الجمعة، أكتوبر 10، 2014

بين عباد القبور وعباد مصالحهم اتفاق






جمال اللافي


إلى المتباكين على هدم الأضرحة وإزالة القبور المنتشرة في مساجدنا التاريخية وغير التاريخية، أقول:

هناك أعمال هدم كثيرة وكبيرة لمساجد ومعالم ومدن تاريخية بأكملها، تمت في عهد المقبور. ولم تجد من يعترض عليها، ولو بكلمة- على  المستويين الشعبي والنخبوي- في ذلك الوقت، إلاّ من بعض حالات استثنائية ضعيفة، تم إخراسها من زبانية ذلك المقبور، منها على سبيل المثال لا الحصر، جامع الكتاني (أبوهريده)، جامع الشعاب القديم، جامع سيدي حموده، جامع سياله، جامع مولاي محمد، جامع باقي، مدرسة جامع ميزران، وآخرها هدم مبنى ما كان يسمى بمقر اللجنة الشعبية العامة (بنك روما سابقا). كذلك مدن سوكنة وهون وقلعة بني وليد وتحويل غالب المدن التاريخية إلى أطلال نتيجة الإهمال. كذلك لا ننسى سرقات الآثار من مدن لبدة وصبراته وشحات وغيرها.


بل الكثير من الوقائع والشواهد تقول، أن هناك من كانت له أدوار تخريبية داخل مدينة طرابلس القديمة وعرقلة لجهود الحفاظ عليها من موقع مسؤوليته الإدارية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس في تلك الفترة وفي جهاز إدارة المدن التاريخية في هذه الفترة.

ومع ذلك نرى اليوم تحشيد شعبي ونخبوي، غير مسبوق، على ما يحصل  من أعمال إزالة لمقابر داخل بعض المساجد التاريخية أو أعمال تدمير طالت الأضرحة التاريخية المنتشرة داخل هذه المساجد أو داخل مقابر المسلمين في جميع المدن الليبية. التي قامت بها جماعة- لا أعرف حقيقتها ولا دوافعها ولا مدى صدق نواياها- بعد ثورة 17 فبراير تحديدا.


والمعنى، الذي أريد أن استخلصه من هذا السرد، أن مسألة هدم الأضرحة ونقل رفات القبور من مساجد إلى مقابر المسلمين- وفق الأصول الشرعية وبهدوء ودون ضجيج- وما يترتب عنها من إضرار بالمعالم التاريخية (هذا إن تحققت مثل هذه الأضرار فعلا، ولم تقتصر العملية على إزالة القبور فقط). هي في حقيقتها لا تعني أحداً بالمرة. وليست هي المستهدفة من كل هذا العويل والصراخ والتباكي والنواح. ولكن المستهدف هو جعلها قضية رأي عام داخلي وخارجي. واستثمارها كفرصة سانحة لهم للتنفيس عن مشاعر مكبوتة تجاه من ينافحون عن عقيدتهم الصحيحة. أو للطعن في جهات أو أشخاص بعينهم أو إثارة الرأي العام بقضايا تستهدف النيل من وضع قائم، لا يرضون عنه، أو للتعتيم على جرائم اقتصادية أو سياسية تحاك لهذا البلد. فوجدوا في مثل هذه الأعمال العشوائية فرصتهم السانحة.


وربما تكون واحدة من مستهدفات هذه الحملة، سعى هؤلاء لربط هذه الأعمال بأعمال الهدم التي طالت معالم مدينة طرابلس القديمة منذ عقود وغيرها من المدن والمعالم التاريخية الأخرى. وقد نقرأ مستقبلا دراسات تاريخية تخلط الحابل بالنابل وتنسب كل ما تعرضت له معالمنا التاريخية في جميع المدن الليبية من هدم وتشويه ونسبتها إلى هذه المرحلة التاريخية وإلى هذه الجماعة. فليس هناك أسهل من تزييف التاريخ وتشويه الحقائق في زمننا هذا. 

لست أدري، فقد يكون ظني بهم خاطئاً. وتكون نواياهم كلها سليمة.

لهذا أقول، للجمع المتباكي على الموروث الثقافي الضائع، في حالة أحسنّا بهم الظن:

كم تمنيت أن تتكاثف الحملات لمنع مزيد من أعمال الهدم التي ما زالت تتم داخل مدينة طرابلس القديمة لمساكنها ومعالمها التاريخية، بهدف إقامة فنادق ومحلات وبيوت تفتقر لأبسط القيم الجمالية والفنية في العمارة.

