الجمعة، ديسمبر 11، 2020

المفهوم الخاطيء لعصر الحريم والعودة إلى الماضي.


حوش العائلة - بين الأصالة والتجديد


 
جمال اللافي 

     بعد إلقائي لمحاضرة بعنوان(نحو رؤية جديدة ومعاصرة لمفهوم المسكن الاقتصادي) وذلك في العام 1993 بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس. وكان خلاصتها الدعوة للعودة إلى مسكن العائلة الذي يضم في رحابه الأجيال الثلاثة الأب والأبناء والأحفاد، كطرح بديل عن البيوت الاقتصادية المتعارف عليها في المشاريع الإسكانية والمعتمد على تكرار النموذج السكني والارتفاع الرأسي في البناء. بعد انتهاء المحاضرة وخروجي من القاعة، خاطبتني زميلة معمارية مُبدية تحفظها على هذا الطرح، قائلة بلهجة منفعلة: شن بتردنا لعصر الحريم! 
لم أجبها في تلك اللحظة حتى لا أفتح باباً للجدل العقيم. 

    خلال السنوات التي أعقبتها تم ملاحظة أن الحديث عن الهوية المعمارية بصفة عامة والهوية بمفهومها الشامل، المتعلقة بمعاملاتنا وتعاملاتنا وما يرتبط بها من تطبيقات في كافة المجالات العلمية والفنية والأدبية، تُقابل من عامة أفراد المجتمع بتحفظ شديد هو أقرب للرفض المطلق مصحوباً أيضا بالقول: شن بتردنا للماضي! 

     الخلاصة: عصر الحريم لم يوجد في الثقافة الإسلامية يوماً في أي دولة إسلامية قامت، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروراً بعهد الخلفاء الراشدين وانتهاءً بالخلافة العثمانية. والمقصود في تلك الأزمان بالحريم هم فقط نساء البيت أو القصر من الجدات والأمهات والعمات والخالات والبنات اللاتي حرم عليهم الشرع مخالطة الرجال الغرباء. والجواري تُطلق على البنات الصغيرات في السن. وليس كما صورتها رسومات المستشرقين وأفلام هوليوود وربيبتها في تشويه صورة الإسلام السينما المصرية ومن بعدها السينمات العربية. وكل امرأة متحجبة اليوم هي في حقيقتها تخبرنا بأنها حريمٌ عليها أن تنكشف على الغريب الأجنبي. 

     أما العودة إلى الماضي، فهي بلا شك العودة للزمن المُشرّف من تاريخنا الإسلامي، عصر الحضارة والمنجزات العلمية والفنية والأدبية. والهوية تعني بالضرورة التواصل مع منجزات هذه الحضارة، بتبني قيمها ومنطلقاتها والتفاعل مع معطيات الحاضر بمتطلباته وتقنياته وأدواته. ولا تعني التقوقع أو الانسلاخ عن الجذور.

نظرة خاطفة على المعمار الإسلامي في ليبيا

 

مدينة غدامس


جمال اللافي


أحدهم يتساءل: أين هي العمارة الإسلامية في ليبيا؟     

    الاعتقاد أن صروح العمارة الإسلامية في ليبيا تشبه في وضعها القائم صروح العمارة الإغريقية والرومانية في ليبيا، حيث يمكن حصرها وتحديد مواقعها في منطقتين أو ثلاث، فقد جانبه الصواب في تفكيره. لأننا عندما نتكلم عن العمارة الإسلامية في عمومها فيقصد بها العمارة التي أنشأها المسلمون في بلدانهم استناداً إلى توجيهات نبوية انطلقت أولاً من إعادة تخطيط الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة، حيث بنى مسجده في مركزها وقسّم المدينة إلى قطائع اختطّها لكل قبيلة( مناطق حضرية)، التي بدورها تم تخطيطها أيضا وفق مبدأ "لا ضرر ولا ضرار"، الذي سنّه عليه الصلاة والسلام، كمبدأ عام في التخطيط العمراني والمعماري للمدن الإسلامية، وما تمخّض عنها من أحكام للبُنيان استنبطها علماء المسلمين من آيات القرأن الحكيم وسُنّته الشريفة. 

