الثلاثاء، فبراير 11، 2020

حوش القلعة... بين ثقافتي الهدم وإعادة التأصيل.

حوش القلعة بمنطقة تاجوراء- بضواحي طرابلس

جمال اللافي


يقع هذا البيت بمنطقة النعاعسة بتاجوراء بضواحي طرابلس، ويمثل نموذجا متميزا لبيوت المزارع بحجمه الكبير، زرته في أحدى أمسيات العام 2006 ، وكانت حالته الإنشائية جيدة جداً، صحبة مجموعة المعماريين بمكتب المدرسة الليبية للعمارة والفنون، بدعوة من فؤاد النعاس (رحمه الله وغفر له) أحد أبناء العائلة، في موعد لم يتم الترتيب له مسبقاً، بقدر ما كان وليد لحظة الالتقاء به والحديث عن العمارة وشجونها المحلية واهتمام مجموعة المكتب بكل ما يرتبط بها من شواهد لازالت قائمة تتحدى الإهمال والتشويه.


تكررت الزيارة في العام 2016 بموعد تم الترتيب له مسبقاً من طرف المهندس بشير بريكة مع الأخ جمال النعاس أحد أبناء العائلة، صحبة مجموعة من الزملاء المعماريين والمهندسين وأساتذة كلية الفنون الجميلة المهتمين بالعمارة المحلية. ولم يفت المجموعة في نفس اليوم فرصة زيارة بيت آخر لهذه العائلة يقع بالقرب منه ويقطن الأخ فتحي النعاس بيت حديث النشأة ملاصق له ومتصل به عبر ممر مشترك، وما ميز هذا البيت أنه بحالة جيدة، مقارنة بحوش القلعة الذي تهدمت حوائط وأسقف أجزاء كبيرة منه. وتم الاتفاق على العودة للقيام بأعمال رفع مساحي لحوش القلعة.



       وهذا ما تم بالتعاون مع المهندس خالد سالم المبروك والمهندس رشيد كعكول. حيث توليت أعمال توثيق تفاصيل المفردات المعمارية من أبواب ونوافذ وأقواس وأعمال خشبية وزخرفية أخرى، وتولى المهندس خالد المبروك أعمال الرفع المساحي بمساعدة من المهندس رشيد كعكول. وتكفل المهندس خالد بإنجاز رسم الخريطة المعمارية للحوش بأكمله في ظرف أسبوع واحد. ولم تتح الفرصة بعدها لتصحيح بعض الأخطاء في أعمال الرفع المساحي واستكمال النواقص نظراً لتعارض مواعيد عمل صاحب البيت مع مواعيدنا.

المهندس خالد سالم المبروك، أثناء أعمال الرفع المساحي للبيت
      وكلما نظرت إلى خريطة هذا البيت راودني شعور بالأسى على عدم التمكن من استكمال أعمال الرفع المساحي له، قبل أن يتم هدم البيت حسب ما افاد به صاحبه. إلاّ أنه في أحد الأيام كانت هذه النظرة إلى خريطة هذا البيت مختلفة عن سابقاتها، حيث تبادر إلى ذهني تساؤل مفاده، لماذا لا أقوم بإعادة تصحيح الأخطاء واستكمال النواقص من واقع معرفتي بتفاصيل البيت. ثم انتقل التفكير إلى منحى آخر وهو، لماذا لا أعيد رسم الخريطة المعمارية لهذا البيت وكأنه بُني حديثا وبزوايا قائمة مع الحفاظ على سمك الحوائط (60 سم) على حالها. على أن يتم في فترة لاحقة تقليص هذا السمك إلى (40 سم) للحوائط الخارجية، و (20 سم) للحوائط الداخلية، و(10 سم) لبعض الفواصل.


وهذا ما تم العمل عليه بفرضية أن البيت القديم لم يعد صالحاً للسكن بحكم تهدم أجزاء كبيرة منه. وأن إعادة ترميمه وصيانته ستكون مكلفة جداً، ولا تتوفر عوامل نجاحه بالصورة الصحيحة، وخصوصا فيما يتعلق بإعادة بناء حوائطه وأسقفه المتهدمة بنفس المواد والتقنيات السابقة.