ولا يسعني هنا إلاّ التنويه إلى أن العاملين بجهاز إدارة المدن التاريخية قد انقطعوا عن ممارسة أعمالهم بسبب مضايقات وتهديدات هؤلاء العابثين بموروثنا الثقافي.

ولا يسعني أيضا إلا التنويه أكثر إلى أن من يقومون بهذه الأعمال التخريبية، هم من العائلات الطرابلسية المحسوبة على المدينة القديمة. وقد اتطرق مستقبلا لذكرهم، فقط حتى يتبين لكم أن أغلب المتباكين اليوم هم أنفسهم من يمارسون أعمال التخريب المتعمد لمعالمنا التاريخية والتعدى عليها.


وأخيراً أقول:
أما آن الأوان، لأن نجمع صدق المشاعر مع صدق النوايا مع العمل الجاد، للحفاظ على ما تبقى من هذا الموروث الثقافي. من خلال سلسلة من البرامج العلمية والمنهجية والمشاريع الجادة، التي تستهدف هذا الموروث بالحماية الحقيقية، لإنقاذ ما يمكن انقاذه.

بل وللعمل على رد الاعتبار لهذا الموروث المعماري والعمراني، من خلال إعادة توظيفه في ذاته لتكون كل هذه المعالم أماكن للعديد من الأنشطة العلمية والثقافية. وأيضا الاستلهام منها في مشاريعنا المعاصرة، كخطوة أخرى للحفاظ على هوية عمارتنا ومدننا المعاصرة. بدلا من هذا الخليط النشاز من أعمال معمارية ومشاريع عمرانية، لا يمكننا حسبتها لا على موروثنا الثقافي ولا على منجزات الحداثة الغربية. وكأن واقعنا يشبه حالة الغراب الذي أعجب بمشية الحمام، فأراد أن يقلدها. فلا هو اتقنها ولا هو استطاع العودة إلى مشيته الطبيعية. فبقي يعرج ويورث أجياله من بعده مشيته العرجاء هذه.

وهذه الخطوات ليست مستحيلة ولا صعبة، لمن أراد أن يمسح عنه دموع التماسيح. ويعمل بالحكمة الصينية التي تقول، مع بعض التصرف:

"اشعل شمعة، بدلاً من أن تنزوي في زاويتك المظلمة تلعن الظلام، أو تحيك الدسائس".




جميع الصور من أرشيف الأستاذ سعيد حامد.

السبت، سبتمبر 20، 2014

قراءة في معايير البيت الليبي المعاصر



حوش القره مانللي بمدينة طرابلس القديمة- تصوير/ الفنان أحمد السيفاو

جمال اللافي


ربما يعتقد البعض أن التساؤل حول ماهية معايير البيت الليبي المعاصر، التي على أساسها يمكن اعتبار أي مسكن يصمم يمثل نموذجاً للبيت الليبي المعاصر بكل المقاييس، قد يبدو سهل المنال ولا يحمل وراءه أبعد من مضمونه. ولكنه في حقيقته يمثل إشكالية اجتماعية، بكل ارهاصاتها الثقافية والاقتصادية وربما العقائدية، يقف أمامها الطرح المعماري عاجزاً عن وصفها بإجاباته التقليدية، التي اعتدنا على نقلها جيلا معماريا بعد جيل، ولا تكلف المجيب عناء التفكير والبحث والتقصي. بقدر ما هي قالب جاهز للاستعمال عندما تستدعي الحاجة. ولننظر لبعض الإجابات البديهية. ثم ننظر كيف أنها إجابات خاطئة وابعد ما تكون عن واقعنا المعاصر.

حيث يرى البعض أن أولى هذه المعايير، أن يأتي هذا البيت ملبياً لجميع متطلبات الأسرة الليبية المعاصرة من فراغات، دون زيادة أو نقصان، مراعيا لخصوصيتها الاجتماعية والثقافية. هذا ما تقوله الإجابة التقليدية التي اعتدنا على اللجوء إليها تدون أن يعترينا عناء التفكير والتمحيص.