    هذا الأمر هو ما أسّس لإعادة تخطيط النسيج العمراني والمعماري أولاً لمدينة طرابلس القديمة، عندما فتحها المسلمون. ومن بعدها في وضع أُسس بناء جميع المدن التاريخية الإسلامية المنطلق المنتشرة في جميع أنحاء المدن الليبية، قبل أن يهجرها سكانها إلى المناطق الحديثة، فتعرض بعضها للإزالة الكاملة وبعضها الآخر لا تزال أطلالها باقية وقلة قليلة احتفظت بكامل عمرانها ومعمارها الإسلامي المنطلق المحلي الهوية والخصوصية العمرانية والمعمارية.

 

 


الخميس، ديسمبر 10، 2020

القاتل الصامت

 

 

الحوش السماوي بمدينة طرابلس التاريخية

جمال اللافي

ما هو الشيء الذي يستحق أكثر من غيره لقب القاتل الصامت؟ 

يستحق البيت الذي تغيب عنه صفة السكينة لقب القاتل الصامت، لأنه يُساء تصميم فراغاته واختيار مواد تشطيبه وعناصر تأثيثه، وهو ذلك البيت الذي:

·        لا تتم دراسة توزيع فراغاته ومساحتها وارتفاع سقفها بالصورة التي توفر الراحة للساكن.

·        لا تدخله الكمية المناسبة من أشعة الشمس المباشرة ولا يمكن تهويته بصورة جيدة.

·        لا يتم توزيع عناصر الإضاءة فيه بالصورة التي تحقق الراحة والهدوء في الليل.

·   يتم طلاء جدرانه بكثرة الألوان في الفراغ الواحد، التي في ظاهرها شيء جميل وفي حقيقتها تسبب التوتر والانفعال والقلق والكآبة.

·        يُساء تشطيبه بمواد غالية أو رخيصة ولكنها متنافرة في شكلها وألوانها وحجمها.

·        يُساء فيه اختيار عناصر تأثيثه وعددها وحجمها مع النمط المعماري للبيت وحجم فراغاته.

·        يُكثر أصحابه من استخدام ديكورات الجبس بأشكال لا تنسجم مع بعضها البعض وبأحجام ضخمة جدا.

·        تُسمع فيه الأصوات بشكل مزعج بين الحجرات من جهة وضجيج الشارع من جهة أخرى.

·   الفاقد لهويته المعمارية المرتبطة بجذور المجتمع. ويعتمد نمطه على تقليد أنماط تنتمي لشعوب وثقافات أخرى، فيعزز لدى ساكنه شعوراً داخليا لا واعيا بمسبباته بالنقص والولاء لتلك الشعوب، ويفقد معه روح الانتماء لمجتمعه وثقافته الأصيلة. 

فيؤدي بذلك إلى غياب السكينة عنه وتوتر العلاقات بين سكانه، حتى يصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى حدوث المشاحنات والهروب الدائم من التواجد فيه، بسبب الشعور بالضيق والتوتر وعدم الراحة. 

بيوت تؤدي بأشكالها وموادها وسوء توجيه فراغاتها وواجهاتها وقلة تهويتها إلى انتشار الأمراض العضوية والنفسية والعقلية، التي قد تُنسب لأسباب طبية،لا علاقة لها بالحقيقة.

مصدر الصورة:

تصوير: كميلة الأسطى- صفحة زوايا طرابلسية، موقع فيسبوك

السبت، نوفمبر 21، 2020

المفهوم الخاطيء لعصر الحريم والعودة إلى الماضي.

 


جمال اللافي

بعد إلقائي لمحاضرة بعنوان( نحو رؤية جديدة ومعاصرة لمفهوم المسكن الاقتصادي) وذلك في العام 1993 بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس. وكان خلاصتها الدعوة للعودة إلى بيت العائلة الذي يضم في رحابه الأجيال الثلاثة الأب والأبناء والأحفاد، كطرح بديل عن البيوت الاقتصادية المتعارف عليها في المشاريع الإسكانية والمعتمد على تكرار النموذج السكني والارتفاع الرأسي في البناء. 

https://mirathlibya.blogspot.com/2008/07/blog-post_2887.html

بعد انتهاء المحاضرة وخروجي من القاعة، خاطبتني زميلة معمارية مبدية تحفظها على هذا الطرح، قائلة بلهجة منفعلة: شن بتردنا لعصر الحريم!