وبالتالي في حالة أصبح أمر هدم مثل هذه البيوت أمرا واقعا ولا مفر منه، فهذا لا يعني أن هذا النمط من البيوت غير قابل لإعادة بعث الحياة فيه في بيوت جديدة ومتوافقة مع هذا العصر بكل متطلباته ومواد بنائه ونظم إنشائه المتاحة محليا، وخصوصا عندما نقف قليلا لنتدبر في حقيقة أن هذه البيوت لا يخالطها أي عيب أو قصور في قدرتها على التواؤم مع متطلبات الليبيين واحتياجاتهم المعاصرة. ولا تقف أيضاً حائلا أمام استيعاب التقنيات المعاصرة بضروراتها وكمالياتها. بقدر ما يحفظ لهذا النمط المعماري المحلي تواصله مع التاريخ وحفاظه على هويته المعمارية المتميزة، سواء في توزيعه الفراغي أو في تفاصيله ومفرداته المعمارية والزخرفية.



رابط المقالة على صفحتي بالفيسبوك لمزيد من الصور:


الأربعاء، ديسمبر 04، 2019

التعليم المعماري 1969- 2019





جمال اللافي


"عندما يكون الاحتفاء بمرور 50 عاماً على التأسيس، لا يحمل بين طياته أي منجز حضاري".


لفت انتباهي وجود أقسام للعمارة وتخطيط المدن، تتبع لوزارة التعليم العالي في مدن ليبية لم اتوقع وجوده فيها. وهذا يعتبر مؤشراً طيباً لتنامي انتشار رقعة التعليم المعماري في ربوع ليبيا.

والمفترض أن الحاجة ليست إلى تكرار تأسيس أقسام للعمارة وتخطيط المدن، بل المطلوب التأسيس لمدارس للعمارة وتخطيط المدن يكون اتجاهها التعليمي ليس اجترار تجربة ومنهج وأساليب التدريس بقسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة طرابلس، إنما الاتجاه بالتعليم المعماري إلى مسارات جديدة تكون أكثر فاعلية وتأثيراً على الساحة المعمارية الليبية وتلبيةً لاحتياجات المناطق التي تأسست بها ومعطياتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

وأول نجاح يمكن أن يتحقق لأي مدرسة معمارية في أي مدينة ليبية هو الانتقائية الحريصة على استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرات في مجالاتهم (العمارة/ تخطيط المن/ الهندسة المدنية... وباقي فرع العلوم التطبيقية والإنسانية وربطها بالمنهج المعماري والفائدة التي سيتحصل عليها طالب العمارة وتخطيط المدن منها) من الناحيتين العلمية والميدانية، بدلاً من الاعتماد فقط على حملة شهادتي الماجستير والدكتوراة. فمستهدفات هذه المدارس هو تخريج الكوادر المؤهلة لممارسة المهنة وإحداث التغيير المنشود. وما لم يتحقق ذلك تفقد هذه المدارس مبررات إنشائها والصرف عليها من ميزانية الدولة، ومن وقت الطالب وجهده في التحصيل الدراسي.

فالارتقاء بالعمارة الليبية يجب أن يسير فيه في خط متوازي التعليم الأكاديمي المبني على تشجيع التفكير الحر المنهجي والإبداع المنطلق من مقومات البيئة المحلية وظروفها الاجتماعية والبيئية والاقتصادية إلى جانب التطبيق الميداني الذي يؤهل الطالب لدخول معترك الممارسة المهنية بكفاءة واقتدار مع اتساع الأفق وشمولية التعاطي مع الإشكاليات التي تعاني منها المن الليبية المعاصرة.