في حين أن متطلبات الأسرة الليبية المعاصرة، لم تعد في حقيقتها واحدة ومشتركة ومتفق عليها. بل أنها تعددت بتعدد مصادر الثقافة التي أصبحت تنهل منها الأسرة الليبية عبر عدة قنوات مؤثرة جدا على العقلية الليبية، على رأسها وسائط الإعلام المختلفة. حيث دخلت المسلسلات التلفزيونية وما تبثه من ثقافة العيش، كمؤثر على جل الليبيات ثم الليبيين. كذلك إقامة البعض من العائلات الليبية خارج ليبيا كان لها الدور في مسألة التأثر بمعيشتهم في تلك البلاد باختلاف ثقافاتها. إضافة لكثرة الزيجات من غير الليبيين والليبيات ومن غير المسلمين والمسلمات في مجتمعنا الليبي. لذلك فنحن اليوم أمام تعدد متطلبات وتنوع احتياجات واختلاف طبائع وعادات. وربما اختلاف تقاليد مستحدثة، ناتجة عن التأثر بثقافات دخيلة على مجتمعنا الليبي المسلم، كاحتفال بعض العائلات الليبية بعيد الكريسماس وكل ما يتطلبه من استعدادات مبكرة وتجهيزات عدة، قد يصبح مستقبلا من ضمنها تجهيز صالة كبيرة داخل البيت لوضع شجرة الميلاد والاحتفاء حولها. وقد نصل يوما- إذا استمر الحال على ما هو عليه من التغريب الثقافي والفصام الاجتماعي- أن تصبح المدخنة، التي سينزل عبرها بابا نويل ليقدم هداياه للأطفال، مطلب اجتماعي، يستلزم من المعماري مراعاته عند التصميم. وذلك بتحويل صالة المعيشة التقليدية إلى صالة كبيرة تتوسطها المدخنة، والاستغناء عن حجرة الضيوف. والأهم من كل ذلك فقد ساهم ارتفاع أسعار الأراضي إلى تشكل مجتمعات ومستوطنات ومناطق لا يسكنها إلاّ طبقة الأغنياء ورؤوس الأموال، بينما تسكن الطبقة المتوسطة والفقيرة، العمارات متعددة الطوابق ومتشابهة التصميم، في مناطق أخرى تحددها الدولة لهم.

وحتى لا يقول قائل ما هذا الهراء. أقول انظروا حال المسكن في المجتمعات العربية المسلمة في الدول المجاورة لنا، التي سبقتنا إلى هذا الانحدار والتفسخ في القيم والسلوكيات والعادات والتقاليد الاجتماعية، وانعكست بدورها على تصميم المسكن في تلك البلدان، حيث لا وجود لخصوصية استعمال الفراغات بين الضيوف (رجالا ونساء) وأصحاب المنزل. ولا مكان للخصوصية بين الجيران في إطلالات النوافذ والشرفات. وبدأت تأخذ مجراها في التأثير بسلبياتها وبعض إيجابياتها على العقلية الليبية، من خلال المؤثرات التي سبق الإشارة إليها. والتي لا تمتلك مقومات التصدي لها ولا مواجهتها ببدائل مقنعة.

وللحديث بقية.

الخميس، أغسطس 28، 2014

فوضى عمرانية وراءها مخطط مدروس؟




جمال اللافي

يعتبر هم البحث عن المأوى الذي يحمي من برد الشتاء وحر الصيف، ويوفر السكينة والاستقرار، من أكبر الهموم التي تشغل بال الإنسان منذ وطئت قدماه الأرض.

ولكن ليس الخوض في تاريخ المستوطنات البشرية ومراحل التطور التي مرت بها هدف هذا الموضوع، ولكن ما يشغل البال هو التدهور الأخلاقي الحاصل في التعاطي مع هذا المطلب الإنساني الهام، من حيث الآليات التي تفتقر للكثير من المقومات والأسس التي تبنى بها وعلى أساسها المستوطنات الجديدة، هذا إذا ما سلمنا بأن هناك مستوطنات بشرية جديدة بنيت أو تبنى بغض النظر على المعايير التي استندت إليها، والأسس التي قامت عليها.

وقد أضحى المأوى قضية مستعصية تكاد تنطبق في كل تفاصيلها مع ما يجري في أكثر من بلد عربي ، مع فارق التسميات، فمنهم من رفع شعاراً فضفاضا يحمل عنواناً رناناً هو" ابني بيتك" ، نعم " ابني بيتك" ، إنه شئ جميل، ولكن أين؟ وكيف؟، هذا هو بيت القصيد، فالمطلوب من هذا المواطن الخروج إلى مناطق جرداء " بلقع" لا ماء فيها ولا كلأ، حيث تم وضع مخططات لمشاريع إسكانية، لا تضم إلاّ قطع أراضي للإستعمال السكني فقط، لا بنى تحتية ولا مرافق خدمية. هذا في بعض البلاد، أما في بلاد أخرى فلم يدّعِ أحدا فيها أنه يبني للناس، و لم يدعوهم لبناء بيوتهم، بل تركهم في مهب الريح، يدارون هوانهم على الأمم الأخرى.

