبه من إضطرابات نفسية وسلوكية.

وحتى أساعد على فتح باب الحوار،أقدم لكم مجموعة من التساؤلات التي أرجو منكم التكرم بإختيار ما يقع في دائرة اهتماماتكم ومناقشتها، حتى نصل في النهاية إلى وضع رؤية مشتركة ومكتملة بإذن الله سبحانه وتعالى لصورة بيت المستقبل أو النموذج المعاصر للمسكن الإسلامي" بيت العائلة/
·        السؤال الأول والذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا هجرت العائلة المسلمة بيت العائلة؟

·        أين تكمن أوجه القصور في تصميم بيت العائلة التقليدي، التي استدعت الاستغناء عنه كنموذج مثالي للإسكان؟
         هل أزمة بيت العائلة التقليدي وعدم قدرته على التوائم مع روح العصر راجع لمشكلة معمارية تتعلق بقصور في وظائف فراغات البيت وطرق توزيعها أو لعدم ملائمة مساحاته الصغيرة للأنشطة وعناصر التأثيث المستجدة ، أم هي مسألة تقنية تتعلق بمواد البناء والمعالجات البيئية والإنشائية، أم هي مشكلة تخطيطية، أم أن الأمر راجع بالدرجة الأولى لقصور في العلاقات الاجتماعية بين سكان البيت الواحد؟
         وإذا كان القصور حاصل في التركيبة الاجتماعية التي كانت تسكن بيت العائلة التقليدي، فهل نستطيع أن نحدد أوجه هذا القصور ومسبباته؟
         هل كانت النظم الاجتماعية ( العادات والتقاليد) التي تحدد العلاقة بين أفراد العائلة داخل البيت الواحدة تشكل عبئا نفسيا على أحد الأطراف أو جميعهم؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فما هي تحديدا القيود والعوائق التي كانت تشكلها العائلة على أفرادها وبالخصوص على المرأة؟

·        كيف دخلت النماذج السكنية المعاصرة والتي تعتمد النموذج الغربي إلى المجتمع الإسلامي؟ وكيف استقبلتها العائلة دون مراجعة أو تمحيص؟
         هل رضخت العائلة تحت ضغوط حاجتها إلى التوسع في السكن، إلى التعامل مع النماذج الغربية التي تبنتها الشركات والهيئات الاستشارية الهندسية الأجنبية والمحلية وطرحتها كنموذج بديل للبيوت التقليدية؟ أم هو قبول عن طواعية؟ أم هي الرغبة في التغيير؟ أم الأمر راجع لنجاح النموذج الغربي في تلبية الاحتياجات المعاصرة للساكن؟
         وما هي هذه الحاجات التي استطاع النموذج الغربي تلبيتها وعجز النموذج التقليدي عن تحقيقها أو توفيرها أو إشباعها؟
         وهل هي حاجات ضرورية وملحة أم هي كماليات تطلبتها العقلية الاستهلاكية؟ أم هو الانبهار بكل ما يأتي به الغرب مهما كان شكله ومضمونه؟

·        ما هو مفهوم المجتمعات الإسلامية للمعاصرة؟ وكيف حددتها، وكيف قيّمتها، وكيف استقبلتها، وكيف تعاملت معها، وكيف تعارضت المعاصرة مع التركيبة الاجتماعية والثقافية للعائلة المسلمة؟
         وهل حققت الأسرة السعادة المنشودة من وراء الانفصال عن عرى بيت العائلة؟
         وهل نجحت المرأة المسلمة في تحقيق ذاتها وكينونتها بعيدا عن رقابة العائلة؟ وهل حققت عوامل الأمان والاستقرار لأسرتها داخل البيت المعاصر؟ وهل انتفت المشكلات داخل الأسرة الصغيرة؟