لم أجبها في تلك اللحظة حتى لا أفتح بابا للجدل العقيم. 

ولكني لاحظت خلال السنوات التي تعقبها، أن الحديث عن الهوية المعمارية بصفة عامة والهوية بمفهومها الشامل، المتعلقة بمعاملاتنا وتعاملاتنا وما يرتبط بها من تطبيقات في كافة المجالات العلمية والفنية والأدبية، يقابل ذلك بتحفظ شديد هو أقرب للرفض المطلق مصحوباً أيضا بالقول: شن بتردنا للماضي. 

الخلاصة:

    عصر الحريم لم يوجد في الثقافة الإسلامية يوماً في أي دولة إسلامية قامت، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروراً بعهد الخلفاء الراشدين وانتهاءً بالخلافة العثمانية. والمقصود في تلك الأزمان بالحريم هم فقط نساء البيت أو القصر من الجدات والأمهات والعمات والخالات والبنات. والجواري تطلق على البنات الصغيرات في السن. وليس كما صورتها رسومات المستشرقين وأفلام هوليوود وربيبتها في تشويه صورة الإسلام السينما المصرية ومن بعدها السينمات العربية.

وكل امرأة متحجبة اليوم هي في حقيقتها تخبرنا بأنها حريمٌ عليها أن يكشف عنها الغريب الأجنبي. 

أما العودة إلى الماضي، فهي بلا شك العودة للزمن المُشرّف من تاريخنا الإسلامي، عصر الحضارة والمنجزات العلمية والفنية والأدبية.

        والهوية تعني بالضرورة التواصل مع منجزات هذه الحضارة، بتبني قيمها ومنطلقاتها. والتفاعل مع معطيات الحاضر بمتطلباته وتقنياته وأدواته. ولا تعني التقوقع أو الانسلاخ عن الجذور.


الأحد، نوفمبر 08، 2020

نظرة خاطفة على ترميم المباني التاريخية، من وحي تساؤلات مهندسة معمارية.

 


جمال اللافي

§   أنا مهندسة معمارية مهتمة بمجال الترميم، اتمني منك تزويدي ببعض المراجع و الكتب لمتابعة هذا المجال، علماً بأني درست هذا المقرر عندما كنت طالبة بقسم العمارة.

·        يمكنك كتابة (مراجع في ترميم المباني التاريخية) على محرك البحث وستظهر لك النتائج.

 

ولكن يمكن اختصار مجال الترميم في هذه النقاط:

·   عند ترميم أي مبنى يجب المحافظة على كل العناصر المعمارية والزخرفية الموجودة في المبنى وتعويض الفاقد منها بنفس المواد والشكل.

·   مراعاة عدم إزالة أي عنصر معماري أو زخرفي من مكانه بحجة إعادته فيما بعد، لأن وجود هذه العناصر والمفردات بموادها الأصلية وتقنية تنفيذها وتركيبها التقليدية وبروح الحرفي الذي وضعها في مكانها هو جزء من تاريخ المبنى الذي يجب عدم طمسه.

·   عند توظيف أي مبنى تاريخي يجب تحديد الوظيفة المناسبة قبل الشروع في ترميم المبنى وما يتطلبه ذلك من إزالة أو إضافة ضرورية لبعض الحوائط لتوسعة فراغ أو أداء الفراغ لوظيفة مستجدة.

·        وأخيراً استشارة كل من له علاقة بمجالات الترميم من جميع التخصصات قبل اتخاذ أي قرار. 


§        أنا مهتمة بجانب اختيار المواد المناسبة للترميم وكيفية اختيارها، سواء باستخدام مواد محلية او مواد مصنعة خارجاً.