أمّا ما تجود به هذه الحكومات وبعد كل عدة سنوات من القحط والجفاف، وفقدان الإحساس بوجود حفنة من البشر أضناهم البحث عن بيت كريم، فهو نموذج مفروض وعلى الجميع قبوله طوعاً أو كرهاً، وبأسعار تتجاوز حد المنطق والمقبول والمقدورعليه، وبأسوأ أساليب التنفيذ والتشطيب.

والفارق الآخر، أن النموذج المقترح، ليس وحدة سكنية من دور أو دورين، بل هو عمارة من أربعة عشر دورا تقل قليلا في بعض المشاريع أو تزيد قليلا... توزع على رقعة الأرض المخصصة بطريقة عشوائية وفي مختلف الاتجاهات. مع افتقار هذه المشاريع الإسكانية في غالب الأحيان للبنى التحتية والخدمات والمرافق الخدمية... لا مساجد، ولا مدارس، ولا محال تجارية ولا حدائق ولا تخطيط لمواقف السيارات... فقط فوضى بصرية، تدفع الإنسان لحالة من الحيرة والضياع والتوهان في البحث عن المفقود بعيدا أو البحث عن حل من خلال مبادرات فردية. ولسان حالهم يقول:" ما حك جلدك مثل ظفرك".

والفارق الأخير، أنك تستطيع في بعض البلاد انتقاد هذا التوجه، وفضح الممارسات الخاطئة علنا، وعبر كل الوسائل المتاحة. أما في غيرها فهذه المشاريع تمثل إنجازات، ومجرد ملاحظة عابرة حولها قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، لهذا يلجأ البعض إلى التلميح دون التصريح خوفا من الوقوع في مطب الرجعية والعمالة لأمريكيا والصهيونية.

نقطة أخرى، تتعلق بتحويل بعض مراكز المدن العربية وضواحيها إلى منطقة خاصة بـرجالات الدولة وأعوانهم وأجهزتهم الاستخباراتية. وهذا الإجراء طبقته بعض الحكومات العربية ويمهّد البعض الآخر لتطبيقه أيضا، وبطريقة، تشبه إلى حد كبير، ما قامت به العصابات الصهيونية إبّان احتلالها لفلسطين، يعني تهجير قصري، وإجبار السكان والقاطنين في مركز المدينة على قبول تعويض والخروج الفوري أو ......؟.

والقصة تبدأ من هذا التعويض:
مبلغ مالي، ليس لنا عليه تعليق، لأنه يفترض في الظروف العادية، أن يساعد على شراء شقة في عمارة في آخر الدنيا. ولكن هناك إجراءات إحترازية أخرى تصاحب هذا التعويض، وهي:
§        رفع أسعار مواد البناء الأساسية( الإسمنت والياجور والبلوك والحديد).
§   إصدار قرارات بطرد العمالة الوافدة، تحت دعاوى تنظيم دخولهم وخروجهم، على أن تبقى الأمور على حالها، مما يشجع هذه العمالة على استغلال الظرف ورفع أسعار الأيدي العاملة في مجالات البناء إلى أضعاف السعر السائد، بحجة نقص العمالة. وكلما تكرر الأمر يزداد ارتفاع السعر، بحيث يصل في النهاية إلى أسعار تعجيزية، لا قدرة للمواطن العادي وغير العادي على مجاراتها. وبالتالي يقف المواطن عاجزا عن بناء بيت، فيلجأ إلى بناء عشة من صفيح أو كرتون. وفي نهاية المطاف قد لا يجد إلا الأرض وسادة والسماء لحافا.
§   منع البناء خارج المخططات المعتمدة في هذه الدول، مع مراعاة عدم وجود مخططات جديدة، وتهديد كل من يقوم بالبناء خارج هذه المخططات بهدم مسكنه دون تعويضه.
§   السماح بالبناء العشوائي، والتغاطي عن ذلك في مقابل بعض الرشاوي، التي تستنزف جزء من رصيد المواطن، لحين الانتهاء من تهجير جميع السكان داخل المخططات المعتمدة- بحجة الإزالة لغرض التطوير وتوسعة الشوارع- إلى هذه المناطق التي تفتقر لجميع الخدمات والبنى التحتية. وبعدها سيتم تطبيق الإجراء.