·        هل قام المصمم المعماري بالبحث الجاد عن إشكالية المسكن الإسلامي المعاصر؟ أم أنه اكتفى باستنساخ النماذج الغربية؟
         عدم البحث هل هو راجع لمشكلة تكمن في آلية تفكير المعماري أم هو قصور في المناهج التعليمية؟ أم هي رضوخ لرغبات الساكن ومطالبه، أم هو استكانة لقوانين وتشريعات المباني المفروضة والمستنسخة عن النماذج الغربية؟
         إلى أي مدي أثرّت المناهج التعليمية المعمارية والتخطيطية ومناهج كليات الفنون الجميلة في تغريب فكر المعماري والفنان التشكيلي عن واقعه ومتطلبات مجتمعه؟
         إعادة مراجعة قوانين المباني التي تحول دون الوصول إلى رؤية تخطيطية وتصميمية معاصرة لنموذج المسكن الإسلامي، هل هي انتكاسة إلى الوراء أم هي انطلاقة نحو تحقيق الهدف؟
         عدم استيعاب المجتمع للفارق بين الدعوة لتطوير المسكن الإسلامي التقليدي وإيجاد حلول معاصرة مستوحاة منه، وبين الدعوة للعودة إلى السكنى في هذا البيت التقليدي، هل هي قصور في الفهم أم هي زيادة في التمويه؟

·        " لن أعيش في جلباب أبي" شعار صدّرته نخبة من المثقفين العرب عبر أحد المسلسلات المرئية، فلماذا يرفض المثقف العربي المسلم أو جيل الحاضر العيش في جلباب أبيه؟ وإلى أي مدى تمتلك هذه المقولة مبررات طرحها؟!
         ما الذي جناه الوالدان حتى يرفض الأبناء أن يتواصلوا معهم؟ وماذا يمثل الجلباب تحديدا؟ هل هو العقيدة أم العادات والتقاليد، أم هو نمطية التفكير في استيعاب الثوابت والتعامل مع المتغيرات والمستجدات، أم هو أسلوب التربية، أم في غير ذلك من الأمور التي تحدد العلاقة بين الآباء والأبناء. أم هو رفض لمجرد الرفض. أم هو انسياق وراء تيارات فكرية تنكر كل الموروث. أم هو الجري وراء سراب البحث عن الذات المفصومة عن عرى العائلة، أم هو شيء آخر لا نعرف كنهه ودوافعه؟
         لماذا نرفض التراث؟ ولماذا ننساق وراء الآخر ونقبل على كل ما يطرحه من قيم وأفكار جديدة أثبتت فشلها وعقمها في دارها عن تحقيق السعادة للمجتمعات التي ولدت فيها؟
         لماذا حدث هذا الانفصام الحاد بين المجتمع وقيمه المتوارثة، وبمعنى آخر كيف ومتى أصبحت هناك فجوة بين الموروث الثقافي والمعاصرة؟‍‍‍ ومن المسئول عن ذلك؟
         كيف تشكلت هذه الأزمة ومتى بدأ العد التصاعدي لتفاقمها يظهر حتى شكّل ظاهرة متفردة لهذا العصر على العصور التي سبقته؟
         وإلى أي مدى ساهمت وسائل الإعلام المختلفة في الترويج لأطروحات الغرب الاستهلاكية وتغييب الجوانب الإيجابية في تراثنا الثقافي وإبراز الجوانب السلبية وتضخيم الحالات الشاذة منه وتعميمها على واقعنا الاجتماعي؟

·        لماذا نخلط بين حاجتنا للتطور الحاصل في التقنيات الذي وصلت إليه المجتمعات الغربية وبين أهمية الاحتفاظ بقيمنا الأصيلة؟
         وهل هناك تعارض بين أن تكون لنا هويتنا الواضحة المعالم وبين الاستفادة من تقنية وعلوم وثقافات العصر التي لا تتعارض مع قيمنا الدينية.
         هل نستطيع أن نكون نحن ونحقق ذاتنا دون أن نرفض الآخر أو ننساق وراءه؟

·        وأخيرا وليس بآخر، لماذا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن؟ ومن صنع بنا هذا؟ هل هو الآخر أم نحن؟