·   اختيار المواد ينطلق من المواد الأصلية الموجودة في المبنى نفسه من خلال ما هو موجود منها لتعويض الفاقد. ويفترض عند ترميم أي مبنى أن يكون مصدر هذه المواد من صناعة الحرفيين الليبيين ومن مواد متوفرة في البيئة المحلية. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بعضا من مواد البناء والتشطيب استجلبت في الماضي من الخارج كالأخشاب والبلاط والرخام والحجر.

·   أهمية البحث والتقصي أولا عن إمكانية وجود حرفي ليبي قادر على إنجاز المطلوب بكفاءة عالية، قبل التفكير في استيراد أي مادة أو صنعة حرفية من الخارج.

وحيث أنه لا وجود حالياً للحرفيين الليبيين بالصورة المتعارف عليها وبالتالي لا وجود لصناعة حرفية محلية، مما يجبر على استيراد العديد من المواد الداخلة في عملية الترميم وأيضا العمالة الفنية الماهرة في مجالات الترميم من مصادرها الخارجية.

·   كذلك حسن اختيار مصدر المادة المستوردة من الخارج ومدى ملاءمتها من جميع الجوانب بما في ذلك شكلها ومواد تصنيعها وديمومتها، فهناك دول تشتهر بالغش في الصنعة.

منهجية التعاطي مع المدن والمعالم التاريخية

 


جمال اللافي

عند التعاطي مع مسألة الحفاظ على المدن والمعالم التاريخية، يفترض بمن يتحمل هذه المسؤولية مراعاة العديد من الجوانب المرتبطة بطرق إدارة المؤسسات المعنية بهذا الشأن، وطرق التدخل في أعمال الترميم والصيانة، ألخص بعضها في الآتي لتعميم الفائدة وتوضيح الرؤية:

1.  المفترض بالمعنيين بمجال الحفاظ على المدن والمعالم التاريخية ممن يقودون مؤسساتها أن يبادروا بالتواصل أولا مع كل من يعنيهم الأمر من المتخصصين أو من المنتفعين بالمكان، للتعرف على الأقل على وجهة نظر أخرى مختلف أو متفقة،قبل اتخاذ أي إجراء ولتوسعة مداركهم المعرفية في هذا المجال قبل وضع أي تصور عام لإدارة مثل هذه المؤسسات.

2.  أهمية تنظيم العروض (محاضرات متخصصة)المرتبطة أولا بالدراسات التخطيطية التي يفترض بها أن تسبق الدراسات الهندسية والتاريخية والاجتماعية قبل القيام  بالتدخل في ترميم وصيانة وتوظيف أي مبنى تاريخي. وذلك لتفهم احتياجات كل منطقة داخل المدينة التاريخية وسبل تنشيطها والتوزيع العادل لهذه الأنشطة بين مناطق هذه المدينة حتى يتم إحياؤها جميعا وضمان نجاح أي مشروع يقام في كل منطقة من مناطقها.

3.  أهمية تواجد المدير العام للمؤسسة واللجنة الإدارية وكافة العاملين من مختلف التخصصات بهذه المؤسسة عند تنظيم هذه العروض، حتى ينتشر الوعي وتتبادل الأفكار، إلى جانب استضافة أصحاب الخبرة والاختصاص ممن تمنعهم ظروفهم من الالتحاق بالعمل بهذه المؤسسة ولا يرون مانعا من تقديم استشاراتهم متى دعت الحاجة إلى ذلك.

4.  أهمية إجراء حلقات النقاش الدورية بين الإدارة والعاملين لتذليل الصعاب وتفهم وجهات النظر المختلفة ولتلافي الأخطاء وتدارك ما فات.

5.  تجنب آفة الاعتداد بالرأي الشخصي من طرف المسؤولين أو التعاطي مع مجموعة منتقاة على أساس المحاباة، يُغض فيها النظر عن مدى خبرتهم بمجالات الحفاظ على المدن التاريخية. أو كفاءتهم المهنية على وجه العموم، مما يضر بمصلحة المؤسسة من خلال مساهمتهم في اتخاذ القرارات الارتجالية التي لا تستند إلى أي منهجية علمية فيما يتعلق بطرق وآليات وأدوات التعاطي مع المدن التاريخية ومعالمها المعمارية والعمرانية.