والنتيجة:
1- عدم استقرار أحوال المواطنين في هذه البلاد.
2- نزع ملكية جميع العقارات داخل المخططات المعتمدة بالمدن أولا، والعشوائية بعدها وبالتدريج، حتى يتم نزع ملكية كل شبر في تلك البلاد، بحيث لن يصبح في المستقبل هناك مواطن يملك شبرا واحدا من الأرض أو العقار، في هذه الدول.
3- استبدال المواطنين، بالجاليات الأجنبية، في مراكز المدن، بحجة فتح أبواب الاستثمارات الخارجية، وحق الأجانب في التملك.... يعني عودة الاحتلال الذي خرج من الأبواب تحت ضربات المجاهدين، ليدخل من الشباك الذي فتحته على مصراعيه زمرة من العملاء والمأجورين.

ويمكن تلخيص المسألة من خلال معادلة رياضية بسيطة:
مبلغ تعويض بخس + ارتفاع أسعار مواد البناء الأساسية + ارتفاع أسعار الإيدي العاملة + منع البناء خارج مخططات المدن/ عدم وجود مخططات لمدن جديدة = هجرة السكان إلى المجهول/ عدم توفر وسائل المواصلات لهم/ عدم توفر مواطن شغل لهم/ عدم توفر الخدمات الرئيسية لهم/ عدم وجود رعاية صحية لهم/ عدم وجود مؤسسات تعليمية لهم. والمحصلة، إفناء شعب، وإحلال آخر، بطريقة شيطانية/ سرقة أرض/ سرقة ثروات.

الأمر تعدى كل الحدود... الأمر ليس مجرد سوء إدارة أو سوء تصميم لمشاريع عمرانية، أو خروج عن المعايير والمواصفات في مجال البناء، أو طمع مقاول وغش مهندس معدوم الضمير، أو تغافل الرقابة الإدارية عن المخالفين من أصحاب النفوذ والمال.

هذه المشاريع التي تنفذ الآن على قدم وساق في جميع الدول العربية، المستهدف منها هو إعادة توطين الجاليات الأجنبية الغربية فقط (على غرار ما كان من المفترض أن يتم خلال فترات الإحتلال التي تعرض لها العالم العربي والإسلامي في بدايات القرن الماضي)، ولكن هذه المرة ليس عن طريق الاحتلال المباشر، بل بوسائل أكثر خبثا ووضاعة). ومهمة المستوطنين الجدد، السيطرة على مصادر الثروة، ومراكز المدن، والتحكم في القرار السياسي لكل دولة، ومنع أي حلقة اتصال بين الشعوب العربية، لمنع أي تنسيق أو تنظيم لمواجهة هذا الاحتلال.

أما مصير الشعوب العربية، فسيكون على النحو التالي:
·        التهجير من جميع مراكز المدن والقرى، دون تحديد مواقع جديدة لتوطينهم.
·   الاستيلاء على أملاكهم بحجة مخالفة قوانين التخطيط والتنظيم، وعدم تعويضهم، أو جعل التعويض غير قابل لتمكينهم من إعادة بناء مساكن صالحة.
·   تجميعهم في مناطق عشوائية غير مرخص بالبناء فيها، تفتقر لجميع الخدمات والمرافق الضرورية، وخصوصا المساجد، المباني التعليمية، المرافق الصحية.
·   قطع أسباب الرزق عنهم بالتدريج، وتحويلهم لمجمعات من العاطلين عن العمل، لنشر أسباب الفساد والرذيلة والأوبئة الصحية والاجتماعية بينهم، وتحويلهم لقطعان من البشر فاقدي الأهلية والقدرة على التحكم في مقاليد أمورهم، واضطرارهم للعمل كخدم منازل لأسيادهم البيض.

وأخيرا.... الحل يكمن في استمرار عملية توعية الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة بما يحاك لهم في الظلمات، مؤامرات اجتمع فيها شياطين الإنس بشياطين الجن، لتحقيق مآرب أخرى، بدأت معالمها تتضح كل يوم، في كل مكان على وجه هذه البسيطة، وفي مختلف أوجه الحياة،وليس فقط في العمران.

علينا أن لا نسمح بمشاريع الغد أن تأخذ طريقها للتنفيذ بواسطة عملاء جدد ووجوهاً خبرناها.

وخلاصة الأمر، رفعنا ونرفع الدعاء للذي لا يغفل ولا ينام، والذي بيده ملكوت السماوات والأرض، أن لا يقدّر هذا الأمر، وأن يحفظ أمتنا العربية والإسلامية من كل سوء.... وأن يجعل كيد هؤلاء البغاة المستبدين في نحورهم، وأن يكفينا شرورهم. ثم علينا الأخذ بالأسباب.