الثلاثاء، يوليو 22، 2008

مشاريع معمارية

بيوت الضواحي والأرياف




تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي


المشروع عبارة عن وحدة سكنية من دور أرضي بمساحة مسقوفة 260 متر مربع، تقع بمنطقة السبعة، شرق مركز مدينة طرابلس.
المسقط الأفقي للبيت
جاء هذا المشروع مراعيا لظروف البيئة المحيطة. موغلا في المحلية المعاصرة، في منطقة تقع في أطراف" ضواحي" مدينة طرابلس العاصمة. كانت قبل أن تتحول إلى منطقة عمرانية عبارة عن بيئة زراعية. وهذا يعني بالضرورة أن هناك اعتبارات تشكل تصميم البيوت حسب طبيعة البيئة المحيطة فهناك بيوت الحضر التي تقع في مراكز المدن وهي تختلف عن البيوت التي تقع في أطرافها أو ضواحيها، وهناك أيضا بيوت الأرياف والمزارع وبيوت الجبال والصحراء والسواحل .... هذا بالنسبة للتسمية.

مجسم للبيت



مراعاة مبدأ البساطة وعدم التكلف، منطلقه من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يحث على عدم الإسراف والتبذير وعدم التكلف والمغالاة... والبساطة لا تعني بالضرورة الفقر ولا التجريد المخل بجماليات المعمار، ولكن تعني أن يوضع كل شئ بقدر وفي مكانه الصحيح. وعادة ما يقرن الجمال بالبساطة مثلما يقرن القبح بالغلو... إضافة إلى أن البساطة وصراحة التعبير عن الكتلة المعمارية هي سمة من سمات المعمار المحلي في ليبيا.


صممت المسطحات المفتوحة خارج دائرة الحركة اليومية للبيت، إضافة إليها حجرة استقبال الرجال التي تقع هي أيضا خارج البيت، قرب المدخل الخارجي وذلك لتحقيق مبدأ الخصوصية السمعية والبصرية وعزل الرجال عن حركة النساء، وهذا جزء أصيل في تركيبة المجتمع الليبي المسلم.
وترتبط حجرة استقبال الرجال بالمطبخ عبر منور صغير مراعاة لتغير الظروف المناخية وتسهيلا للحركة.


المفردات المعمارية والعناصر الزخرفية/في تصميم هذا البيت تم التعامل مع عناصر الزخرفة أو العناصر الجمالية، على هذا الأساس حيث أخذ في الاعتبار:

1. استعمال المشغولات المعدنية بزخارفها المحلية لحماية النوافذ. التي تمّ تصنيعها باستخدام عملية الطرق على النار.... كذلك شكل الأبواب والشبابيك فقد تم تقريبها من الأشكال التقليدية مع بعض التحويرات التي تتماشى مع روح العصر.

2. جميع الأرضيات في البيت استعملت فيها بلاطات من مادة البورسلين المزركش بأشكال متعددة وبتدرجات بين اللون البني الداكن والفاتح.
3. تم طلاء جميع الحوائط الخارجية والداخلية باللون الأبيض أما الأبواب والشبابيك والمشغولات المعدنية فقد تم طلاؤها باللون الأخضر تماشيا مع ثقافة اللون المحلية ومراعاة لظروف بيئية.

· اعتماد اللون الأبيض في الحوائط الداخلية مأخوذ فيه عناصر تأثيث البيت من جلسات ومفارش وبسط وسجاد يحتوي على زخارف مختلفة الأشكال والألوان وبالتالي فإن وجودها لن يشكل تشويش للعين لأن لون الحوائط سينسجم معها ويقلل من حدتها مثلما يعطيها فرصة للبروز كعنصر زخرفي.

· الملاحظ في ديكورات البيوت المعاصرة أن أصحابها لا يستوعبون دور عناصر التأثيث والإضاءة في إثراء محتويات البيت، فيسارعون إلى الإكثار من العناصر الزخرفية وتضخيم حجمها ليملأ فراغ البيت... وبعد تأثيث البيت يتم ملاحظة مدى التشويش الحاصل والتداخل لهذه العناصر مع بعضها البعض.