وهنا أود لفت الأنتباه إلى أن الحرص على الشكليات التي تفترض أن المؤهل لتدريس من سيحملون يوما ما شهادات البكالوريوس العلمية والليسانس الأدبية، لابد أن يتوفر فيهم شرط حمل شهادات الماجستير والدكتوراة. هو شرط مجحف بحق الطالب الدارس، الذي يفترض أن يتلقى منهجا واضح المعالم من "معلمين" يمتلكون الخبرة والقدرة على توصيل المعلومة المطلوبة وليس غيرها من المعلومات التي ستنتفي حاجة الطالب إليها بمجرد نجاحه في امتحانات مقرراتها الدراسية، من طرف أعضاء هيئة تدريس كل مقوماتهم أنهم مجرد حملة لهذا الشهادات العليا، بعضهم إن لم يكن أغلبهم يفتقد لأبسط قواعد وأساليب التدريس الصحيحة والقدرة على توصيل المعلومة للطالب بغض النظر عن فائدتها العلمية. فما بالك بهم وهم يصعبون على طلابهم المنهج الدراسي ويصطنعون العراقيل التي تشتت انتباهه وتصرفه إلى هم واحد فقط وهو إرضاء أستاذ المادة الدراسية للفوز بدرجة النجاح، ليس أكثر. ناهيك عن التأثير النفسي لهذه الأساليب على الطالب ومحصلتها النهائية على الخرّيج في مرحلة ممارسة المهنة .

فلو سلمنا أن الجامعات الحكومية تعاني من البيروقراطية الإدارية التي تتمسك بهذه الشكليات، فعلى الجامعات الخاصة أن تتحرر من هذه العقدة وتحرص على تأهيل طلابها من خلال الاستعانة بالكفاءات القادرة على مد طلابها بالخبرات التي تؤهلهم فعلا لخوض معترك الحياة المهنية، وأن يجعلوا للتطبيق الميداني مساحة تفوق المنهج النظري في ساعاتها الدراسية، وأن تتميز كل مدرسة معمارية في كل مدينة بما يدعم خصوصيتها البيئية والاجتماعية ويحسن التعاطي مع ظروفها الاقتصادية.

إن الواقع الذي يفصح عن تنامي افتتاح جامعات تمتليء بها رقع كثيرة من الأراضي هنا وهناك، ما بين حكومية وأخرى خاصة، تُخرّج في كل يوم شباباً يحملون حروف الميم والما والدال، لا يفقهون من التزاماتها ولا مسؤولياتها ولا أدوارها شيئاً، غير أنها تزين صدورهم لتضفي عليهم قيمة اجتماعية بين أقرانهم، لهو من العبث القاتل والاستهتار الفاضح بمصير دولة، تقبع اليوم في مؤخرة العالم المتخلف، ولا ترى في حاضرها بصيص نور ينقلها إلى مراتب أفضل، كانت تحتلها في غابر الأيام.


الأحد، نوفمبر 10، 2019

" ثورة على التقليد... وإبداع في التجديد"




جمال اللافي

"ثورة على التقليد... وإبداع في التجديد"، شعار رفعه الفلسطيني خليل السكاكيني، في بدايات القرن العشرين. وهو نفس الشعار الذي رفعته نخبة التجهيل المعرفي والتسطيح الثقافي في العالم العربي آنذاك، الثورة على الموروث الحضاري للأمة، بدعوى مواكبة تيار الحداثة والتجديد.

وبعد مضي قرن من الزمان ويزيد، نرى حصيلة دعواتهم ونتائجها على أرض الواقع، ونقارن بين ما كان قبلهم وما أتى بعدهم على أجيال متلاحقة من هذه الأمة، من ويلات وانكسارات في مجالات التعليم والثقافة وأيضا على القيم الحضارية المتوارثة ومنتوجهما المعرفي والمادي والأخلاقي.

والخلاصة، من السهل الدعوة للثورة على التقاليد وكل ما هو من التقاليد المتوارثة، ومن السهل هدم بنيان وأركان أي صرح قائم علمي أو مادي أو أخلاقي... ولكننا قد نكتشف أنه ليس لدينا بديل حضاري جديد، يمكنه أن ينهض بالأمة من كبوتها وسباتها، بل قد نكتشف أن الأمة كانت يقضة وفي قمة صحوتها وعنفوانها، وأن ما فعلناه لها هو أننا أعطيناها مخدراً لتغُط في سُبات عميق، جعل الأمة في حالة موات، فلا هي حية فتنهض ولا هي ماتت واستراحت.