وها قد قيّض الله سبحانه وتعالى لنا الأخذ بالأسباب التي أدت لزوال حكم الطواغيت المستبدين، منهم من فر هارباً إلى خارج بلاده، ومنهم من سجن هو وحاشيته ومنهم من قتل هو وابنه وأزلامه وفرمنهم من فر إلى خارج البلاد ليدوقوا مرارة التشرد ومنهم من أحرق وجه وانحسر في زاوية يتجرع مرارة الخذلان ممن خدمهم طيلة عقود وأخلص لهم على حساب شعبه.





المصدر/ إعادة صياغة لموضوع حواري تم بملتقى المهندسين العرب بتاريخ 18/9/2009 م.


الثلاثاء، أغسطس 19، 2014

رحيل معلمي.. Andy MacMillan


د. مصطفى المزوغي


كأن لنهاية الأسبوع الماضي موعدا لرحيل آندي ماكميلان، رجل عرفته في يناير العام 1993، أخذ بيدي في رحلة المعرفة قاربت الثلاث سنوات ونصف، معه عرفت أشياء كثيرة منه وأشياء أكثر عنه

هذا الرجل يملك وحده شرف تأسيس أحد أفضل مدارس التصميم المعماري في المملكة المتحدة عرفت باسم مدرسة ماكنتوش للعمارة، وكان على يقين أنها كانت وستكون دائما “مدرسة آندي” هكذا كان يخبرني مازحا حين حان موعد تقاعده.

ذات يوم لفت انتباهي تجمع طلابي بقاعة المحاضرات، بدا لي وكأنه تظاهرة جمعت كل طلاب مدرسة ماكنتوش، فاقتربت لأتبين الأمر فكان الكل في حالة ترقب وانتباه لأحد أجمل وأقوي محاضرات آندي ماكميلان حول مدينته جلاسكو، وكيف يراها، لم أملك بعد هذه المحاضرة التي دونت عديد المقتطفات منها إلا القرار لحضور كل محاضراته التي كان يلقيها على مسامع طلبة السنة الأولى في مقرر تاريخ العمارة وأنا الدارس لدرجة دكتوراه الفلسفة، فكان أن ابتسم لي في أول مرة وأستمر في محاضرته.

ثاقب الرؤيا، حاد القراءة، لا يجامل ولا يدعي، حين وددت رأيه عن مشاركتي في مسابقة معمارية لمعلم في لندن، تمعن لبرهة وتمتم عليك بالمشاركة أكثر في المسابقات !، وحين تجاوزت مرحلة متعمقة في رسالة الدكتوراه حينما واجهتني عقبة ما، أجابني عن سؤالي بقوله “اليوم انت وحدك من يعرف عن موضوعك فلا تتوقع إجابات لدي” وأدركت معها كنه التخصص.

منذ أشهر كان لي اتصال هاتفي، أسعدني كثيرا وأخبرته أنني أدرجت بكتابي (حوار على هامش نظريات العمارة) رؤيته في اكتشاف العمود في تاريخ العمارة.. قهقه ضاحكا بصوته المميز معلقا “نعم أتذكر ذلك”.

في أحدى رحلاتي معه، همس لي ” مصطفى على المرء دائما أن يتعلم فن الحياة”..

رحل آندي وتبقى أعماله وأقواله، سيرته كمحارب اسكتلندي قوي وشجاع كريم محب ومعطاء للعمارة والإنسانية على حد سواء.





Has Andy already left ?
As if the end of last weekend, is the date for the departure of Andy MacMillan to his eternal life. A man I knew in January 1993, when guided me in a journey of knowledge for a nearly three and a half years. I learned many lessons from him and more about him.
Andy MacMillan, alone, has the honor of establishing one of the best architectural design schools in the United Kingdom known as the Macintosh School of Architecture, it will always be, “Andy’s School”, Humorously he told me, when it was time for his retirement.
One day, in the crit space at MAC school, I noticed the gathering of students seemed to me like all the students of the school Macintosh were there, all-in a state of alert and attention. I came closer and realised that it was one of the most beautiful and the knowledgeable lectures by Andy MacMillan about his hometown of Glasgow.After the lecture, I have decided to attend all the lectures by Andy, even the ones delivered to the first-year students in the history of architecture .

Visionary, and sharp reader, he was.
Months ago I had a phone call with Andy, and I told him that I hereby incorporated in my book “A dialogue on the margins of Architectural theories” his view of the discovery of the column in the history of architecture .. he giggled in his  distinctive voice, laughing, commenting, “Yes, I remember that.”