4. تم استخدام أطر بسيطة وصغيرة الحجم من الجبس لزخرفة الأسقف ، وفي بعض الممرات والمطبخ استعملت الكمرات الخشبية المتعارف عليها في البيوت التقليدية.

5. تمّ إدخال النباتات الداخلية" نباتات الظل" كعنصر إثراء لتفاصيل البيت الداخلية وهي موضوعة في أصص من الفخار الذي تم استجلابه من منطقة غريان" وهي مدينة جبلية تتميز عن باقي المدن بشهرتها في صناعة الفخار"... وتحتوي هذه الفخاريات على زخارف هندسية ونباتية بدرجات متفاوتة من اللون البني والأبيض والأحمر الفاتح.

6. استعمال مادة الحجر الطبيعي المعروف في ليبيا باسم" الترافرتينو- وهي كلمة إيطالية محرّفة" في تكسية نهايات ذروة السطح بسمك 7سم ، وتكسية نهايات كل بروز إلى جانب أرضيات النوافذ والتجاويف الموجودة في الحوائط والتي تستعمل لوضع التحف والكتب.

7. استعمل الحجر الطبيعي الأصفر في بناء الأسوار كما استعمل الحجر الأسود المحمر في تلبيس بعض الحوائط الداخلية.

8. تعريشة الخشب في الحديقة عنصر جمالي يرمي بظلاله على جماليات البيت، كذلك النباتات التي تملأ الحديقة بأزهارها فهي عناصر جمالية أخرى تثري هذه الجماليات.

وأخيرا/ فوانيس الإضاءة الموزعة على كتلة وأسوار المبنى، فقد حرصت على اختيار نوع متوفر يتسم بالبساطة. وفوق مدخل البيت وضعت فانوس له ذراع طويلة بعض الشئ وعلى ذراعه زخرفة من المشغولات المعدنية التقليدية.

تنسيق الحديقة/تمّ إعادة الاعتبار للأشجار والنباتات المحلية" النخيل، شجرة التين، شجرة العنب، شجرة الليمون، نبات العطر، الإكليل، النعناع، الورد العربي، الفل والياسمين، شجرة الجهنمية، ونبتة ورق التفاح" في تنسيق الحدائق بالبيت.
تفاصيل المبنى بعد التنفيذ
إن إضفاء لمسات بسيطة من هذا النوع لها وقع أكبر من أي أشكال أخرى يمكن اعتمادها في زخرفة وتنسيق وتأثيث المبنى من الداخل والخارج، وفي الوقت نفسه أقل تكلفة اقتصاديا.

الخميس، يوليو 17، 2008

العادات والتقاليد



المراقب لحركة التغير في البنية الاجتماعية والثقافية في ليبيا على وجه العموم يلاحظ تفسخاً واضحاً في العادات والتقاليد التي تميزت بها العائلة الليبية والتي كانت تضفي على الحياة رونقها وتعين على شظف العيش وتحيل معاناة السعي وراء طلب الرزق إلى متعة يومية يفوح عبق رائحتها من منازلها وشوارعها ومرافقها العامة، لتعم بديلاً عنها فوضى بصرية وسمعية وسلوكيات فردية تتسم بالارتجال وانعدام التوازن وغياب الوعي، لتصبح في آخر الأمر السمة المميزة لمجتمع فقدت فيه حواسه الخمسة فعاليتها تحت إيقاع رتابة تسودها ثقافة الشارع التي تستقي مصادرها من فضائيات العنف والمخدرات والجريمة المنظمة والانحلال الخلقي والتسطيح والتسلية وعبادة الدولار.