لهذا قبل أن نستمر في حالة الثورة، التي أفرزت لنا هذا الواقع المتردي والمزري، لابد لنا من وقفة شجاعة مع النفس لنطرح السؤال الحضاري:
        ما هو البديل الحضاري، الذي يستوعب معطيات الحاضر وتطلعات المستقبل المنشود؟
        وهل يرتقي هذا البديل ليتجاوز التقليدي، أم هو هش، بحيث لا يستطيع أن يتجاوز العقلية السقيمة التي أنتجته.

الجمعة، نوفمبر 01، 2019

أخبار




دواية 

وختامها فن

بحمد الله تم مساء الأمس الخميس 31 أكتوبر2019 ختام معرض دواية لفن الحروفيات، النسخة الرابعة ، والذي أقيم ببيت إسكندر للفنون –طرابلس ليبيا- بمشاركة أحد عشر فنانا من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب.

الشكر الجزيل لكل الداعمين الذين آمنوا بدواية وساندوها لتظهر بتلك الحُلة المبهجة،
شكرا لكل الحضور الذين جعلوا من دواية مهرجانا للفن والفرح.

كل الإمتنان و وافر الشكر لضيوف دواية الذين لبوا الدعوة وكانت أعمالهم إضافة مبهرة للمعرض ،،
شكرا لأبن الجزائر يزيد خلوفي
شكرا لأبن تونس الخضراء محمد سحنون
شكرا لأبن المغرب الزاهرة عبد الفتاح بلالي

شكرا لكل فريق دواية الذين مثلوها خير تمثيل :
أحمد البارودي- أشرف سويسي- روان المنتصر- صبري سلطان- محمد الخروبي محمد القاضي- هيثم الغول- وائل الرعوبي,

الإستعدادات جارية الأن لإقامة معرض دواية بألمانيا يوم 29 نوفمبر 2019
و بعدها تبدأ الرحلة نحو النسخة الخامسة بإذن الله ، كونوا في الموعد.

المصدر:

الثلاثاء، أكتوبر 29، 2019

معرض دواية... رهان وتحديات... طموح وآفاق





أحمد الغماري

جاءت النسخة الرابعة من معرض دواية لفن الحروفيات هذا العام لتؤكد مرة أخرى على عزم وإصرار لدى ثلة من الفنانين الشبان القائمين على هذا الحدث الفريد، أنهم مستمرون في رهانهم الكبير الذي راهنوا عليه، وهو المضي قدماً في مواجهة الصعاب والتحديات التي واجهتم وتواجههم في كل دورة من دوراته التي أقدموا على تنظيمها بالقيمة وبالشكل الفني المراد. قد تبدو مسألة الإعداد والتنظيم – منذ الوهلة الأولى -  مثل هذه المناشط التشكيلية لمن ينظر إليها من خارج المنظومة الثقافية، أنها أمرٍ سهلٍ، ويمكن مجاراتها، بل والإقدام على إقامة مبادرات مماثلة، وحتى إظهارها بشكلٍ أفضل، لكن من يطلع على خبايا الأمور، ويكون على مقربة من سير الإستعدادات والترتيبات لإقامة مثل هذه المناسبات التشكيلية، سيقرُ بصعوبة مجاراتها، واستحالة تنظيمها – لاسيما - في حال إن أراد أن يؤكل أمور دعمها ورعايتها إلى الجهات العامة. تظل الصعوبات والتحديات والعوائق التي تقف أمام إقامة وتنظيم مناسبات (تشكيلية) – لاسيما في الأونة الأخيرة-  عديدة ومتشعبة ومربكة، وتحتاج من المنظمين والقائمين عليها جهداً مضنياً ومضعفاً، صباح ومساء، حتى يتمكنوا من تأمين - ولو الحد الأدنى - الاحتياجات المطلوبة لإقامة مثل هذه الأحداث التشكيلية، تلك التي أضحت ملحة وواجبة التوفير لإقامة أي منشط ثقافي كـ(البحث عن راعي وداعم مالي ثم طباعة المطوية أو كتالوج المعرض والملصق الدعائي، مروراً بتوفير مائدة الضيافة "البو فا" التي باتت من التوابث والتقاليد المصاحبة لكل الفعاليات الثقافية وغير الثقافية، وصولاً إلى توفير تذاكر السفر والإقامة الفندقية في حال وجود مشاركات أجنبية).
 