6.  أهمية إشراك المؤسسات الأخرى ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بمجالات الحفاظ على المدن التاريخية في اتخاذ القرارات التي تخصهم.

7.  أهمية إشراك سكان المدن التاريخية وإعلامهم وتوعيتهم بكل إجراء قبل الشروع في تنفيذ أي إجراء يمس مدينتهم وحياتهم. كذلك تحفيزهم بالحوافز التشجيعية فيما يتعلق بالتزامهم بآليات صيانة المعالم المعمارية التي يشغلونها وسبل الحفاظ على قيمتها التاريخية.

وللحديث بقية

الخميس، سبتمبر 10، 2020

وهم المعاصرة وثقافة الهدم

 

حوش قنابة- مدينة طرابلس القديمة


جمال اللافي

 

انطلاقا من قناعة، أن التأصيل للعمارة المحلية:

·   لا يعني التقوقع في الماضي، بقدر ما هي سيرورة في التاريخ، لا تتراجع إلى الخلف ولا تتوقف عند نقطة ولا تنحرف عن المسار. فهي مرتبطة بجذورها في الماضي وتتفاعل مع معطيات الحاضر، سواء تعلق الأمر بانفتاح الفكر المعماري على كل الاتجاهات المعمارية المعاصرة في العالم، أو بمواد البناء وتقنيات الإنشاء المستجدة، أو بما يستجد على الناس من حاجات ومتطلبات.

 

·   لا يرفض التطور( لا في الأشكال والتفاصيل، ولا في مواد البناء وتقنيات الإنشاء، ولا في التوزيع الفراغي للمباني)، فالتطور أمر حتمي ولا مفر منه، فهو ينبع من الفطرة البشرية، ولكنها تخطو خطواتها الثابتة وفق أصول وقواعد تضبطها وتحدد مسارها في الاتجاه الصحيح، الذي يبني على ما قبله ولا يهدم.

 

يمكن هنا الخوض في الحديث عن مفهوم المعاصرة من حيث اعتباره ظرف زمان من جهة ومن جهة أخرى حالة فكرية.

فالمعاصرة تعني الفعل في الزمن الحاضر. وكل فعل حاضر بالضرورة يبتعد بمرور الساعات والأيام والأعوام من ظرف الزمان الحاضر ليدخل في ظرف الزمان الماضي، في دورة لا تنتهي إلى قيام الساعة.

لهذا فالمعاصرة كفعل إبداعي في حقيقتها حالة حاضرة كزمن ورؤية فكرية أصيلة عندما تتولد من معطيات بيئية واحتياجات فعلية مستجدة للمجتمع المستهدف بها طرحاً ومنتوجاً مادي.

واختصاراً للموضوع سنسقط مفهوم المعاصرة على المسكن الليبي المعاصر. وهنا أمر يغيب عن عامة الناس يتعلق بتصميم المسكن. فلا يفرقون بين المسكن الذي تتوفر فيه شروط المحلية إلى جانب المعاصرة. والبيت الاستعراضي أو المستورد بحذافيره الذي لم يراع فيه المصمم أي اعتبارات تتعلق بالنواحي التالية:

1.     الخصوصية السمعية والبصرية:

·   بين أهل البيت والجيران، من حيث المواد المستخدمة في البناء التي لا تحقق العزل الصوتي. أو في تصميم مساحات وظيفية مفتوحة على إطلالة أنظار الجيران، فلا يمكن استعمالها كمساحات للجلوس خارج جدران البيت في الشهور المعتدلة أو في الصيف الحار.

·        وبين الضيوف وأصحاب البيت.

·        وبين حجرات النوم (التي تتطلب الهدوء) والمعيشة التي يكثر فيها صخب العائلة وضجيج التلفاز.

هنا نتحدث عن غياب الراحة والاستقرار والسكينة. وقصور في كفاءة التوظيف والاستعمال.