ثقافة يغيب عنها المضمون الذي يتواصل مع التاريخ، ثقافة لا تعبر إلا عن تركيبة اجتماعية وثقافية هشة كانت سائدة فبادت عند أول اصطدام بالأخر. فأصبح هوسها بالتشبه به يدمر كل ما يندرج تحت إطار الموروث دون أن تطرح وهذا اضعف الإيمان بديلاً لهوية معالمها واضحة تميز كيانها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وتعبر عن روح العصر الذي تعيشه وتعكس بالدرجة الأولى ما وصل إليه المجتمع من تقدم ثقافي" ناتج عن الكم الهائل من حاملي المؤهلات الجامعية المتخصصة" وتطور علمي" ناتج عن توفر التقنيات والمصانع والآليات والمواد. إضافة لتعدد وسائط الاتصالات التي تسهل تبادل المعلومة".

هوية تطرح بديلاً عن أزياء تايوان والصين وهونغ كونغ وإيطاليا وتركيا وربما.. .؟. هوية ترفع عن مخططات مدننا المعاصرة سرطان البناء العشوائي الذي لا يزال يواصل امتداده على حساب المناطق الزراعية التي تمثل مصدراً لقوت مجتمع يتعرض للحصار حتى وسمها بسمات مدن البلدان الفقيرة والمتخلفة، وأفقد عمارتها روح الإبداع والتصميم المحكم الذي يراعي اختلاف الظروف البيئية وتنوع الثقافات وخصوصية العادات والتقاليد بين منطقة وأخرى لتحل محلها الممسوخ من العمائر والممجوج من الفنون. إلاّ إذا كان لسان حالنا يريد أن يقول أن هذه هي هويتنا الجديدة" هوية اللا معنى".

والمسؤولية كاملة في هذا تقع على عاتق العائلة الليبية التي كانت ولا تزال وراء كل ذلك، فهي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تنشئة الجيل وتحميله القيم التي يتعامل بها مع محيطه البيئي والاجتماعي والثقافي، وهي التي تمد جسور التواصل بين أجيالها وتراثهم وتدعمه بكل عناصر الاستمرارية والتجديد وتفرّغه من كل محتوى فاسد قد يعيق ارتباطه بروح العصر أو تلبية احتياجات المجتمع، وهي التي تغرس في قناعة أبنائها أن التقدم لا يصنعه التمرد على قيم المجتمع الدينية والثقافية.


فهل للعائلة الليبية من عودة تراجع فيها حساباتها الخاطئة وتعيد لملمة الحروف المبعثرة في كيانها الاجتماعي والثقافي وتضع النقاط عليها؟ أم تراها قد ألفت هوية الفوضى التي تعم مناحي حياتها؟!

الأربعاء، يوليو 16، 2008

المعلم/ أحمد إنبيص




معماري وفنان تشكيلي/
·        أستاذ مساعد بقسم العمارة والتخطيط العمراني- كلية الهندسة/ جامعة طرابلس.
·        أستاذ مادة أسس التصميم والتصميم المعماري لمدة تتجاوز 20 سنة.
·        له اهتمامات بالحرف والصناعات اليدوية.
·        شارك بالعديد من معارض الفنون التشكيلية والمعمارية.
·        مستشار معماري بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس.
·        استشاري في العديد من اللجان الفنية والهندسية والمعمارية.



أهم مشاريعه المعمارية/
·        مشروع جامعة كانو الإسلامية بالنيجر  بالمشاركة مع الفنان التشكيلي والنحات المعلم علي قانة، أحد مشاريع جمعية الدعوة الإسلامية.


·        مشروع المبنى التجاري الإداري، الذي يمثل أحد المشاريع الاستثمارية لجمعية الدعوة الإسلامية.




أعمال تشكيلية/



جماعة أ. أحمد إمبيص/




مقالات معمارية على الروابط التالية/
الإحساس بالشارع
http://mirathlibya.blogspot.com/2008/11/blog-post_07.html

أحزمة ومناطق:
http://mirathlibya.blogspot.com/2008/11/blog-post.html

شارع وأزقة:
http://mirathlibya.blogspot.com/2009/09/blog-post_28.html

خواطر معماري:
http://mirathlibya.blogspot.com/2012/02/blog-post_4496.html

جماعة الأستاذ/ أحمد إمبيص
http://mirathlibya.blogspot.com/2012/02/1.html

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...