كل هذه الضروريات واللوازم التي تستدعيها اليوم عملية الترتيب والتنظيم لإقامة - خاصة - أية مناسبة تشكيلية تقع بأكملها على كاهل الفنان التشكيلي، وحده دون غيره وفي ظل غياب الجهات الرسمية أو الأهلية كالجمعيات والمنظمات الثقافية، تعينه على رفع جزء من هذا الحمّل الثقيل، وتوفر له بعض الدعم اللوجستي كطباعة المطويات والملصقات والدعوات وخدمات "البو فا" كما يحدث في بعض الدول الغنية. لكن القائمون على معرض (دواية لفن الحروفيات) هذا العام، تحدثوا عن مفاجآت عدة قد برزت دون أن يتوقعوا حدوثها ولم يكونوا ينتظرونها، منها: (إغلاق البوابة الحدودية لمعبر رأس جدير مع الدولة التونسية، ما حال دون وصول أعمال الفنانين: التونسي محمد سحنون والمغربي عبدالفتاح بلالي في الموعد المحدد) حدث هذا في ظل إرتفاع تكلفة خدمة الشحن البريدي التي تقدمها الشركات العالمية في طرابلس كـ(شركة ARAMEX & DHL) فضلاً عن غياب الآليات والإجراءات القانونية الضامنة لتحويل الدعم المالي من الخارج بعد أن توصل القائمون على الحدث لإتفاق مع جهات داعمة للمناشط الثقافية، وهذا ما حدث تماماً فيما يخص الإجراءات المالية التي تكفلت السفارة الألمانية بدفعها باعتبارها أحد الجهات الراعية.

          لئن كان مقياس نجاح هذا الحدث التشكيلي يكمن فيما ظهر من ترتيبات وتجهيزات تمثلت فيما عرض من لوحات بجودتها ومطبوعات بجمالها ومائدة "البو فا" بتميزها، لقلنا أنه يستحق بأمتياز أن يصف بأنه معرض ناجح لاسيما في ظل الأوضاع القائمة. لكن العبرة والنجاح الذي نراهن اليوم عليه- في رأيي - يكمن في قدرة هؤلاء الشبان على ترسيخ تقاليد لم تكن معتادة في مناسبات تشكيلية فائتة. أولها: المحافظة على موعد إقامة المعرض في تاريخه المحدد أواخر أكتوبر من كل عام، واستمرار إقامته ووصوله لدورة الرابعة على التوالي دون توقف.
ثانيها: إقحام الشركات الخاصة والجهات الرسمية في رعاية ودعم هذا الحدث التشكيلي مع إتاحة مساحة صغيرة جداً في مطبوعات المعرض لتظهر شعاراتهم عليها.
ثالثها: الإلتزام بطباعة كتالوج وبطاقات دعوة للمعرض وبجودة وتصميم فني راقي وهو ما كان غائباً دائماً حتى في المعارض العامة وبطبيعة الحال الخاصة منها.
رابعها: ترسيخ عادة حميدة تتمثل في عمل الفنانين التشكيليين ضمن فريق واحد متجانس في الأفكار والأداء لتنظيم دورات هذا المعرض كل عام والوصول به إلى دول مجاورة وحتى العرض في القاعات بألمانيا.

ما دعانا للذهاب إلى ما ذهبنا إليه - في هذا المقام - إلا ما وقفنا عليه من حسرة في عيون هؤلاء الشبان الذين  أصابهم الإنهك جراء ملاحقتهم جهات متعددة من أجل الاستيفاء بالاستحقاقات الواجبة لإقامة هذا الحدث الفني، وما لمسنا من نبرة حزن في حديثهم وقلق يختفي وراء مشاعرهم خوفاً من أن مسألة استمراره باتت مهددة في ظل تصاعد التحديات والعوائق وارباكات التي لاقوها لاسيما في هذه الدورة التي أقيمت في أجواء الحرب والأزمات المتلاحقة التي تعيشها مدينة طرابلس.