2.     الظروف البيئية المناخية:

فنجد المصمم يكثر من النوافذ الكبيرة وأبواب الشرفات الزجاجية التي تحتل كامل الحوائط دون ساتر لها من أشعة الشمس. ودون اعتبار لخاصية الزجاج الذي يسمح بدخول أشعة الشمس الساطعة التي تزعج النظر، وفي المقابل لا يسمح للحرارة المتولدة عنها بالخروج، مما يستدعي استخدام المكيفات بطاقة عالية لتبريد البيت واستعمال السواتر والكاسرات لحجب أشعة الشمس.

هنا نتحدث عن انعدام الراحة الحرارية وزيادة كلفة تنفيذ البيت ومصاريف توليد طاقة التكييف اليومية (عدم مراعات الكلفة وزيادة الأعباء الاقتصادية) بالإضافة لما يتسبب فيه التكييف الصناعي من مخاطر صحية.

3.     مواد البناء المتوفرة بالسوق المحلي وتقنبات إنشاء مكلفة:

فيضع المصمم مواد تشطيب لا وجود لها في السوق المحلي وتستعصي على صاحب المشروع استيرادها على حسابه، لوجود عوائق مادية أو خلافها. إلى جانب استخدام تقنيات إنشاء مكلفة لا تتوفر العمالة الفنية القادرة على تنفيذها بغير نظام الهيكل الخرساني الذي يستهلك كميات كبيرة من الاسمنت والحديد.

4.     كفاءة المبنى من حيث الاستعمال والوظيفة:

فيصممون فراغات ضائعة مهمتها الوحيدة إبراز جماليات الكتلة أو إحدى الواجهات. أو تصميم فراغات أساسية كحجرات النوم مثلا بمساحات إما صغيرة بحيث لا يمكن تأثيثها بكامل عناصر التأثيث المطلوبة، أو تكون بمساحات كبيرة يصعب ملؤها بعناصر التأثيث، أو تكون في جميع حوائطها فتحات لنوافذ طولية أو أبواب كبيرة فلا يمكن وضع عناصر التأثيث في أماكنها.

5.     اعتبارا ا للهوية المحلية والثقافة الإسلامية للتصميم واختلاف الطابع المعماري بين مدينة وأخرى وبيئة وأخرى:

حيث يقوم المعماري بتصميم أشكال رغم كل ما تحمله من جماليات ونقاء في تشكيلها المعماري، إلا أنها لا تنتمي إلى بيئة المكان المحلية التي صممت لها بتنوع تضاريسها ومناخها بين منطقة وأخرى. وخصوصية المجتمع وعاداته وتقاليده. إضافة إلى أنها لا تستمد مقومات حضورها في الكتلة المعمارية من المفردات المعمارية والزخارف المحلية الأصيلة، لا بالنقل الحرفي ولا بالاستنباط المعتمد على التجديد غير المُخل، حتى يمكن تعريفها وتحديد البيئة التي نشأت فيها وتنتمي إليها.

وأقل وصف لها أنها عمارة دولية تنتهج البساطة في تصميم الكتلة وعناصرها وبياض لونها، تضعها في أي بيئة فلا تشكل فارقاً، بقدر ما تطرح هذه الإشكاليات عندما تصطدم بمسألة الخصوصية الثقافية والاجتماعية والظروف البيئية والمناخية والحالة الاقتصادية للمجتمع ونذرة مواد البناء والتشطيب وغياب التقنيات الإنشائية والعمالة الفنية.

أشكال تبهر العين تعتمد على تمكن المعماري من برامج الإظهار المعماري. وعند المباشرة في التنفيذ تبدأ المشاكل في الظهور وتبدأ معها التعديلات في تصميم الخريطة لتتوافق مع الواقع. يعقبها تقديم التنازلات عن العديد من مواد البناء والتشطيب التي استعملها المعماري لتحقيق عنصر الإبهار.

 

ومن خلال هذا الاستعراض يمكننا تحديد خصائص العمارة المحلية للمسكن بتلك التي تأخذ في اعتبارها النقاط التي تم طرحها سالفا.

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...