In one of my trips with him, Andy whispered to me, “Mustafa .. one has to learn the art of life” ..

Andy is gone and left behind him a rich journey of life and deeds. He was a Scottish warrior, strong, brave and generous to architecture and humanity. God bless his sole



المصدر/ http://mustafamezughi.wordpress.com/

الثلاثاء، أغسطس 12، 2014

شخصيات ومعالم




الأسطى عبدالسلام محمد القروي


أ‌.        مصطفى حقية

إطرابلس المدينة الخالدة خلود الزمن، الحاضرة دائما في ذاكرة التاريخ، الملهمة للمبدع والفنان في كافة المجالات صنعت حضارة تتحدث باسمها. مرت بها عهود وحقب تاريخية تأثرت وأترث في حضارة البحر المتوسط وكانت احد عناصره الرئيسية .

اشتهرت بمعمارها الذي حاكى التاريخ، فتنوع هذا المعمار بتنوع الفترات الزمنية، فكانت العمارة المحلية، ثم أساليب العمارة المختلفة تبعا لكل مرحلة تاريخية . تحفظ هذه المدينة بوفاء نادر إبداعات ابنائها اللذين بدلوا الجهد في الحفاظ على كيانها المعماري والابتعاد عن تشويهه وطمسه.

فكان الأسطوات، اللذين بإبداعهم وحرصهم على مدينتهم، قاموا بصيانة العديد من الحياش والأزقة والأسواق والفنادق والجوامع وبيوت العلم. ومن هؤلاء شخصية عاشت بين جدران المدينة القديمة أكثر من (90 عاما) هو الأسطى عبدالسلام محمد القروي، من مواليد (إطرابلس 1889 م). وأقام طوال حياته بالمدينة القديمة بزنقة العربي المعروفة أيضا بزنقة (القاجيجي) بمحلة كوشة الصفار .

بدأ الأسطى عبد السلام القروي رحلته مع البناء والصيانة منذ طفولته مع أخويه أحمد ومصطفى اللذين مارسا نفس المهنة. توفي والده محمد القروي فكفله عمه محمود القروي، والد الحرفي المبدع بشير القروي والذي لقب ب(العبارة )، التي كانت تعني تفوقه في حياكة الاردية بخطّاتها المتنوعة الجميلة .

الأسطى عبدالسلام محمد القروي

كان الأسطى عبدالسلام القروي يتمتع بخيال واسع فشيد البيوت، دون أية استعانة بخريطة انشائية أو ما شابه ذلك حيث قام ببناء مجموعة من الحياش في منطقة باب البحر ومنها المنزل المقام من دورين بجانب عمارة الوحيشي. إعتماداً على خبرته ومعرفته الدقيقة بطبيعة الأرض وخصائصها، مع مراعات الطراز المعماري المتعارف عليه في المدينة القديمة .

رمم العديد من الجوامع والزوايا والحياش والفنادق إلاَ أن كتابة اسم المرمم لم تدون على واجهات هذه المعالم في ذلك الوقت، والاَ لكان اسم عبدالسلام القروي منحوتا في العديد من هذه البناءات .

طلب منه العمل في مدينة زوارة بعد الحرب العالمية الثانية، فقام ببناء بعض المباني، التي لايزال بعضها موجودا إلى الآن. وهي ملك لبعض الأسر في المدينة. ومنها أسرة بن شعبان وأسرة العزابي وأسرة العطاطشة . كما بنى جامعا في زوارة وآخر في الجميل. وكان بناؤهما ابداعا رائعا تجلى في مفردات العمارة المحلية .

تعلم على يديه العديد من البنَائين والمرممين ومنهم من واصل دراسته وتحصل على الشهادات العليا في مجال الهندسة المدنية. ونذكر منهم الدكتور لطفي عبدالسلام القروي، الذي تحصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الامريكية.

وبعد رحلة طويلة استمرت (93 عاما) انتقل الأسطى عبدالسلام القروي إلى جوار ربه في(22 ديسمبر 1982 م)، تاركا جهداً وتراثاً وابداعاً نعتز به ونقدره .

إن الوفاء لهؤلاء المبدعين هو أن نذكر بكل فخر أعمالهم وما بذلوه من جهود للحفاظ على المدينة التاريخية ولولاهم لما بقيت صامدة ولما تصدت لمحاولة المسخ والتشويه.



المصدر/ صفحة أ. مصطفى حقية، على الفيسبوك.