إن التجارب الماثلة أمامنا اليوم من تعطل لمحافل تشكيلية "عامة" كان من المفترض أن تقوم بأعبائها مؤسسة الثقافة باختلاف مسمياتها ومهامها، والجهات الرسمية الأخرى ككليات الفنون والهندسة المعمارية، لهي خير دليل على عجز المؤسسات والنخبة المثقفة وعدم قدرتها كي تتغلب على الصعوبات التي تواجهها، ولست هنا في باب التطرق إليها، ثم إن تجارب أهلية هي الأخرى منها من يجاهد لأن يحقق وجوده على أرض الواقع برغم قلة الإمكانات وشح الموارد المالية والدعم العيني، الذي يمكن أن تقدمه الجهات الرسمية ذي النشاط الاقتصادي والتجاري، ومنها من أصابها الجمود والانكفاء على نفسه وأضحت عبارة عن لافتات وعناوين ليس لها أي نشاط ولا حتى وجود مادي في الواقع، أساءت في المقام الأول إلى نفسها وفي المقام الثاني إلى الحراك التشكيلي في ليبيا بشكل عام. بل قد لحق الجمود والمراوحة في المكان ذاته الحراك التشكيلي كافة، الذي لم يسجل سنة 2019 المشرفة على الانقضاء بعد شهرين من تاريخ هذا اليوم، أي معرض تشكيلي محكم، يمكن للمرء أن يعود إليه ويعتبره حدث تشكيلي ذو تأثير فني وثقافي في خضم الحراك الثقافي في البلاد التي هي الأخرى للأسف الشديد تشهد ارتكاسة لا أحد يعلم متى يمكنها الخروج منها؟!.

الاثنين، أكتوبر 28، 2019

تأملات في المعمار



جمال اللافي

إذا أردت أن تقيّم القيمة الجمالية لأي مبنى معماري، لا تنظر إليه وتحكم له أو عليه من خلال مجموعة من الصور، سواء كانت للمبنى منفذاً على أرض الواقع، أو من خلال صور الإظهار المعماري (3Dإنما عليك بزيارته على أرض الواقع، والتعاطي معه في أبعاده الحقيقية وتفاصيله الدقيقة والإحساس بملمسه وتأثير ألوانه ومواده على نفسيتك ومشاعرك.


وإذا أردت أن تقيّم فاعليته، فعليك بتكرار الزيارة له لأكثر من مرة، كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة. عندها، إذا بقي في النفس ذلك الأثر الذي تركه عند أول زيارة له، فاعلم أنك تقف أمام صرح معماري مبدع يستحق مكانته على تلك الرقعة من الأرض، وجذارته بالبقاء كمعلم تاريخي في قادم الأيام، وإلاّ فالأمر لا يتعدى حالة إعجاب بمبنى حديث التنفيذ، أو انبهار بشكل غير مألوف، سرعان ما تعتري النفس منه مشاعر الملل والنفور.

الثلاثاء، أكتوبر 22، 2019

50 عاماً على مسيرة التعليم المعماري في ليبيا




جمال اللافي

إذا أردنا أن نبني عمارة ليبية معاصرة، فعلينا أن نبني لها مفاهيماً على مقياسها، إنطلاقا من فهم أجدادنا لها، لا أن نستورد مفاهيماً لها من الخارج.

كما علينا أن نتفق حول معايير لها، تستمد مقوماتها من قيم المجتمع الليبي، التي تربطها بالواقع المحلي بيئياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، فلا نخرج عنها بمعايير مستوردة.

مع انطلاقة العام الدراسي الجديد بقسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة طرابلس 2019- 2020 يكون قد مر نصف قرن على تأسيس هذا القسم، 50 عاماً من التعليم المعماري. وهي فترة ليست بالقليلة ولا الهيّنة، قياسا بالزمن الذي قضته مدرسة الباوهاوس الألمانية لتؤسس لعمارة عالمية معاصرة، لا يزال تأثير مفاهيمها وتطبيقاتها- في مجالات العمارة والفنون والتصميم والصناعة- يفرض نفسه على عقلية العديد من المعماريين والمصممين في العالم.

50 عاماً، تطرح تساؤلاً على كل من كان له دور في رسم ملامح العمارة الليبية خلال النصف قرن الماضي- أكاديمياً ومهنياً- كيف مضت هذه الأعوام، وإلى أين ستمضي بقية الأعوام؟

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...