الاثنين، أغسطس 04، 2014

متابعات


الملتقى الاول للتخطيط العمراني

تحت شعار
(مستقبل التخطيط العمراني في ليبيا)
في الفترة 12-13 / 08 / 2014



الأربعاء، يوليو 30، 2014

تجذير مفهوم العمارة المحلية


جمال اللافي


أذكر في هذا السياق موقفا تعرضت له في أحد مشاريعي التصميمية خلال فترة دراستي بقسم العمارة والتخطيط العمراني، يتعلق بتصميم مشروع نادي رياضي بمدينة ترهونة (وهي مدينة ريفية جبلية). وقد استوحيت الطراز المعماري لهذا النادي من العمارة الغدامسية (غدامس مدينة صحراوية تميزت بخصوصية عمارتها المحلية)، من منطلق أن مدينة ترهونة لا تملك أي عمارة أو طراز مميز.

ولأنني حريص على أن أختم جميع مشاريعي بوسم العمارة المحلية، فكان اجتهادي أن اقتبس من هذا الطراز المعماري الغدامسي لتعويض هذا الافتقار لنمط معماري مميز، الذي تعانيه مدينة ترهونة. وعند عرض مشروعي للمناقشة أمام أستاذ المادة. أبدى هذا الأستاذ رفضه لفكرة الاقتباس من العمارة الغدامسية وطالبني بالبحث عن عناصر ومفردات تمتاز بها مدينة ترهونة واستخدامها في مشروعي هذا. فأخبرته بأن هذه المدينة تفتقر لأي ملامح معمارية يمكن إدراكها والتعاطي معها. فأصرّ على أن أبذل جهداً أكبر في البحث. فقلت له مغاضبا، عندما يستوحي الطالب من عمارته المحلية، تضعون أمامه كل العراقيل. أمّا عندما تأتي مشاريعه مغتربة عن واقعه، فلا تتأخرون في كيل عبارات الثناء والتشجيع له ودعمه ليستمر على هذا النهج. فلم يزد عن القول، ابحث أكثر وستجد.

وخلال فترة العطلة الصيفية، جلست يوما لأعيد التفكير في هذا الأمر، وبدأت أطرح على نفسي بعض التساؤلات حول إمكانيات أن أجد في مدينتي ترهونة أي ملمح لعمارة تخصها. وانطلقت من بيت جدي الواقع على مشارف مدخل المدينة، المكون من دور أرضي (لديه بيت آخر في نهاية المزرعة لا يختلف في نمطه عن بيوت مدينة طرابلس القديمة). فكانت البساطة في الكتلة مع بعض المفردات المتعلقة بشكل النوافذ والأبواب التي لا تختلف عنها في البيوت الطرابلسية مع التبسيط والتجريد. ولكن ظهر أمامي نسق مختلف في توزيع الفراغات، حيث يبدأ الدخول للبيت عبر حديقة صغيرة مسورة ومبلطة. جزء منها مسدى بدالية عنب، وتسمى هناك "لايده"، وبها مدخل جانبي يؤدي إلى غرفة الضيوف، للتخديم عليهم (وهي تفتح مباشرة على واجهة الشارع). ومدخل رئيسي يؤدي إلى داخل البيت، حيث تتوزع فراغات البيت على جانبي ممر يؤدي إلى حديقة خلفية أكبر، مسورة ومزروعة ببعض أشجار الفواكه وتحتوي على حضيرة للدواجن وبرج للحمام. وبها باب صغير يؤدي إلى المزرعة. وهذا النمط من البيوت تكرر داخل مركز هذه المدينة وفي أطرافها بصورة ملفتة للنظر. (للأسف جميع هذه البيوت هدمت في فترة مبكرة بعد انقلاب 69).

بيت جدي

وكان هذا بداية لإيجاد نمط لنموذج بيوت الضواحي والأرياف، الذي صممت منه مجموعة متنوعة، تم تنفيذ إحداها بمنطقة السبعة بضواحي مدينة طرابلس وآخر بضاحية مدينة الخمس واثنان بضواحي مدينة مصراته (أحدهما نفذ والآخر لا أدري عنه شيئا).



مثلما كانت هذه بداية لإعادة تقييم نظرتي لمسألة تأصيل العمارة المحلية، بحيث بدأت بالأخذ بعين الاعتبار مفهوم اختلاف التوزيع الفراغي في عمارتنا المحلية، تبعا لاختلاف البيئة الجغرافية والمناخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين المناطق والمدن الليبية. وعدم الاكتفاء بالنظر إلى مفرداتها المحلية. ومراعاة هذه الاعتبارات عند تصميم أي مشروع معماري، بغض النظر عن طبيعته.

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...